هل تتذكرين...؟
هل تتذكرين تلك الليلة السابعة والعشرون من ذلك الشهر المميز؟ كنت وأنت بكامل براءة الصبيان والصبيات تركضين إلى الخارج وبين كتل السحب المتفرقة المسرعة التي كانت تلهو بمداعبة النور فتحجبه تارة وتنسحب لتجعلك ترين ما كنت تبحثين عنه تارة أخرى ..بين كتل السحب تلك كانت عيناك متشبثة بالحلم ..حلم لم تمكنك السماء من فتح بابها لتقبضين عليه وترحلين إلى ذلك العالم ..كل ما يمكن أن يقال عنه إنه كان بديلا لعالم الأرض بل لضيق العيش في سكن ضاق به الظلام كما يضيق الزناد بما فيه..كانت السماء شاشة تعرض صورا رمادية يعلو الوميض أطرافها.. صورا لسحب متحركة كأنها صورللحرية في عقل السجين..كنت المتفرجة الوحيدة..وحدك كنت تقفين في تلك الساعة ما قبل طلوع الفجر على بوابة الدار العتيقة..وبلهفة حب المعرفة كنت تنتظرين انفراج باب السماء ..لقد قيل لك " باب السماء يفتح في السابع والعشرين .." وهذا يحدث مرة كل عام ..لم يكن قلبك الصغير قد امتلأ بعد بالأسئلة العويصة..كان يافعا ..نابضا بأجمل ما تهديه الحياة لصبية في مثل سنك..كانت مخيلتك مشرقة كمياه شلال يغتسل بأشعة خيوط الفجر ..وكنت كل عام تقفين في نفس المكان بالدرب العتيق ..تتسللين ساحبة بقية ليلتك معك وتنتظرين ..تنتظرين انسحاب الغيوم ..تأملين حدوث المعجزة .. كنت تنتظرين رؤية ما لا يرى..كانت سور وآيات تمر بذهنك مرور كتل السحب المسرعة الملاطفة للنور ..كنت تبتهلين بالصلاة ..وكان وجهك المبلل بماء الوضوء يستغني عن استقبال تلك الحبات من المطر المشتتة الناعمة المنفلتة من السماء.. الخفيفة خفة روحك .. كنت تقرئين المستقبل فقد بعثت إلى ملاقاته هناك ..حيث كانت صفحة السماء غادرتها النجوم حين احتلها نور القمر المكتمل الدائرة..وحده انتظارك ظل غير مكتمل ..وكالفراشة ظل محلقا بزهو معانقا شوقك المتفجر من ينابيع قلبك الصغير المؤمن..كم كنت تتوقين إلى معرفة ما وراء هذا الوجه الذي كان يحلو للغيوم أن تخفيه ..مرت سنوات تلو سنوات ..السماء ظلت في نفس المكان..وظلت الغيوم تراقص وجه القمر باستمرار ..لكن لم غادرك الانتظار ..؟