بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة غزة/ في يوم الانتصار
فلسطين الغالية، نصرها الله-تعالى-.
تحية ملؤها الإيمان والسلاح، تحية الإسلام والسلام، الدم بالدم، المقاومة والنضال، تحية الشموخ والكبرياء، الأسرى والجرحى، تحية الشهداء والموتى، الكبار والصغار من هم كبار، تحيتي إليك. وبعد،
بقلم العَزة والمنعة، بكل معاني الصبر والاحتساب، بأسمى كلمات الجهاد والشرف، بحبر الدم القاني، بيد الحرية الحمراء تضرب كل باب مضرج بالدم العربي، بكل آيات الفخر التي سطرها شهداء فلسطين، التي كتبها مغابريها ومعاصريها، أسطر كلماتي التي آمل أن تصل روحك، أكتب شعاراتي التي يزداد بها اصراري، والتي لا طالما اتخذتها سلاحي في وجههم.
أمي، لا تعذليني والقدر، ولا تشتكي البشر، لا تلومي القهر، ولا تماطلي مع القمر. لا تفقدي الأمل، ولا تنسي الألم، لا تقفي وقفة العار صرعا، ولا تجري جرية الخذل عجلا. لا تسابقي القضاء، ولا تشكري يد رمضاء، لا تهاوني عصمة جرداء، ولا تقلعي عن الرفع للسماء.
أمي، قد غدا مصيرنا موحد، وأنيننا مجدد، ويلاتنا ونكباتنا حتى صرخاتنا، لا تفي طلب التنديد، بل صار الوهج شراره منبثق من بين خبايا آلام الشعب، من بين طموحات الشعب، الألم، الغضب،و الأمل مسمانا للعلياء صاعد مرتب.
أمي، قد شهدتي جهادنا، وعلمتي انتصارنا، حضرت مصرع الشهداء منا، فلا تنسي عزما حاد إليه أبطال ارتدوا الأكفان فداء، ولا تنسي ماضيا فيه فقد العزيز والغالي.
أمي، ها قد صرنا نتخبط في عتاهية الليل وحلكته، وما عدنا كما كنا، ما هنا ولا انتصرنا، ولكنا حفظنا، وأصرت قلوبنا، أن النصر حتما لنا.
أمي، لا تأمني مكر اليهود تجلدا، ولا تفضي إليهم الوعود تنكرا، ولا تبدي شفاهاً البسمة عليها، بل إن قُدر فأنياب تلاقيهم بها، ولا تأخذي على نفسك حلم لا يدرك مسربه، ولا ترضخي عقلك بنا شهداء أو جرحى، ولا تشغلي نفسك بمصيرنا، هيمان هو لنا، لا تذرفي الدمع، ولا تسكبي الحزن.
أمي، بل اربطي الجرح وقاومي، وامسحي دمعا حزينا، أمي، لا، لن يساومنا النريم. قد أسمعتنا صوتا شهيقه صدّع الأرداف،به مزقت الأستار وبانت العورات، هي لأمم ضاعت، وليل السواد تغشاها.
أمي، تجلدي، أرض الكرامة استنهضي، لَعمْرك ما انتقص حق أثقلته دمانا، وقد لهفت زمنا فيه أرضك قد ضرجتها دمانا، فلا تحزني ولا تندبي، لا تعذلي ولا ترضخي، لا تبكي ولا تسدلي ستار الآلام، بل هو خلق ظاهر، ولكل هذا، أيعقل أن تكوني لليهود مجانا؟
أمي، أنت أنجبتني، وأنا لك من المحبين، وما ازداد عشقي لك، إلا لما علمت صرع الدنيا لك، فقبلت أن أحفظك، أهديك قلبي لك زوجا، فلا ترديه، ومعه هدية لؤلؤ وماس. أعلم ما تفكريه الآن، ستقولي: لست بحاجة. بل لا تشغلي ذهنك به، هو جزء من كل، هديتي والكل لك مرجانا مرصع تاجه بالدم، عبيره مسك شهيد على أديمك فاح فانتشر، ومهرك معلق على صدري لا يزال، فمتى ما قبلتي بقلبي-وأنا أدرك حق الجواب- فابعثي بعطر الأُترجة مسكا وريحانا لي؛ أدرك حق الجواب، أبعث لك بمهرك الإسلام دينا، فحافظي عليه، وتكرمي بغيره.هو مهرك وربه حمانا.
أمي، أدركت منالك التائه، ألا فأمري إني قيد أمرك، أجيب الموت وأتسلح الردى، أركب ظهر الخطر وأسوقه، أجري مسابقة لهو الريح إعصار، أعدو منافسة موج البحر ركبان. ولتدركي، لا كرامة لجود أمة تناستها، ولا حق لشعب تهاون. وهذا ما حصل ، صارت الكرامة حذاء بأقدام الرؤوس المسمومة تداس، ولا سائل أو مسئول عن ملهاها ومرتعها مكانا. ولكن أمي، لا تظني الأمر على الكل سائر، فنحن شعب لك سقنا خطى الأمجاد، على درب الإيمان أرسلناه، وها ما أُقره: افتحي باطنك ثغورا، تعلمي كيف نطفيها دما، من علقمه ذاب جيش الغزو وفر، حين رأى رُبىً هي جبال من دم هائج شموخا.
أمي، أنت الحل، ولك الحل، منك الحل، ودونك الحل. قد ترجيت أبناءك صبرا، وما علمت أنه أمر، وليس كما أي أمر، بل هو أسرع في تنفيذه من طلبه، وها أنت الشاهد، شعبي رفع عاليا هامة السمو، وما عذل بدّا حالم أبيّ حين ارتضى المصاب قدرا.
أمي، لا توجزي أن يُغيّر الرأي، إن الحديد عند من لأجلك لبسه ليس حديدا، إنما هو المجد والفخار، هو العز انتسابا.
أمي، علمتُ أن درة الياقوت من تاجك قد سلبت، أقصى هو لنا راية، ولك تاج مرصع، بل لا تحزني، فعودته قريب. ولتيقني، دين الإسلام لا يرضى له هوان، ودين محمد المصطفى لا يقبل لأهله ذلولا.
أمي، اعلمي أنه لمن يقضي شجاعا، لا لمن يعيش جبانا. ولتجدِّفي في بحر الشجاعة ، ملاحه هو شعب لك، بل من أراد معرفة الشجاعة معنى، جاء إلينا، فهو ليس من قال فحسب، بل هو اليوم يظهر.
أمي، رجائي مكفكف إليك بخواطر الألم، لا تنسي موعدنا، ومن الآن نفذي، وأرني والعالم صمودا مجددا، تحديت به الزمان، آلمت به العدوان، وبسراجه كنت قد أنرت دروب مسلك التائهين.
أمي، لن أطيل كثيرا، ختامي لك:
لا تنظري للورا إنما
من نظر له فقد هوى
التوقيع:
ماجدة صبّاح