|
وَ لَقَدْ جهلتُ مِن البُكا معناهُ |
حتَّى تـَفَـتـَّقَ خاطري فبكاهُ |
وَ تحدَّرتُ أنداءُ رُوحي إثْـرَه |
وَ اشَّعَّبتْ في مُهْجَتـِي ذِكراهُ |
وَ غرقتُ في دَمعِ الهواجِسِ وَ الأسى |
وَ مضيتُ كالخَرِفِ المُضَيِّعِ فاهُ |
وَ فَررتُ مِن قَوسِ المَنَايا بِالنَّوى |
حتَّى رَمانِي سَهمُها ينعاهُ |
وَ وَجدتُ في جُرمِ الجوانِحِ لوعة ً |
مِن وَجدِ حُزنِي , مِن جَنَى مَنآهُ |
وَ سَقـِمْتُ من صبرِ يعضُّ حَشاشتي |
فالصبرُ وَحشٌ وَ البُكا نَاباهُ |
أوَّاهُ - يا أبتاهُ - بعثرَنِي الرَّدى |
إبَّانَ موتِكَ - يا أبِي - أوَّاهُ |
سَكنَ الشَّقاءُ بِداخِلي , وَ احتَلَّني |
مَنْ لِي - بِبُعدِكَ - أَشتهـِي لُقياهُ ؟ |
مَنْ لِي إذا جَنَّ الدُّجَى - يا وَالدي - |
يَسقي فؤادي مِن نَدى نجواهُ ؟ |
مَن لِي - بِمِثلِكَ - لو نَثرتُ بِكَفِّهِ |
رُوحي , فَفَاضَتْ - رَحْمَةً - كَفَّاهُ ؟ |
وَ مَنِ الذي لو أحتويِهِ بأَضلُعي |
فَاغْرَورَقَتْ - بِدُموعِهِ - عَيناهُ ؟ |
أَو مَنْ عَلَى قَدَمَيهِ أسكبُ لَهْفَتِي |
قُبلًا تُسكِّنُ خَافِقي .. أبتاهُ ؟ |
يا أنتَ يَاوحْيَ السَّمَاء بِناظِري |
أَوَلَسْتَ مَنْ نَشَرَ السَّنَا بدُعاهُ ؟ |
أَولستَ مَنْ رَوَّى الدٌّنَى فِي حَاضِري |
وَ رَجوتُ غيثَكَ أبتغي سُقياهُ ؟ |
أَفديكَ - أنتَ - أَبِي - أَنَا - لَولَا الرَّدَى |
لَولَا القضاءُ فَأنتَ مَنْ أَهواهُ |
أَنتَ الذي أنعشتَ روحي كُلمَا |
آنستَ قلبي نازعًا شكواهُ |
وَ مضيتُ - بعدَ الفقدِ - فِي عُمري سُدىً |
عَبداً قَلَى - بعدَ الوَفا - مولاهُ |
وَ خَلوتُ وحدي أمتطي بُؤساً غَدَا |
كَطلاسمٍ وَ حُلُولُها مَعناهُ |
وَ تَساقطتْ في شَقوتي مِزَعُ الضَّنا |
وَ تبخَّرَتْ في حَسرتِي دُنياهُ |
مَا تاهَ عَنْ ذِكراكَ نبضٌ في دَمي |
أو غابَ صوتُكَ - يا أبِي - وَ صَداهُ |
وَ نَسيتُ مَاقد ماتَ مِن زَمَنِ الغِنَى |
وَ نَسيتُ أنْ أَنسى الذي أغناهُ |
وَ لَقيتُ في نَفسي شَظايا سَلوةٍ |
وسَلمتُ من سَقمي وَ عِشتُ قَذاهُ |
وَ بكيتُ من ذِكرى أحاديثٍ مضتْ |
وَ حَننتُ لَكنْ , هلْ عَسى ؟ وَيلَاهُ ! |
مَا زِلتَ - يَا أبتاهُ - فِي عَيني سَنَا |
لا زلتَ نبضَ تَشَوُّقِي وَ رَجاهُ |
مَا كُنتُ أعلمُ - يا أبِي - أَنِّي إِذا |
فارقتُ " عُمري " غَابَ مَنْ وَاساهُ |
إِنِّي زَهدتُ الحرفَ يُشْبهَهُ العَمَى |
لولاهُ ما انتفضتْ يَدي لولاهُ |
وَ زَهدتُ مِن بَوحٍ يُشاكلُهُ العَنَا |
بعدَ الذي بالأَمْنِ قدْ سَاوَاهُ |
وَ نَشرتُ شِعرِي هائِماً في ذَاتِهِ |
وَ تَركتُ فِكْرِي ساهِماً يَرْعَاهُ |
وَ نَظمتُ مِن وَجدي لَفائِحَ لَـوعَـتي |
فـَتـَبَعْثرتْ في هَدأتِي ذِكْرَاهُ |
سَكَنَ الثـَّرى وَ سَكَنْتُ لكنْ فَوقَهُ |
لَيتَ الذي أخْفَاه قد نَجَّاهُ |
رُحماكَ ربِّي هَبْ لَهُ نِعْمَ الحِمَى |
جَناتِ عَدْنٍ - بِالجَزَا - مَثواهُ |
أَغْدِقْ عَلَى أَحنائِهِ فيضَ الرِّضا |
وَ اسقِ الثَّرى , سُقياكَ يَا اللهُ |
ربَّاه وَ اجمعنا نَعـِش أبداً معًا |
ربَّاه - في رَوضِ المُنَى - ربَّاهُ |