:::: دموع ... و مطر ::::
لأنه المطر .. ذاك الكائن الهاطل غامض الملامح ، لأنه رافق دموعها منذ الصد الأول ،
و لأنه حفر تجاعيد ضحكة قديمة على ثغرها المهشم ، لأنه المطر ..
رفعت عينين عانقتهما التجاعيد و غلب جمالَهما الغابر الوهنُ و حدقت به ، تعانقت
الأعين الأربعة للحظات ثم أغضى ، فلملمت ثوبها القديم و نهضت بمشقة من على عتبة
المتجر القديم و السماء تكفكف مطرها ، و عيناها الهاجعتان معلقتان بآخر القطرات الهاوية
عن مظلة المتجر الممزقة . شكرتها في أعماقها فلم تحرمها رؤية السحب الباكية كما لم
تحرم المطر بقايا دفء الجسد العجوز ، و مضت ببطء تمسح على رؤوس بريكات المطر
الصغيرة فاغرة الأفواه كألف طير امتشق زقزقته فما نال سوى سراب ، مشت و الليل
يحفها بجنود ظلمته ، و الدفء يشع من النوافذ المضيئة و الأبوب الموصدة ، مشت و لم
تملك إلا أن تتذكر وجه مشرِّدها لعلها تحس بعض الدفء و نيران الذكرى توقد المختبئ
من النبض بين ثنايا قلبها الحزين ، مشت و ......
~~~
صبية صغيرة بأحلام كبيرة و قلب كبير ، تعانق السماءَ عيناها باشتياق كأنما تدعو حبيبا
طال نواه ، و السماء تجمع دموع المعذبين و أنات الحيارى التائهين ، و عينا الصبية تتشبثان
بدمعهما ، و الأعين في سباق ... عينا السماء ، و عينا الصبية . و فازت عيناها فلم تكن
بحاجة لاستلهام أشجان حزين أو التأمل في مرارة ضعيف ، كانت مرارتها تكفيها و كان
الدمع ينسج بريق عينيها و شحوب وجهها ، سالت دموعها تغسل القلب المرتجف لعله
يسكن و يقر ، و كيف لحزين أن يبسم فؤاده ؟ و أنى لمجافَى أن تقر روحه ؟
و استلان السماءَ دمعُها فشاركتها النحيب ، و ما الطعين كمواسيه !
و ما لها إلا الخضوع و التسليم كظبي يعلم أن مشتري ذابحه .. و أين المفر ؟
~~~
تجاذبت الأيام و تجاذبتها ، و ما ألانت إحداهما للأخرى ! هي بدمعها و ضعفها ،
و حياتها بونات تدعو قوة الفؤاد و جمود المشاعر ..
و رويدا رويدا قادها الضعف و طيبة النفس إلى ...
- آسف .. لا مكان لأحد عندي ..
- أوووه .. بصراحة تكفيني مسؤولياتي ..
- ............
ضاع الماضي معه و هو مشغول بوهم اسمه : أخرى و بزاد يقتات منه الصمت ،
و ضاع الحاضر معهم و كلهم يبحث عن مستقبله و رجولته بين دموعها ،
و ضاع الحب مع كل من أخذوا و ليس لديهم أي مقابل ،
لكن السماء ظلت وفية لها ، و ظل المطر يعانق دموعها ..
هل ما زالت جريحة تداوي جرحها بآلام السماء ؟
فأي جدران تسرق شقوقها بقايا الذكرى الحارقة في عينيها ؟
و أي عتبة تلفظ العجوز الضائعة ؟
و كم ظبية أرسلت لخنجر ( الأخرى ) بعدها ؟
ثم أين سيكون ملاذها ؟ أصدر تراب معجون بالمطر و الدموع ؟
غموض
يوم أمطرت الذات أنينا