مضى زمن لم أسمع فيه صوتك ، لم أسمع ضحكتك الرائعة ، لم أسمع نشيد حنانك يراقص عضلات قلبي ، مضى زمن لم أرَ فيه ملامح وجهك الجميل ، لم أتحسس فيه وجناتك بيدي المتعبتين ، مضت أيام وشهور وسنين ، منذ رحلتِ لم أعد أرى شيئاً ، كان آخر ما رأيته هو أنتِ ، فلم أشأ أن يخالط عيني غير رؤياكِ ، لهذا أنا أعمى بحبكِ ..
ما زلت أذكر يوم جئتكِ خاطباً ، كيف وضع أهلك مهراً كبيراً ، قالوا" هل تستطيع ... "؟ ضحكتُ منهم كثيراً فهم لا يعلمون كم أحبكِ ، لو كانوا يعلمون لطلبوا مني النجوم ولبن العصفور ، ولقلت لهم "أنتم تأمرون ، ولعيون حبيبي كل ما تطلبون "، آهٍ لو كانوا يعلمون كم أحبكِ.
ما زلتُ أذكر أيضاً يوم عُدتِ من عند الطبيب ، قابلني أحدهم وقال لي "البشرى يا حبيب" ، قلت له "أبشر ، ولك ما تريد "، قال" سيأتي الحبيب من حبيبٍ لكَ بعد حين"، فأعطيته كل ما في جيبي ، وطار قلبي من الحنين إليك ، فمشيت إليكِ وأنا أطير .
ما زلت أذكر يوم قالوا لي مرض قلبك ، فذهبت كالمجنون أبحثُ عن نفسي ، قال الطبيب " آسف فقد آذن القدر بيوم الرحيل" ، لم أذكر ما فعلت ، ظننته يمازحني يريد البشرى على سلامتكِ ،" خذ قلبي يا طبيب خذني أنا ودع قلبي يعيش" ، ظننته يمزح ، ولم أتبين حقيقة موتي إلا عندما رأيت دموع أمي ، فأيقنتُ أني متُ الآن من وقتي .
ما زلتُ أذكر ملامحُ وجهك وأنتِ ممددة على سريرٍ أبيض، وقفت مذهولاً هل صحيحٌ ما أرى ، هل أنا الممدد هنا ، رأيتُ قلبي ينزفُ ، وعظامي تتباعد عن بعضها ، كأنها تخوض حرباً مع بعضها بعضاً، رأيت صدري يخرجُ منه بخار ، رأيتُ الدنيا تدور بي ، رأيتُ ما رأيت ، ليتكِ تعلمين ما رأيت ، لو كنتِ تعلمين لما رحلتِ .
كتبتُ لكِ شعراً سأقوله الليلة للقمر ، كما كنا نفعلُ سابقاً ، هل تذكرين ...؟ يوم كان النوم يجافيني كنتُ أجلس على شرفة المنزل أراقب القمر ، وكنتِ تغارين منه وكنتُ أضحكُ منكِ ، كيف تغارين منهُ وأنتِ عندي ، فتقولين " أغار عليك منه ، فدائماً أشعرُ أن بينكَ وبينه شيئاً"، فقلت لكِ "لا تغاري ، فانا أحبه من أجلكِ ، فإن كان يومي قبل يومكِ ، واشتقتِ إليّ ، انظري إلى القمر تجدي روحي هناك"، فإذا بكِ ترحلين قبلي ، وتتركينني وحدي أنظر للقمر،آهٍ لو تعلمين كم أحبه لأجلكِ .
اشتقت اليكِ ،اشتقت إليك كثيراً ،آهٍ لو تعلمين كم اشتقتُ إليكِ ، ليتكِ تسمعين ، ما زلتُ وحيداً منذ رحلتِ ، قتلني الحنين ، و كلُ يومٍ أموت فيكِ ليتكِ تعودين ، لم أنظر بعدكِ لغيركِ ، ولم أبحثْ عن أحد ، لا أحد قبلكِ و لا أحد بعدكِ ، أنتِ كل شيء لي ، رحلتِ ورحلَ قلبي معكِ ، ويكفيني فخراً أن أعيش على ذكراكِ ...
أنتِ عطر الحياة ، وبلسم الجراح ، وهوائي وشمسي وليلي ونهاري ، كيف يموت الحبُ فيكِ ، وأنا لم أزل فتياً في هواكِ...