قبل أن ينام
كان يتدثر بصوتها
ويلف جسده البارد بصورتها
قبل أن ينام
كل ما كان يملك من بقاياها
ذكريات لفرح مؤجل لن يأتي
ومساحات شاسعة من حزن لا ينتهي
قبل أن ينام
كان يلقي بجسده الميت بين يديها
ينظر في عينيها بصمت ويطلب إليها
أن تعيد إليه بقايا روحه
لتنظر إليه ببرود
وتهمس في أذنه
ألم اقتلك من قبل؟!
ليستجمع حينها قوته ويخبرها
لكني نسيت مثلك أن أموت
قبل أن ينام
كان يحاول بصمت أن يبكي
أن يصرخ
أن يستغيث
أن يحاول لملمة حطام أوراقه على جسدها الخشبي
أن يجد لنفسه مساحة من الإنتماء
إلى كل شيء كان يعتقد أنه لن ينمو إلا بحضوره
كان يهرع إلى حضنها البارد
يرسم شمسا من ثلج ابيض
وسماء من شبح ازرق
ونورا من ظلام
يلقي بنفسه في سراديب روحها
يحاول الخروج منها بأقل كم من الخسائر
ليترك لافتة قبل رحيله
يوما ما سأعود
قبل أن ينام
كان يهديها بضعا من موسيقى روحه
ويترك لها حرية اختيار الكلام
ويهمس في أذنها
أنها يوما ما كانت له الأمان
وأن قلبها كان ذات يوم يهديه السلام
وأن مرافئ روحها
يوما ما كانت تعج بالأنام
لتغدو كما الموت
مكانا لا يعترف بالزوار
اكثر ما يملأ الفراغ فيه
جسد لا يجيد الكلام
وثورة انطفأت قبل ان تعلن للأنام
أنه ما زال هناك أرض لا تعترف بالسلام
أرض قد تموت
قد تبكي
لكنها أبدا لن تخضع
أرض لا تعرف الإنحناء
قبل أن ينام
كان يرسم صورته في مهدها
ويترك آثار دمه في روحها
ويصرخ في حضور صمتها
ويبتلع السمّ بانتظار ابتسامها
ويرتشف الحياة من كاس انحناءها
لم تكن تعلم
أن رجلا مثله لا يجيد الحياة
حينما يكون سرير البقاء هي
لم تكن تعلم
أن الموت في درب انتظارها
لروحه بقاء
وأن العيش في صحراء صمتها
انتصار
وأن صوت تحطمها
يعيد اليه صوته المبحوح في انتظارها
ويرمم بقايا سور قلبه المنهار
قبل ان ينام
كان يصور الفرح في عينيها باللون الأسود
ويقتل فيه كل ملامح الأبيض
كان يبتسم كلما قتلته أكثر
ويتساءل عن أي ذنب ستكفر
وأي خطيئة ستبكي عليها أكثر
في كل مرة تركت سكينها في قلبه
علمها كيف تنحني أكثر
علمها كيف أن القتيل لا ينحني
بل يسقط ليستيقظ في كل صباح أقوى
وأن القاتل يستيقيظ كل مرة أضعف
يقتل مرّة ويعيد الكرّة
فمثلها لن يتذوق نكهة النصر مرّة
وسينحني كل مرّة أكثر
يتلمس جرح الموت
علّه ذات يوم يحيى
قبل أن ينام
ينظر في عينيها
ليهديها ابتسام
ولافتة صغيرة
وبضعا من كلام
وبين قوسين عبارة
"نعود بعد قليل"...وينام