هم لا يريدونني أنا, وليس لهم بُغية أو مطمع بي ,فهم لا يرون في ّ إلا نكرةً سرقت قلب سيد المعارف وهازم المخاوف.
ولم يروا يوما أني جديرة بأن يرفعوا عليّ سيفا من سيوفهم , فقد ازدروني ورأوا بأني أقل من ذلك ,ولا أستحق من -وجهة نظرهم- أن يردوا المهالك .
هم يروني كعصفورة حلت على غصنك فَـشّـدتْ, فَرَاقَ شدوها لك, فاستعششت لها بيتا فيه,حتى أصبحت تقفز من غصن إلى غصن , وقد استكثروا علي أن أرقص في دوحتك, واستفيء بفيك.
لا أعلم لماذا أنكروا نسبي الممتد إلى آخر جد,ليضعوني في الحضيض, أ إلى هذه الدرجة لم أَبت في عيونهم كائنا سويّا , أَ لأني دخلت قلب سيدهم يا سيــدهم ؟؟.
أصبحت نكرة النكرة ,لا تُعرّف بمعرفة ,وليس لها اسم ولا صفة , فقد أعرض عني نُحاتهم فلم يروني صالحة حتى لجملة اعتراضية ,ونَحَتني نَحِاتُوهم بختم بخس دراهم معدودة , وأنا من أنا؟, ذات المعدن النفيس ,وكانوا فيّ من المُحقِرين .
أإلى هذه الدرجة مُسِخت حسناتي عندهم, لتَحُول إلى سيئات بحجم الجبال؟
ولما تراءوا أن خلاص قلبك مني مُحال,وأنه ضِربٌ من الخيال , بيتوا أمرا بليل غبت أنت فيه؛لحماية الديار وتأمين القفار,فأخذوني على حين غفلة مني في غفوة منام لي, أخذوني من ناصيتي وجروني من شعري – حتى الحبل استكثروه علي.
فحملوني وأظلموا الدنيا علي بعصابة أشد من سواد الليل ذاته, فبت لا أسمع إلا حسيس أصواتهم (أن احملوها على أسرع الجياد ,ولا تعطوها إلا القليل من الماء والزاد,واسرحوا بها إلى بلاد الروم أو الفرس, فبيعوها في أقرب سوق للنخاسة, بيعوها لأرذل القوم, ولا تأخذكم فيها رأفة ولا ذمة ).
وأتيت أنت يا سيدهم قبيل الفجر لتنظر إلي و-أنا كعادتي- وافقة أنتظرك عند الشق أُحييّ عزمك وشجاعتك, فيزول عنك التعب -يا متعبهم- إلا أنك لاحظت اختلاف العادة, وغياب من مشى في قلبك وسادهُ ,لتسأل فيُدّلس عليك , أنها انتظرت حتى أخذها النعاس, وبرد فيها الحماس, فنامت .
وبين مصدق ومكذب -لا بل بين مكذب ومكذب- أنت تأوي للفراش من التعب ,وتتُمتم لعل في الصبح خيرا .
حتى إذا استيقظت بحثتَ وبحثتَ فلم تجد, فردوا عليك قبل أن تسأل : (إنها هجرت الديار خيانة مع من أحبّته بعدك), وازدادوا في المكر فقالوا:" لعل ذاك صحيح:" ؛لتصبح أنت بين الشك والشك .
ليتهم عندما أحبوك رحموك وتركوك مع من رأيت معها راحتك .
ألا فليخسأ حب الظالمين .
وأبيت أنا في بيت قوم لِئام لا رحمةً ولا عزةً أسهر ليلي فأناجيك, وأُحمل النجوم أحلى أغانيك التي غنيتها لي ذات يوم ,إلا أنه من الدسيسة والمكر الذي بلغ بهم أن صّموا آذان النجم, وكسّروا جنحان الطير من أن أُحملها شيئا لك .
وتظل أنت تسأل فلا مجيب ,بل يحكون الأفك بعينه والكذب جميعه, ولست بمصغٍ لهم, ولو أصغى لهم من في القبور , إلا أن طول العهد يا صاحب الود جعلك تقول – وما أجمل رحمتك –: " لعل لها عُذرها" .
ونصّبوا وصلـّبوا حواليك غواني القوم, وجَمّلوهن زيادة على جمالهن فسَقينَكَ من إكسير الحب, ولكنك لم ترتوِ, ومن خمر الهيام إلا أنك لم تَسكر,فأنا صحوك الذي لا يُسكِر, وسُكرُك الذي لا صحو منه .
وقد استطاعت أَلأمهنّ مَعدِنا , و أخبثهن سريرة حين قالت : "لكم مني أن أعصر قلبه منها فَيُفرغ", وانطلقت وهي تُخافت نفسها على ذلك, وتقسم بأغلظ الأيمان,واستطاعت ولكنها حصلت على قلبٍ دون حياة ,وحبرٍ بلا دواة , فلا أنت بالقلب الذي يشعر, ولا أنت بالحبر الذي يُكتب به ,توقف القلب ورُفع القلم .