بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين الهادي إلى الحق وإلى صراط الله المستقيم سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واتبع سنته إلى يوم الدين .
وبعد . . . .
فإن الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي نراها ونسمعها الآن من بعض الضالين والمغضوب عليهم والكافرين ، ممن أظلمت أبصارهم وبصائرهم ليست بجديدة أو حديثة ، بل هي قديمة قدم الإسلام ، منذ أن جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ربه سبحانه وتعالى .
بل يمكن القول إن الإساءة في حد ذاتها قد تعدت شخصه صلى الله عليه وسلم إلى أبعد من ذلك ، فوصلت إلى ذات الله سبحانه وتعالى .
اقرأ ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى في الحديث القدسي ، إذ يقول :
" شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ، وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني ، أما شتمه إياي فقوله : إن لي ولدا ، وأنا الله الواحد الأحد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد ، وأما تكذيبه إياي فقوله : ليس يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته "
رواه أحمد والنسائي والبخاري في صحيحه .
وأما الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالتاريخ سجلها لنا ، إذ كانت من الكافرين حينذاك سافرة واضحة ، استهزاء وسخرية وعداء ومقاطعة ووصل الأمر كثيرا إلى القتال والمواجهة بآلات الحرب .
وإذن فالأمر ليس جديدا مستحدثا ، بل هو متجدد بين الحين والحين ، ما بقيت الدنيا ، وما بقى الخير والشر ، وما بقى مؤمن وكافر ،
والآن . . . . وقد أخرجت المخلوقات الضالة رؤوسها من الجحور فلفظت ما بداخلها من سموم ، فتجددت الإساءة .
لذلك فإن الخطاب الآن يوجه إلى شقين :
أما الشق الأول ، فهو إلى إخواني المؤمنين ، من يدنون بلا إله إلا الله محمد رسول الله في كل بقاع الأرض .
الآن . . . . نحن في فرصة سانحة قيضها ربنا تبارك وتعالى لنا بهذه الصوروعلى هذا النحو .
هي فرصة عظيمة ، يجب توظيفها صحيحا للتعريف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبشريعته الغراء وسنته الشريفة ، باعتباره صاحب الرسالة الخاتم للناس أجمعين .هي فرصة سنحت لتحقيق ذلك قولا وفعلا ، في إطار شريعته وسنته صلوات الله وسلامه عليه .
الآن ، وقبل أن تهدأ الغضبة الحقة ، وتفتر العزمة ، بعد أن ثارت الثورات ونظمت التظاهرات والمؤتمرات ، وقوطعت المنتجات ، وأعلنت الاقتراحات وبدأت بوادر الاعتذارات ، وغير ذلك مما يأذن به الله .
بداية ،، يهمنا أن نقرر أن المسلم الحق في أقرب تعريف له ، هو ذلك الشخص صاحب السلوك القويم والخلق الكريم والفكر السليم ، من يجسد التوحيد الخالص الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه ، متبعا لشريعته إيمانا واحتسابا ، عقيدة لا لبس فيها ، ودعوة لله رب العالمين .
ثم . . . هي فرصة أتيحت لتجديد تطبيق منهجنا القويم ، نحو تربية وتعليم أولادنا الدروس والعبر من هذه الهجمة ، ( أسبابها منا ومنهم ) ، ثم علاجها بنهج محكم مثمر .
فأسبابها منا ، لا تخرج عن تقصيرنا في تطبيق شريعتنا إفراطا وتفريطا ، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
وأسبابها منهم ، لا تخرج عن كفرهم وضلالهم ، مع تقدمهم وتأخرنا وهجومهم غرورا وغطرسة ، ودفاعنا تأخرا وخذلانا وضعفا .
حقائق واقعة ، لا محيص عن الاعتراف بها وتصحيحها ، ما دام في الجسد نفس يخفق .
إن مواجهة الآخر لها أكثر من باب ،
لعل منها أن هؤلاء الذين نراهم الآن أمامنا ،،
منهم المضلون الفجرة الكافرون الغَدَرَة أئمتهم ،
ومنهم المضللون المغترون المنقادون لأئمتهم وصناديدهم .
وهؤلاء وهؤلاء ، قلة وكثرة ، علينا مواجهتهم ، كلا حسب موقعه ضلالا وغيا .
فأنت حين تناظر صنديدا مضلا ، تأتي ببيان تدحض به قوله وإضلاله ،
وحين تخاطب مضللا منقادا ، بيانك تجاهه يغاير بيانك الأول .
وباعتبار أن من ليس معنا فهو علينا ، وهو الذي نطلق عليه لفظ الآخر ، فإن هؤلاء وهؤلاء باب يمثل أحد وجهي الآخر .
أما الوجه الثاني من الآخر ، فلا يقل أهمية عن سابقه ،
ذلك هو الناشئة من أولادهم ، الذين يربونهم على كراهيتنا ، حقدا وضلالا وإضلالا ، فينفثون في عقولهم سمومهم ، وحينئذ فأنت في منافسة عظيمة .
إما أن ينتصر آباؤهم المضلون ، فينجحون في تنشئة الناشئة مثلهم وعلى معتقداتهم وقواعدهم وسياساتهم ، وكلها تخالفك وتقاومك ،
وإما أن تنجح أنت في أن تبذر فيهم بذورا تدعوهم إلى قبولك وقبول فكرك ومعتقدك ، ولو بعين محايدة ،
فإذا سنحت سانحة ، فلن تجد تعصبا مقيتا أو رفضا تاما ، أو انغلاقا كاملا ، ومن ثم عداءا سافرا ،
بل قد تبصر الأعين ، وتنجلي السحب ويزال الران من على القلوب ، وتكون هداية من رب العالمين ، وما ذلك على الله بعسير .
" فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام " . الأنعام 125.
جهود لا بد لها من تخطيط محكم وتنفيذ مخلص تقوم عليه ، والإمكانيات لذلك على مستوى العالم الإسلامي الممتد ، كثيرة ومتنوعة ، ولكن يعوزها الترتيب والتوظيف والتنظيم ، وتنويع المواقع ، وتوزع الأدوار .
إن نشر الفكر الإسلامي ، والدعوة المخاصة الواعية إليه ، في أرض غير إسلامية ، له ضوابطه وأصوله ، في ظل ظروفه ومتطلبات ، ه فضلا عن تنظيمه وتنفيذه .
فيا أخي المسلم المؤمن ، أنت أعلم من الآخر بكيفية الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونصرة دينه وشريعته ، والدعوة إليها إيمانا ويقينا ، واحتسابا لوجه الله رب السموات والأراضين .
ابدأ بنفسك ، فلن يغير الله ما بك حتى تغير ما بها ،
ولن تعدم الكيفية ، ولن تضل الطريق ،
ابدأ مخلصا نيتك ، فإنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا .
إن الكلام المفترض توجيهه إليك ، لا يخفى عليك ، ولا أدق ولا أصدق ولا أبلغ من مصحفك الذي في بيتك ، ارجع إليه ، وكفى به هاديا مرشدا ، وكفى به نصيرا .
وقبل أن يضيق بي المقام ، أتوجه بالخطاب إلى هذا الآخر ، للتعريف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، مقتطفا بعض الأمثلة القليلة جدا ، على أمل أن تقرأ من الآخر ، بعين محايدة ،
فإذا كان حقا – وهو حق لا شك فيه – التقينا ،
أما إذا كانت الأخرى ، فإن العيب ولا شك مني بتقصيري ، أو بفشلي في الإقناع ، وإظهار الحق المبين .
فيا أيها الآخر . . .
أحسبك سويا عاقلا ، تقر الحق متى ظهر ، أجادلك بالتي هي أحسن .
اقرأ التاريخ غير المزيف ، وانظر فيه بقلب سليم وفكر عاقل ،
وانتظر قبل أن تحكم ، ريثما تفرغ من سماعي أو قراءة تاريخنا الصادق .
سجل التاريخ أن محمدا صلى الله عليه وسلم ولد في مكة ،
هل هذا فيه شك ؟
ومكة لا تقع على بحر وليس فيها آنذاك علوم وفنون ومخترعات مما هو الآن هل هذا فيه شك ؟
دعنا نسرد بعضا من تاريخ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منذ أن ولد إلى أن لحق بربه ، في وقفات تأمل ، لعلها تنير لك الطريق
يا أيها الآخر . . .
ما بالك بإنسان تسمع عنه أن لقبه الصادق الأمين ،
لقبه به معاصروه كبيرا وصغيرا ،
أليس ذلك مما يلفت النظر ويستوقف الفكر ؟
نعم كان لقبه الصادق الأمين .
الصدق ، والأمانة ، كلاهما مزية عليها مدار الخلق السوي ، والسلوك المثالي في دنيا الناس ،
فمن اشتهر بهما كان ولا بد محلا للاحترام والتوقير والمشورة والاقتداء ،
ولم لا والصدق والأمانة لا يأتي منهما إلا الخير والفضل ؟
يذكر التاريخ أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جهر بدعوته في مكة ، بأمر من الله تعالى وعادته قريش ،، جاءه وافد منها .
هذا الوافد عرض عليه عروضا ،،
لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل منها شيئا ، لكانت دعوته إلى الله محل نظر ، ولتحول القول له ، إلى القول عليه .
هل تدري ماذا كانت تلك العروض ؟
لو كان هذا الذي يأتيك رئيٌ ، أتينا لك بأعظم الأطباء لتشفى ،
لو كنت تريد من النساء شيئا ، زوجناك من تختار ، من أحسن فتياتنا وبناتنا بما في ذلك من جمال وشرف ونسب .
لو كنت تريد مالا ، جمعنا لك من أموالنا ما تصير به أغنى رجل في مكة .
فإذا تركنا النظر في العروض السابقة ،
فعلينا الاهتمام بهذا العرض الأهم ،،
إذ قال وافد قريش :
لو كنت تريد ملكا ملكناك علينا .
يا الله . . .
هل هناك أسخى من هذا العرض ؟
لا .
علما بأن قريش في مكة آنذاك ، لها السيادة على العرب جميعا ، بحكم خدمتهم لبيت الله الذي يقدسه العرب من كل القبائل ، وبحكم تجاراتهم الواسعة في مختلة الجهات شمالا وجنوبا لاسيما رحلتي الشتاء والصيف ، وبحكم علاقاتهم المتعددة والمتنوعة مع كل جيرانهم من أفراد وقبائل وشعوب ودول .
ومع ذلك ،
لو كنت تريد ملكا لملكناك علينا .
هي مساومة ،، ما أغلاها وما أثمنها ، لو قبلها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
لو ترك ما يدعو إليه ، وملك قريشا .
لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير .
إنها الرسالة ،،،،،،
رسالة الإسلام ،،
إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بدعوته بأمر ربه ، لا ليملك أو ليترأس ، كما ظن أبو الوليد وافد قريش ، أو كما يظن من هو على شاكلته .
وهل هناك أكثر أو أعظم أو أسخى مما عُرض عليه ؟
نعم .
إنها الرسالة . . .
رسالة الإسلام .
لذا . . . .
لم يقاطعه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى من مقالته ، فسأله : أوقد فرغت ؟
فلما قال نعم ،
قال له محمد صلى الله عليه وسلم :
إذن فاسمع ،،،،،،،،،، وتلا قرآن ربه .
لا يفوتنا هنا أن نركز على أن محمدا صلى الله عليه وسلم حينئذ في هذا اليوم في الأربعينيات من عمره الشريف ، وهي سن قصارى الآمال فيها أن يكون صاحبها نديما لملك ، أو صهرا له ، أو حتى أخاله ،
أما وقد عرض عليه الملك ذاته ،
فهذا شيء لا يجدر إغفاله أو تركه ، أو عدم النظر فيه .
رفض الملك على قريش ، ليكون عبدا لله ، ورسوله الخاتم .
هذا هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
بر بقسمه الذي أقسمه لعمه :
{ والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ، ما تركته حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه } .
وما قيمة الشمس والقمر بجانب الرسالة ؟
بل وما قيمة السموات والأراضين بما فيها بجانب الرسالة ؟
إنها الحقيقة التي هي أعمق من ذلك بكثير .
إنها الرسالة ،،،
رسالة الإسلام ،،
ثم . . . .
يا أيها الآخر . . . .
لو طالعت التاريخ الصادق ، غير المحرف أو المزعوم ، لتأكدت أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الوحيد من بين البشر الذي دونت سيرته كلها بكل تفاصيلها ، دونما تحريف أو تغيير أو سهو أو إغفال ،
ومع ذلك ،، فلم توجد في كل هذا العمر المبارك الذي امتد ثلاثة وستين عاما أية غلطة أو سقطة أو مثلبة أو نقيصة ،
بل على العكس والنقيض من ذلك ، تماما بتمام ، فكلها صدق وأمانة وعفة ونبل وشهامة وقوة وشجاعة ومروءة وفتوة وإحسان ووفاء ورحمة وفصاحة وبلاغة وبركة ، وكل ما يندرج تحت عنوان مكارم الأخلاق ، وأحاسنها .
حقائق سجلها التاريخ الصادق ،
عليك بمطالعتها بفكر سليم عاقل ، خال من الشوائب والرواسب ،
ثم احكم .
أتدري لماذا ؟
لأنه صفوة الخالق ، ورسوله الخاتم ، ورحمته المهداة للعالمين .
يا أيها الآخر . . .
هاك مثال في الأمانة ، جدير بالالتفات إليه بكل حاسة وجارحة ،،
يوم أن أزمع الهجرة من مكة ، بعد أن وصل مع قريش إلى الطريق المسدود ، خلف عليا بن أبي طالب في مكة ،
أتدري لماذا ؟
ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .
اقرأها مرة أخرى . . .
ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش .
نعم ،،، ودائع القرشيين كانت عنده ، مع كل هذه الخصومة والمخالفة في العقيدة ،
عادوه إلى الحد الذي أزمع معه الخروج من بين ظهرانيهم ، هجرة إلى بلد آخر ،
ومع ذلك ،،،،،
لا يجدون من هو أوثق منه لودائعهم ، ولا أأمن منه لأماناتهم .
ومع ذلك ،
ومع استطاعته ، وقد خرج إلى بلد آخر ، ومع قدرته على أن يأخذ هذه الودائع معه إلى حيث هاجر ، أو يلحقه بها ابن عمه .
مع هذا ،
لم يفعل ،
أتدري لماذا ؟
لأنه الصادق الأمين ،
ولأنها الحقيقة التي هي أعمق من كل شيء ،
لأنها الرسالة ،،،،،،
رسالة الإسلام .
يا أيها الآخر . . .
وقعت لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال كثيرة ومتنوعة ،
لم تتيسر مجتمعة لكل نبي على حدة ،
فمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ، فكان زوجا مثاليا ،
مارس العلاقة الزوجية بكل ما فيها ، فكان نعم الزوج ،
وماتت في حياته الزوجة المثالية ، فذاق لوعة الفراق ، من فقد السكن والرفيق الحبيب المخلص ، ماتت أم الأولاد في حياته .
أنجب الأولاد والبنات ، فمارس حياة الأبوة .
مات في حياته الأبناء ، الولد و البنت ، فقاسى لوعة فقد فلذة الكبد ، بما فيها من مرارة لا يصفها إلا من ذاقها بنفسه .
أوذي في أهله ، بل وصل الأمر إلى حد الاتهام في العرض ، وفي من ؟
في أحب زوجاته إليه آنذاك ، وابنة أحب الخلق إليه آنذاك .
مارس التجارة ، وباع واشترى ،
ومارس من قبل رعي الغنم .
فرح في أيام ، وحزن في أيام ، وبكى في أيام دمعا يسيل على الخد .
أمسك السيف والحربة وقاتل ، وانتصر ، ووصفت شجاعته علي ألسنة طلائع الشجعان حين قالوا :
كنا حين تشتد المعركة نلوذ ونحتمي برسول الله .
فلم تكن قيادته للجيوش وهو في برج خاص خارجها ، إنما هو أقرب ما يكون للعدو ، في الأمام من طليعة المحاربين .
عاهد ، ووفى بكل ما عاهد ، كغيره من الأنبياء .
سالم فكان نعم المسالم وحارب ، فكان نعم المحارب ، باعتراف أبي سفيان بن حرب قبل أن يسلم ، رضي الله عنه .
لم يُربِّ فيه اليتم من الأب والأم صغيرا عقدة في نفسه أبدا ،
فقد ولد بعد موت أبيه ، وماتت أمه وهو صبي في السادسة ، فكفله جده ثم عمه حتى تزوج .
يا أيها الآخر . . . .
اقرأ في سيرته بعضا من صور رحمته .
حين رجع من الطائف ، وجاءه الملك ، ينتظر منه الأمر أن يطبق الجبال على من آذوه هناك،
أتدري ماذا قال في هذه اللحظة ؟
قال :
لعل الله أن يخلق من أصلابهم من يعبد الله الواحد .
حين فتح مكة ، ووقف ينادي أهلها ، وهو في قمة الانتصار ، وهم وقوف ينتظرون الحكم ،
هاماتهم لن تستغرق دقائق لقطافها ،،،،، لو أومأ .
لكنه لم يفعل ذلك ،
ولا ينبغي له أن يفعل .
أتدري ماذا قال لهم :
قال :
{ ماذا تظنون أني فاعل بكم ؟ } .
استعطفوه واسترحموه واستكرموه واستغفروه قائلين :
أخ كريم وابن أخ كريم .
أتدري ماذا قال لهم؟
قال :
{ اذهبوا فأنتم الطلقاء } .
ولم يقل اذهبوا فأنتم الأحرار ،
فالحر إنما يكون بعد استعباد ، وأما الطليق فغير هذا ،
وهذه من إحدى فصاحاته وبلاغته صلى الله عليه وسلم ،
حتى في أوج انتصاراته ، رحمهم ، وأبقى عليهم ، وأكرمهم ،
فأبقى لهم كرامتهم ، فأصبحوا الطلقاء .
أتدري لماذا هذه الرحمة ، وهذا الكرم ، وهذا العفو ؟
إنها الرسالة . . .
رسالة الإسلام .
يا أيها الآخر . . . .
إن كنت لا تدري ، فإن رسالته استغرقت ثلاثة وعشرين عاما ، تنزل عليه فيها وحي السماء ، بقرآن الخالق جل جلاله ، معجزة باقية خالدة إلى يوم الدين .
ويوم أن انتقل إلى جوار ربه ، لم يترك دينارا ولا درهما ،
بل لم يترك شيئا يورث ، مثله في ذلك مثل غيره من الأنبياء عليهم جميعا من الله تعالي السلام ،
مات صلي الله عليه وسلم ودرعه مرهونة ،
و ترك حصيلة هذه السنوات المباركات ،، كتاب الله سبحانه ( القرآن الكريم ) وسنة عنه صلى الله عليه وسلم ، فيما يطلق على أقواله وأفعاله وتقريراته ، فكانت منهجا وتشريعا محكما ، فيه سعادة الخلق أجمعين .
وعن معجزة الكتاب المنزل عليه منذ مئات السنين ، الذي لم يترك شيئا بقوله تعالى :
" ما فرطنا في الكتاب من شيء " . الأنعام 38 .
تجد العجب العجاب ،
لعل من أهم ما يذكر ، أنه الكتاب الوحيد على وجه الأرض الآن ، الذي لا يزال هو هو ، بنفس نص قائله وهو الله ، أما غيره من الكتب ،،،،،، فلا .
تجد أنه لمس أشياء كثيرة ، اكتشفت بعضها منذ سنوات قليلة ، عشر أو عشرين أو حتى مائة على أكثر تقدير ، ما كان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون له علم بها من تلقاء نفسه ، لأنها – بالفعل – من لدن الخالق العليم الخبير .
فأكبر علماء الغرب في علم الأجنة ، بدقيق تخصصهم فوجيء بأن القرآن الكريم تكلم عن تطورات خلق الجنين حتى يولد تماما ، بماوصلت إليه أحدث الأبحاث في أواخر القرن العشرين .
ومع أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن من البحارة أو الملاحين أو كثير الأسفار بحرا ، أو من ساكني الشواطئ الساحلية ،
مع كل هذا ، فإن أحد علماء البحار ، ممن جاب البحار ملاحا ودارسا ومجربا ، حين عرضت عليه الآية الكريمة :
" أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها " . النور40 ، أعلن أن هذه الظاهرة ، على ندرة حدوثها المنتظم ، لا يمكن بحال أن تكون من عند محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي لم يركب البحر ،
بل هي من دلائل صدقه في البلاغ عن قائل هذا الكلام ، ألا وهو رب العالمين .
ومثل هذا وذاك ، في علم الفلك وعلم الطب وعلم الجيولوجيا وعلم الإجتماع وعلم ،، وعلم. . . . الخ .
نعم هو معجزة باقية ، تلمس بإجمال أو بتفصيل ، وتمر القرون الطويلة ، وتستمر إن شاء الله تعالي ، فتكتشف بعض أسراره تتري ، مصداقا لقوله تعالى :
" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " .
فصلت 53 لتكون برهانا ودليلا لا ريب فيه على صدق بلاغ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالي ، بنفس اللغة والألفاظ والحروف .
يا أيها الآخر . . . .
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ، اقرأ سيرته بعين مجردة ، وقلب سليم واقرأ ما جاء به من عند الله تعالى . . . . ،
ثم احكم .
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم نبينا الأعظم الخاتم ، الذي أوصى بلاغا عن ربه بالتبجيل والتقديس لكل الأنبياء والرسل من قبله ، لأنهم صفوة خلق الله والهادين إلى صراطه المستقيم .
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي لم يجد معاصروه من الشانئين والمعاندين والكافرين برسالته سقطة واحدة ، أو نقيصة واحدة ، يقدحون بها في سيرته أو شمائله ، وهم أقرب الناس له عشرة ، وأعرفهم به عن قرب وبصيرة ، وأحرص الناس حينئذ على تصيد ما يمكن أن يقدح فيه ، فيبرر ، ولو زعما وتخرصا ، معاداته ومعاندته ، والكفر بما جاء به .
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي شهد له عدوه قبل صديقه ، كما كان من محاورة قيصر لأبي سفيان ، قبل أن يسلم أيام الهدنة .
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي أوصى بالمثالية في أتم وأنقى معانيها ، حين التعامل مع الآخر ، في كل صوره وأشكاله ، بنص القرآن الكريم المنزل عليه :
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن "
النحل 125
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي أبلغنا المنهج الرباني ، بما فيه من كل السعادة للبشر أجمعين ، وكان هو بنفسه أول من طبقه قولا وعملا وسلوكا وخلقا وسجية ، واحتقر في سبيله ملك قريش ، بل والسموات والأراضين .
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي تفرد بالمثالية العظمى في كل خلق كريم .
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي قال فيه الشاعر وقد صدق وبر :
وأجمل منك لم تر قط عيني *** وأكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب *** كأنك قد خلقت كما تشاء
وقال الآخر :
ومبلغ العلم فيه أنه بشر *** وأنه خير خلق الله كلهم
هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي يتوجب تقديسه ، واتباع شريعته وهديه وسنته ، فهو الهادي بالحق والصدق إلى صراط الله المستقيم .
فصلاة الله وسلامه عليك يا سيدي يا محمد يا رسول الله ، يا من بعثت رحمة للعالمين وعلى آلك وأصحابك وذرياتك وأتباعك إلى يوم الدين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، والحمد لله الذي جعلنا بهدايته من جملة أتباعك المسلمين وهو حسبنا ونعم الوكيل ،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
صلاح جاد سلام
باحث إسلامي