الحمد لله أن كان رسول الإسلام عربي ، وأن كان كتابه بلغة العرب .. وإلا .. لربما لم يؤمن به العرب ولم يصـدّقوا أنه من عند الله .. ولاستمروا أميين كما كانوا في غابر الأزمان .
وما لم يتخلص العرب من عقدة التعصب العروبي الذي لا يمر عبر مصافي المنطق ، والذي ألبسوه زوراً للإسلام وأصبحوا يتصرفون وكأن الإسلام من منتجاتهم الفكرية التي يصدّرونها للعالم ويحتكرون سرها ، حتى أن قبول العالم منهم ذلك .. جعلهم يستكبرون عن قبول أفكار غيرهم ، وكأن أفكار العرب سماوية في كل شيء ، وأفكار غيرهم أرضية يجب ردها حتى وإن كانت صالحة ..
.. ما لم .. فإنهم سيستمرون في تكـرار الأخطاء في أمور قد سبقهم إليها غيرهم ووضع لها تصورات ناجحة ، وحقق بها الآخرون إنجازات اقتصادية وعلمية وحضارية جعلتهم يفوقون العرب في كل الميادين ..
وسيستمر العرب في تخبطهم الفكري العشوائي ، رافضين للمنطق .. لا لشيء - سوى لأنه ليس من بنات أفكارهم .
ويقيني أنه حتى هذه الثروات الهائلة ، لاسيما النفطية منها التي يمتلكها العرب اليوم ، والتي أخبرهم أعداؤهم الغرب بوجودها ، واستخرجوها واستثمروها لهم وعليهم ومعهم وبهم ، .. لولا أن هذه الثروات مادية ملموسة محسوسة ، ولا يمكن إنكار وجودها .. لما كان العرب قد صدّقوا بوجودها ، وذلك بسبب تشبثهم بأفكارهم ، ورفضهم لثقافات الآخرين ، وظنونهم السيئة بغيرهم ، وعدم قدرتهم على تصديق الآخرين ، ظناً منهم أن قبول وتصديق أفكار الآخرين هو انتقاص من الشخصية العربية .
بينما يقول المنطق أن ظنون الإنسان بغيره وعدم التعاطي الإيجابي معهم .. خاصة إذا كانوا أفضل منه واقعاً .. إنما يكون ذلك بسبب خلل فكري وثقافي - أدى إلى الشعور بالنقص وضعف الحجة لديه ، وليس العكس .
وينطلق العرب في ظنونهم بالآخرين من مصطلحات ونظريات بالية خادعة ظالمة قاتلة .. من أمثال ( المحافظة على الهوية العربية- وكأنها هشة سهلة الكسر .. ، ونظرية المؤامرة- وكأنهم يُمثلون رقماً في المعادلة الدولية .. ، والثقافات المستوردة – وكأن كل ما يمتلكونه وما يقولونه هو من إنتاجهم الخاص .. ، والغزو الثقافي ، والاستعمار الفكري ، والتبعية للاستعمار .. وغيرها ) .
وكون الإنسان لا يصدق ولا يؤمن إلا بالماديات المنظورة الملموسة ، فذاك فراغ فكري وخلل ثقافي كبير .
والدليل على أن العرب لا يصدقون ولا يقبلون من غيرهم إلا المادي من الأشياء .. ( مع ملاحظة أنهم .. حتى ذلك المنتج المادي الذي يقبلونه والذي لا يحتمل التأويل ، فإنهم يتحايلون على عقولهم لكي تقبله وذلك بأن ينسبوا الفضل في جذوره إلى أجدادهم ) ..
.. الدليل هو ما نراه من معاناة ومآسٍ عند العرب .. بسبب أمور قد وضع غيرهم لها حلول .. ونسي مآسيها ، حتى أصبح الآخرون يستعملونها للترفيه ، وليس لحاجتهم لها لحل مشكلة قائمة كالتي عند العرب ...
فنحن نرى - ومنذ عشرات السنين - أبناء العروبة وهم يتقاطرون على المجتمعات الغربية - التي ينبذون ثقافتها وحاضرها وماضيها - طلباً للحياة الرغدة والعيش الكريم ، وهرباً من الفقر والبؤس في بلادهم الحبيبة ، تاركين خلفهم الوالدين ، والإخوة ، والأقارب ، والأوطان العزيزة .! بل وحتى الأبناء أحياناً - ضاربين عرض الحائط بصلة الرحم والروابط الأسرية والقبلية العربية الأصيلة- حتى أضحت الغربة من أبرز عناوين أشعارهم .. في مشاهد أساءت للعروبة والإسلام .
ولم يسأل أولياء الأمور العرب - أنفسهم ولم يخطر ببالهم ، أن هذه ظواهر بشرية دنيوية يجب الاستفادة من تجارب الآخرين في حلها ، فالفطرة الإنسانية واحدة ، ويجب عدم تحميل الدين مسئولية تعصبنا ؛ وعلينا أن نعي أن ثقافتنا العربية التي تمنعنا من الاستفادة من تجارب الآخرين- أمـر يجب تصحيحه ، وما يأمر به ديننا الإسلامي أمـر آخر يجب عدم تأويله .
ولو فعلوا لأدركوا أن غيرهم قد مروا بها قبلهم ، ودرسوها وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن الأسرة والدولة التي يفر أبناؤها إلى الخارج طلباً للرزق والخدمات .. هو دليل على أنها قد أنتجت أكثر مما تستطيع استيعابه من البشر . وعليها بالتالي أن توائم بين إنتاجها واستهلاكها ، لأن طغيان أحدهما على الآخر ستنتج عنه مشكلة .
وقد توصلوا إلى معادلة يدخل إنجاب الأطفال في طرفيها ، فكثرة الأبناء هو استهلاك في صورة إنتاج ، فالأبناء الذين لا تستوعبهم قدرات أسرهم الاقتصادية .. هم استهلاك حقيقي - في صورة إنتاج خادع ، وهم عبء على الأسرة .. كان يجب أن تتحمل مسئوليتهم تخطيطاً ومتابعة .
ولكن الأسر العربية لا تفعل شيئاً من ذلك ؛ وكل ما تفعله هو تصديرهم للمجتمع ، والمجتمع ليس مستعداً لاحتوائهم- فيطردهم إلى الخارج ..
فلو أنه تمت توعية الشعوب إلى أهمية وخطورة هذا الأمر ، ولو أنه تم ترشيد الإنجاب بما يتناسب مع إمكانات الأسرة المادية ، والقدرات الخدمية للدولة ، ولو تم التركيز على الكيف المُخطط له - بدل هذا الكـم العشوائي ، .. لو تم تبني سياسة تحديد النسل .. بتشجيع حكومي وتركيز إعلامي وفتاوى دينية واضحة .. لما تشرد أبناء العروبة والإسلام في أصقاع الأرض على غير هدى ..
والأمر يمكن تشبيهه بما يحصل لمزارع ينتج احتياجات أسرته في مزرعته الخاصة ، وبسياسته وحساباته الخاصة ودون تنسيق مسبق مع المجتمع أو الدولة .
فإذا لم يكن تخطيطه ناجحاً فإنه سينتج أكثر مما تستطيع الأسرة استهلاكه ، وفي هذه الحال .. إما أنه سيُـصدّر الفائض .. وهو لم ينتجه لغرض التصدير ، ولن يُقبل عليه المستهلكون إلا إذا كان سعره زهيداً .. لأنه ليس موضوعاً ضمن خطط الآخرين للاستهلاك .
أو أنه سيضطر إلى تخزينه وهو غير قابل للتخزين . وفي النهاية سيفسد المنتج أو أن المزارع سيبحث عمن يقبل إنتاجه مجاناً . وهذا ما تفعله أسرنا ودولنا الفقيرة مع أبنائها .
فدواعي ودوافع عدم الإنجاب متوفرة لدى فقراء العرب .. ونتائجه الإيجابية ينعم بها الأغنياء في الغرب ..!