6)
اللقاء
من بعيد رآها، توقف .. فكر في العودة، تذكر الهدف ..أراد عبور الطريق إلى الجانب الآخر الخالي منها.. منعه جنون السيارات .. تابع سيره في هم فكرة الخلاص .. نظر، مازالت واقفة.. لا شيء فيها، فقط هي يدان؛ اليمنى مبسوطة أماما، واليسرى مثنية في انحناءة لأسفل .. اقتربت المسافة .. استوقفته قبلا، في البدء لبى لظن الاستحقاق لكنه اكتشف الاحتراف .. اقتربت المسافة، السيارات في جنونها .. ما زالت واقفة، رأته ، هشت له، استعدت للقاء .. استعد للابتعاد .. تحركت، برز البغض سيفا مصلتا قبالته ..صار رغبة في الفرار،دار في انحناءة واسعة لتفادي اللقاء ..احتواه جنون السيارات!!
7)
غربة
دخل , نظر محاولا التذكر. كانت الجدران نظيفة قبلا, كانت الترابيزة قائمة وسط الحجرة , كان الكرسي قبالتها قائما على أربع , كان الإنسان موجودا .. أعاد النظر, العناكب تحتل الجدران, التراب يعلو الوجود. الأرضية الملساء الناعمة ، الترابيزة المنفردة هناك هناك في أقصى الركن، الكرسي الملقى في إهمال جريحا.
هو كان يجلس وعليه جوع السنوات وتراب الفزع .. خطا إلى الداخل، قال: لعل الخطو يذكره أو يعيدني، كثر الخطو وما عاد.
- قال : رجعت!! نعم ، أنا هو .. ألا تتذكرني؟!
رفع الجالس رأسا فانتثر التراب مالئا المكان ، نظر ، لم ينبس.
- ألا تعرفني؟ لقد عدت ..
انكفأ في إهمال ، خرجت حروفه قيودا وحزنا :
-أعرفك ،أنت من رحل وتوغل بك الرحيل ،.. هناك وحدك وهنا وحدك ، فارجع ..
-إني عائد منتويا الـ..
تطاير الشرر من الرأس ذي الشعر الأشواك :
-صه! .. قلت : ارجع ، لا أريدك ..
انكفأ الرأس وعليه ظمأ السنوات العطاش، نظر الوجه ، دخله التراب ، شربه ، امتصه.. بدأت القدم الانسحاب على السطح الأملس الناعم .
8)
أنفس بألوان قاتمة!
تقلب في ملل .. زفر.. نظر حيث السقف المخروق، عبس وبسر.. أغمض عينيه وكله هواء. نظرتْ إليه ، أعادت الاستدارة وقالت في عدمٍ:
- أصنع لك طعاما!!
لم ينبس .. لم تهتم. تقلب، لم تفارق مكانها.
قال في قتامة:
- لا بأس!
عاود الإغماضة.. قامت تعمل وغلافها كسل وملل. غاب عن حجرته، غاص في لاشيئيته وعدميته.
أنهت، قالت:
-جاهز!!
استدار.. نظر إليها في رقدته ..نظرت إليه في وقفتها؛ العيون زجاجية يابسة.
غادرت الحجرة .. نظر إلى الطعام، حاول النهوض .. لم يجد الباعث ..لمسه بأصابعه، لعقها.. أدار ظهره، ظل يلعق أصابعه في ملل!!
9)
الصدى
أفلتت شفتاي حافة الكأس في حركة عصبية لاحظها فلم يكمل استدارته. وقف أعطاني وجها ابتلعه العجب والاستفهام. اصطدم الكأس بالمنضدة العارية..ضغطت الشفتين لأزيل الأثر وأمتص بعض الغضب.
قلت:
- ملعقتين ونصف، لا تزيد نصفا فتصير ثلاثة فأغضب. ولا تنقص نصفا فتصبح اثنتين فأدرك فأرفض، اثنتين ونصف فقط، قلت لك ؛ لماذ لم تلتزم؟
عقدت الدهشة معالم وجهه البليد، قال:
- يا أستاذ، هذا شاي لا قهوة!!
قذفت الكأس، اصطدم بالسور الفاصل النيل عن الكافيتريا. تلفت في أرجائها أشهد المناضد والكراسي على غباء الواقف قبالتي في ذهوله البليد. صرخت:
- اذهب وعد بما طلبت! أنا الشارب لا أنت، دائما أنا الشارب!! هنا وهناك، هيا اذهب!
تداعيت في وهن على الكرسي، حملقت في براح النيل أتنفس برئة واحدة يدخلها هواء المكان.اعتمدت رأسي بين كفيّ مغمض العينين أتمثل المدير الغاضب، والطرد. أحسست حركة، انتبهت. واقفا دون كأس، قال:
- يقول الرئيس:هات ثمن الكوب المحطم ، واخرج ولا تعاود.
نظرت إليه ذاهلا أستشعر خروج الهواء من الرئة الواحدة التي أتنفس عبرها.
10)
فرحة
خرج سعيدا .. وقف وسط العيال، أوقف لعبهم .. قال : اشترى لي أبي حذاء جديدا, الآن عندي حذاء وحذاء! كذبه العيال, أقسم .. كذبوه, تابعوا لعبهم .. حاول الإيقاف.. لم يفلح, أقسم, بح صوته, بكى .. قال كبيرهم : أرنا .. انطلق إلى داره، عاد ومعه فردة من حذاء وأخرى من آخر .. أوقف لعبهم، قال : هذا حذاء وهذا حذاء. نظروا إليه , صدقوه , لم يقسم .. وقف يتابعهم لاعبين محتضنا حذاءيه فرحا.