المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سمو الكعبي
وإن تأخرت في عرض هذه الآية التي كان من الواجب أن أتناولها قبل هلال رمضان لكن جبر الله ضعف الهمة وانشغالها بما هو دون,إلا أن في الوقت متسعا , وفي الرجاء بقية,فأحببت أن أسلط الأضواء على شيئ من وحي الجمال المحيط بالآيات بهالة من الأعجاز الذي أعجز جهابذة العرب ,و فطاحلة اللغة من الرعيل الأول .
وعندما هبت نسمات هذا الشهر الكريم عنّت لي آية الصوم , قال تعالى :(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)) سورة البقرة .
فاحترت أين أقف ؟,وأين أصف من جوانب الحُسن المتدلي من جنبات هذه الآية؟ , فقلت أقطف ما تسنّى لي , وأجني ما اسطعت جنيه .
ولعل فيمن يأتي بعد خير به أكثر, وفَقْةٌ فيه أوسع, يُخرج ما عجزتُ عنه ,وتقاصر فهمي عن لحاقه .
أول ما استأنست به من نور و نَوْر في هذه الآية قوله ( شهر رمضان ), فتساءلت ولمَ جاء رمضان معرفا بالإضافة ؟.
على أنه لو أتى وحده لكان معرفة, فتلمست في الإضافة تفخيما لهذا الشهر ,وتعينا له من باقي الشهور ,حيث إنه شهر,ولكنه مميزٌ بالعبادة والخشوع, والقرآن .
والمعنى الكامن أو الرئيس وراء هذا ما ذكره أحد المفسرين حتى لا يتوهم أحد أنها أيام قليلة من رمضان, بل الواجب صيام الشهر كله ,فأي روعة أضافتها الإضافة, من حيث التفخيم في اللفظ والمعنى إنها عصا البلاغة القرآنية, المُمسكة بالمظهر والمخبر !!.
وما خرجتُ من هذه الروعة, حتى وجدت جملة الصلة التي وصف بها هذا الشهر( الذي أنزل فيه القران ) فهذه سمة وميزة يباهي فيها الشهر الكريم أقرانه من الشهور.
وتتوالى هذه الميزات بوصف القران الذي أنزل فيه بالهدى البينات, بركة في بركة , وكلمة هدى الأولى نكرة والثانية معرفة فهل لهما نفس الدلالة ؟ .
وإن اختلفت آراء المفسرين, حيث هناك من يقول أن الهدى الأولى هي نفسها الثانية, وأعيدت للعموم , وهناك من ذهب إلى القول أن الهدى الأولى النكرة المراد بها ما في القران من الإرشاد إلى المصالح العامة والخاصة,و أما البينات من الهدى ما في القرآن من الاستدلال على الهدى الخفي الذي يجهله كثير من الناس, فلا تكرار, وقد أنست لهذا الرأي ؛لأن الشهر شهر القرآن ,و به أنزل. فكون عدم التكرار أرجح و-الله أعلم- , لكي يتسنى للمسلمين معرفة قرآنهم أكثر بعامه وخاصه.
ثم أخذني ذلك التقسيم العجيب في الآيات في أحوال الناس (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كا ن ....... ومن كان ...), حتى ترى أن الرحمة الإلهية تزداد في هذا الشهر فتفيض بالأعذار والتسهيل , ناهيك عن الجرس الرائع في الآية , حيث رتبت جمل الشرط بفعلها وجوابها الآية ترتيبا رائعا , طابق الواقع وأدى المعنى الشرعي , يارب الرحمة ارحمنا في شهر الرحمة .
ثم توقفت طويلا عند كلمة ( اليسر ),فرأيت أن في اختيارها مغزى عميقا, وأن في تفضيلها على كلمة (التيسر) نُكتةٌ لا ينبغي تفويتها,
فوجدت لسان العرب يذكر ان اليُسر من السهولة والسماحة وقلة التشدد, وفي الحديث ( إن هذا الدين يسر ) ,أما كلمة التيسير فهي التّسهيل قال ابن سيدة : وتَيَسَّر لفلان الخروجُ واسْتَيْسَرَ له بمعنى أَي تهيأَ. ابن سيده: وتَيَسَّر الشيء واسْتَيْسَر تَسَهَّل. ويقال: أَخذ ما تَيَسَّر وما اسْتَيْسَر،وهكذا يتبن أن اليُسر الأمر السهل, أما التيسير فهو تيسُرهُ بعد صعوبته,فمراد التشريع اليسر المباشر,ولا أدل على ذلك من رحمة سبحانه بعبادة الذي هو أرحم عليهم من أمهاتهم .
و ما فتيء الجمال يتحدر من هذه الآية, فلم أعرف بأيِّها أُمسك وبأيِّها أُبقي .
( لعلكم تشكرون ) وفي لعل وفقة هنا حيث أن لعل تأتي للترجي ,إلا أن الخطاب هنا يأتي من رب العزة ,فيستحيل أن يكون ترجيا منه ,وهو الغني سبحانه.
فقيل: أن لعل إذا جاءت على لسان رب العزة والجلال يكون الترجي والتوقع من المخاطبين لا منه -سبحانه - , وقيل :للتعليل,وهذا واضح جلي في الآية, حيث تداخلت العلل في بعضها ,(ولتكملوا العدة ), (ولتكبروا الله على ما هداكم ),( ولعلكم تشكرون) ,أتت العلة الأولى من إكمال عدة الصيام تعظيما له –سبحانه -,و لعلكم توفونه سبحانه حقه .
وهناك من ذهب للتكبير العيد, ولا حظ أخي وأختي -رحمني الله وإياكم- أن التعليلين الأوليين ينصبان في الشكر فكل هذا شكر إلى شكر .
عجيب هذا النظم القرآني المتسلسل !!!.
تجد الجزء الصغير أمة لوحده, فإذا بلاحقه ما هو عام, أو قد يكون العام قبل الخاص كما في هدى , وكنت تظن عند الجزء أنك أمام صورة كبيرة فإذا بك تجد الأكبر , أو أما ما معنى عام واسع , فإذا بجزيئاته تتدلّى بين يديك , إلا أن النهاية تعطيك وتنبيك عن صورة مكتملة ,ومعنى فريدا, لا تشهد ولا تلمس له نطيرا .
هذا ما لمسته بفطنتي القاصرة وما استطعت نقلهُ فإن كان لكم كيلٌ أحبيتي فزيدون,فما أحوجني لعلمكم , وما أعوزني لرشدكم, فنحن بنيان مرصوص على الخير وللخير .