الدولة الاسلامية .. الحلم
بقلم خليل حلاوجي
ظاهرة الدولة ظاهرة أجتماعية وليست سياسية فمن يقوم ببناء الدولة الاسلامية هو المجتمع الإسلامي وليس سياسيه .
أما العلاقات الدولية بين المجتمعات فهي ظاهرة سياسية.
ولأن الدولة كنظام حكومي لم يسبق للمسلمين تجربة إنشائها منذ زوال دولة السلطان العثماني التي استمرت لقرون والتي انتقل بعدها المسلمون الى الظاهرة الاستعمارية فكانوا منشغلين بشرعية التحرر من المستعمر على حساب تشويش مفهوم الدولة.
كيف نتحرر؟ كان هو السؤال الذي أجل عن وعينا الاجتماعي التفكير في كيف نبني دولة حديثة ؟
والدولة الحديثة – كما أفهمها أنا إسلاميا ً – ليست هي الدولة التي ظهرت في أوربا
إنما أعني بهذا المصطلح الدولة التي أرسى دعائم مؤسساتها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، دولة الفطرة كما سماها علي عبد الرازق في كتابه ( الاسلام وأصول الحكم ص52) ، لقد استحدث النبي عليه الصلاة والسلام مفهوما ً جديدا ً عند الناس الذين إرتضوا أن يكون النبي رسولهم وقائد جمعهم والآمر الناهي في دولهتم في يثرب .
لقد كان مفهوم الدولة عندهم قبل هجرة الرسول اليهم مفهوماً عشائريا ً له مضمون ضبابي في آلية ( الحقوق \ الواجبات )
لذا رأيناهم ينصاعون لمراد الرسول ودولته الرشيدة حينما تأكدوا انها دولة تتبنى الدفاع عن حقوق الإنسان، المرتبطة بالمجتمع المدني والتي تساعد المجتمع أن يبلغ درجة التعبير الحر عن كل ما يرغب فيه أي إنسان فلا فرق بين أحمر وأسود إلا بالتقوى ، والدولة التي تستمع لما يقوله المجتمع خصوصا ً منهم
1\ الاقلية الاجتماعية وبلفظة القرآن المستضعفين
2\ الاقلية الدينية (من يهود ونصارى ) والذين كتب لهم الرسول عليه الصلاة والسلام بنودا ً هامة في الوثيقة التي كتبها في اول ساعات هجرته موضحا ً لهم مايتوجب عليهم إنجازه وموضحا ً لهم حقوقهم ، ولو قرأنا الاية التي يعاتب فيها الله تعالى رسوله في قرآننا المجيد ليحق الحق لرجل يهودي ظلمه رجل مسلم قال تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً{105}.
إن الطلبات التي يرفعها فقراء الدولة فتصل بها رغباتهم وبسهولة الى زعيم الدولة الذي أعلن على الملأ ان الجميع سواسية فلو أن فاطمة بنت محمد سرقت ففي دولة محمد يجب قانونا ً أن تقطع يدها .
كان هذا التفاعل بين دولة الحقوق والمجتمع المدني ظاهرة جديدة عند اتباع دولة الفطرة هذه واعتقد ان سر النجاح آنذاك هو التهيئة الفكرية والثقافية لاتباع المنهج السماوي فقد كانت مهمة الرسول في مكة هي الإعداد الايدلوجي لأناس ذاقوا مع الرسول طعم التحرر من عبودية خرافة هيمنة الحاكم على المحكوم فتفككت قيود الطاغوتية وأشرق عصر التوحيد بمعناه الاجتماعي .
اذن : ظهرت الدولة الاسلامية عندما أكمل المجتمع الاسلامي تخلصه من القيود التي سكنت عقوله عن مفهوم الاستعباد فكان الجذر لقيام الدولة جذرا ً فكريا ً وليس سياسيا ً كما نعتقد نحن اليوم .
نحن اليوم لانزال واقعين تحت تأثير شرعية التحرر من المستعمر معتمدين على ثقافة سياسية وعلى ثقافة حقوقية في ذلك ولو أنا أدركنا المفهوم الشرعي للتحرر غير متجاهلين البعد التاريخي لفهم شرعية دولة معاوية رضي اللع عنه والظاهرة الاموية ودولة السفاح رحمه الله والظاهرة العباسية لعلنا ندرك ماالذي حصل عند انهيار الخلافة عام 1258 وانتصار هولاكو في بغداد عاصمة الدولة آنذاك وماتلاه من ظهور دولة اسبانيا الاموية ومصر الفاطمية والهند الغزنوية ودولة ربوع افريقيا .
لدينا جهلا تاريخيا بما حدث في دولنا تلك جهلا ً كمجتمع وايضا ً جهلا ً في تحديد معايير نظم الدولة في كل تلك الحقب .
ثم نحن لم نكلف أنفسنا لدراسة علاقة مجتمعاتنا بالدولة العثمانية التي كانت تحكمنا لقرون أربعة ولماذا ساهم البعض وبالتعاون مع المستعمر المسيحي على محاربة الجيش العثماني بدعوى التحرر .
وكما يقول محمد آركون : ان (مفهوم السلطان) في اللغة العربية وفي الفكر الإسلامي له أهمية كبيرة لأنه يدل على عدم المشروعية الإسلامية لدولة السلطان إذا ما قارناها بدولة الخلافة ويضيف : ألغى أتاتورك الدولة السلطانية ولم يلغ دولة الخلافة ، ومع ذلك ظل رشيد رضا وآخرون عندما ألغيت الدولة العثمانية يدعون ويعترضون على أتاتورك بأنه ألغى دولة إسلامية) .
والسؤال الآن:ماذا يعوزنا لنقيم دولة الفطرة ؟
يعتقد البعض أن دولنا القائمة اليوم نفسها وهي لم تعتن بتحديث المؤسسات السياسية ولم تأبه للديمقراطية المستوردة من خارج فضاءنا الاسلامي هو علة الضمور في ساحة الانجاز الحضاري لاقطارنا الاسلامية والحق أني أرى العلة تكمن في عدم تحديث المحتوى الثقافي فمن نكد الدنيا على احرار اليوم ان الأمر لمن يملك لا لمن يرى ، يقول المفكر السعودي ابراهيم البليهي : ( إننا بحاجة إلى إعادة تأسيس ثقافي ) ويضيف (يجب أن يرتفع الناس إلى مستوى النخبوية ) ولكن سؤالي هنا كيف سيتم رفع الناس لهذا المستوى النخبوي.
اعتقد اننا بحاجة الى تأصيل الخطاب الدعوي لنعيد تلك العين المراقبة لآليات سلطات الدولة من قبل استثمار مؤتمر يوم الجمعة فصلاة الجمعة أراها أفضل تجمع تطرح فيه معضلات الاوضاع المفزعة في اقطارنا ولا أعتقد ان خطبة الجمعة مخصصة لعرض المسائل الفقهية فحسب ثم لدينا منابر الجامعات والتي نستطيع وبسهولة تسخيرها لصالح دراسة اوضاعنا
أكاديميا ً عن طريق دراسة اوضاعنا الصحية والزراعية والتجارية والصناعية يقوم بها طلبة العلم وبحيادية موضحين معيقات استنهاض الامة لاساتذة جامعاتنا فيكون هؤلاء الاساتذة حلقة الوصل بين الطلبة الباحثين وبين مؤوسسات الدولة كلجان البرلمان او حتى يمكنها الاتصال بالوزارات المعنية
وهكذا يكون الدور الأجدى لرجل العلم وطلبته في واقعنا الآني وربما لو نجحنا في هذه الطريقة سيتسنى لنا عرض الإسلام باعتباره دينا عالميا .
يتبع