رد عليّ بشيءٍ من الألم : آه يا صغيرتي يا سمائي الصافية لكم سأفتقدك وأفتقد كلماتك!....
ها قد جاء شبح الخوف وَمَثُلَ أمامي من جديد من وقع كلمات تخفي في طياتها الحريريةِ أشواكاً حادّة .
طيّاتها الحريريّة تخفي أشواكاً حادة ..... صورة فنيّة مبتكرة واختصار لكثير من الكلام
أعادتنا إلى المشهد الخوفيّ السابق حيث الغموض يكتنف المكان ... اقترب الخطر أكثر فأكثر واقتربت ساعة الصّفر للقنبلة التي ربما ستنفجر بعد ثوانٍ قليلة ...
سألته بمزيجِ حزنٍ و خوفٍ: أتنوي السفر ؟ , أجابني: ربما!
واضطرب من سؤال لم يتوقعه وحين بدا عليه الارتباك طلب من أمي أن تخرجني من الغرفة بحجة أنه يريد أن يكلمها في شأن خاص ‘شعرتُ أنّ هناك خَطْباً ما , ولكني لا أهوى التجسس.
واخترتُ الإنتظار والمراقبة من بعيد بهواجسَ لا تهدأ وقلبٍ متسارعِ النبضات .
تبدو الأمور في ذروة تأزّمها والغموض يزداد كما الليل كلما ابتعدنا به زاد الظلام
انتظرت في غرفتي وحيدة بهدوء في الظاهر وبركان في الباطن لا أعي ما يدور خارج قوقعتي ولا يصلني سوى وقع خطوات تكاد لا تلمس الأرض من سرعتها وأصوات تتداخل لا أفهم منها شيء غير ضجيج مزعج
زاد فضولي جداً لمعرفة ماذا كان يدور بينهما من حديث وما سرّ وقع الأقدام المتسارعة وأين تسير وإلى أي إتجاهٍ تمضي ..
تداخل الأصوات .... الضجيج ... لا بد وأنّ الحوار يمتاز بالخشونة رغم أنّ صوت وقع الخطى يعطي المشهد هدوءاً كما يجلس المرء في غرفة هادئة ويسمع صوت رقّاص الساعة: تك تك تك تك ...
ثم سمعت صوت صرخة هزت أرضي وشممت رائحة تشبه رائحة احتراق الأشجار وأمطارا من الدموع تجتاح المكان ‘ فزعت... خفت.... ارتجفت‘ ركضت نحو باب أعرف أن جحيمي خلفه ورحت اركض هاربة لا أعرف إلى أين فقدت اتجاهاتي وربما صوابي وأثناء حيرتي وضياعي التقطني شيء ما ولفني بسواد وكأني فقدت البصر وشممت رائحة تشبه رائحة أعرفها أحبها ضمتني بعنف فسمعت صوت نبض يقرع كقرع الطبول استعداداً للحرب قاتلت السواد وفوجئت بوجه يشبه وجه أمي وعيون تشبه عيونها ولكنها مهزومة مكسورة غارقة في دم أم دمع لا أعرف ؟
لقد كان صوت الخطى هو الهدوء الذي يسبق العاصفة وكان وقعها ربما صوت عداد القنبلة التنازلي وهي تقترب لساعة الصفر ...
ماذا كانت هذه الصرخة؟؟
وممن كانت؟؟
ولم كانت؟؟
مشهد مخيف يبلغ ذروة ذروة غموضه
وضعت يدي على صدرها علني اكتشف سرها فإذا بصرخات ألم تخرج من قلب طعن غدرا لا تسمع ولكن تحس تيقنت أنها هي وقتها خطر ببالي أي شيء ... أي شيء ‘ إلا رحيلك
نزلت بفزع لم يهدأ إلى أرض لم تعد أرضي حاولت السير بخطوات هادئة باتجاه باب أغلق عليك علني أكتشف سر الحدث .
الإحساس هو العامل الأكثر تأثيراً هنا فكلّ شيء يدرك به .... وهو ليس دليلاً قطعياً بل لا يبنى عليه يقين فلا بد من التأكد من صدقه لماذا ترتجفين يا أمّ؟ لماذا قلبك يعزف على الطبلة ؟؟ لا بد من حضور المشهد كاملاً حتّى أبدد عتمة هذا الليل البهيم وهذا السرّ
وصلت أخيرا أمام الغموض وما هي الا لحظات حتى أعرف كل شيء ؛ حاولت أن أتظاهر بالشجاعة لأزيل الستار ليتكشف لي عذابي لأمعن النظر في أول مشهد من مسرحية الشقاء وبالفعل لمست القبضة الملتهبة وغامرت بيدي وأنزلتها بصعوبة
أخيرا وصلت ... ها هو يرقد بهدوء وكأن شيئاً لم يحدث ... اقتربت منه ... اقتربت أكثر لامست كفه بهدوء حتى لا أزعجه فلم يتنبه ‘ أمسكت كفه ورفعته لأستفزه أن يستيقظ وليربت على رأسي .. فلم يفعل ‘ قربت خدي بضجر من تجاهله لي عله يشم رائحتي فيقبلني فلم يفعل ‘ انه بارد الملمس صعقت وكان لابد من الوقوف أمام الواقع والمواجهة برد جسدي فجأة وتجمدت أوصالي
أيقنت أنه اختار الفراق ‘ اختار شقائي وشقاءها بلا رحمة ‘ اقتربت منه وسألته بكلمات تختفي قبل أن تخرج ... هل مت ؟
أيها الطّائر ... لم أنس أنني أحاورك ... فهذه هي اللحظة التي تمنيت خروج روحي من قمقمها (الجسد) لتلحق بروحه المسافرة ...
يتبع===>