رسالة إلى ولدي الذي لم يأتِ بعد !!
ولدي الحبيب :
أيــام ٌ قلائل ، وسوف يأتي موعدك مع الحياة ، ها نحن على أعتاب شهر الميلاد ، وقد أخبرتني الطبيبة ، أنه بمجرد دخولي في الشهر التاسع ، سوف أضع مولوداً جميلاً هو أنت .
أي بنى :
إذا أتيت إلى الدنيا ولم تجدني ، فاعلم أن هذا قدرك ، أن تحيا بلا أم ، واعلم أن رسولنا الكريم ، قد عاش طفولته يتيم الأم والأب .. أقول لك هذا الحديث ، وأنا أعرف أنه يؤذيك ، ولكنني لم أشأ أن أفاجئك ، فقد أخبرتني الطبيبة ، أن حالتي الصحية تسوء ، وأن ميلادي ، ربما سوف ينهي حياتي هذه المرة .
فيا ولدي الحبيب ، أيها القريب إلى قلبي ، يا حلماً كنت أرقبه ، لا تجزع لموتي ، واعلم أن كل ما يصيبك هو خيرٌ لك ، وأن ما كتب لنا لم يكن ليخطئنا ، فلا تشعر يوماً بذلة اليتم ، ولا حاجة اليتيم ، وإياك أن تشعر أن حياتك عند جدتك ، ضعفٌ أو وفقر أوقلة حيلة ، لا يا ولدي ، فجدتك امرأة رؤوم ، فكم كانت لجدك وأخوالك قلباً حانياً صادقاً ، وعقلاً حكيماً !!
صغيري :
كم كنت أتمنى أن أحملك بيدي هاتين ، وأقبلك بين جبينك الصغير ، وأقرأ عليك سورة الفلق والناس ، وكم كنت أتمنى أن يكون أباك حياً ، ليكبر لك في أذنيك الصغيرتين ، ولكنها الأقدار يا صغيري ، هكذا أراد الله لك أن تحيا ، كي تصبح رجلاً قوياً ، تغدق بالحب على كل من تقابل وتعرف .
سوف أخبر جدتك أن تعلمك كلمة " أمي " ، حتى لا تحرم منها ، وأن تناديها بها ، وأن تقول لخالك (علي) : "أبي " ، فهذا أقرب أخوالك لقلبي ، وأحبهم لنفسي ، فهو مثلك تماماً ، طيب القلب والروح والنفس ، ويبدو أنك ستصبح مثله بإذن الله فكثيراً ما دعوت الله أن يرزقني بطفل مثل خالك علي .
فلذة كبدي :
كم كنت أحب الحديث معك ، أتذكر منذ أن بدأت تتحرك في أحشائي ، بدأت أناجيك ، أتسامر معك ، وكم ضحكنا على جدتك ، وهي تجري خلف الدجاجات الصغيرات وتقول لي : حينما يكبرن سوف أعطي أحمد واحدة ، وكنت أشعر بحركتك ابتهاجاً وسروراً ، غداً يا عزيزي يمكنك أن تحصل على كل الدجاجات ، فهذه الدجاجات دجاجاتك ، وأنت من سيرعاها بدلاً من جدتك العجوز , ولكن لا تنسى أن تعطي ابن خالتك ( كريم ) دجاجة ، فقد كانت خالتك تمني نفسها بواحدة لكريم حينما تلد هي الأخرى !!
لا أدري ما الذي دفعني لكتابة هذه الرسالة لك ، وأنا أعلم أنك لن تقرأها إلا بعد سبع سنوات أو أكثر ، حينما تجيد القراءة ، وأنا لن أدع أحداً يقرأها لك ، بل ستقرأها بنفسك ، وهذا ما دفعني لإخبار خالك علي ، بأن يعلمك القراءة مبكراً جداً كي لا يطول انتظارك أيها الولد الغالي .
أوصيك بالتزام خالك علي ، لا تتركه ، فهو سيكون لك أباً وأخاً وصديقاً ، وسيعلمك كتاب الله ، فهو حافظ متمكن ، ورجل تقي ، وسيعلمك الصلاة ، فاسمع منه ، وتعلم من فيض علمه ، سيكون صديقاً جميلاً يا أحمد !!
وإياك أن تغضب جدتك ، داوم على طاعتها ، لا تجعل قلبي يؤلمني وأنا في مكان آخر بعيد عنك ، الجدة دائماً تحب الأطفال الصغار ، وتحبهم أكثر وهم يسمعون الكلام.
أعز من روحي :
أخبرتني الطبيبة أمس أن اليوم هو اليوم المناسب لميلادك ، الساعة الآن السادسة صباحاً ، لقد استيقظت مبكرة ً كي نقضي هذا اليوم سوياً قبل أن أرحل ، لقد صنعت لك الحليب الذي تحب ، وقطعة من البسكويت ، أشعر أنني أطعمك بيديّ هاتين ، هل تسمع دقات قلبي ؟ هل تشعر بي ؟ أنا أشعر بك يا ولدي تماماً ، أشعر بك وكأنك معي الآن ..
إذا ما ضاقت بك الدنيا فاهرع إلى الله ، أو إلى خالك علي ، أو إلى رسالتي هذه ، علك تجد فينا سلوى لروحك ، واطمئناناً لقلبك ، لا تجعل الدنيا أكبر همك ، ولا مبلغ علمك ، بل اجعلها محطة للعبور إلى الآخرة ، وطريقاً للجنة بإذن الله .
صغيري الحبيب :
إذا ما استعصى عليك من الفهم شيئاً فالجأ لخالك علي ، يفسر لك ما تريد ، ولا تتردد في سؤاله عما تريد ، فكما اتفقنا أن تناديه " أبي " وأن تخبره بكل ما يحدث لك ، فسوف يكون لك نعم الأب والصديق ..
أستودعك الله يا بني الحبيب ، سوف نذهب بعد قليل للمشفى ، ونسأل الله أن يكتب لنا الخير الذي اختار ، فإن عشتُ مزيداً فذلك فضل ٌ من الله علي ّ ، وإن جاء أجلي ساعة الميلاد ، فاعلم أن الله قد اختار لي ألا أرافقك رحلة الحياة ، لا تنساني من الدعاء بالرحمة يا ولدي ، وأسأل الله أن نلتقي في الفردوس الأعلى يوم أن نعرض على جبار السماوات والأرض .
أمك الراحلة
مع الحب