تَهْدِيدٌ
... وبعد صفعة مزلزلة هوى بها على خده الأيسر الشاحب وصفعتين مترادفتين على خده الأيمن، وبعد لكمة مدوية صدم بها وجهه الضامر ولكمتين متلاحقتين جاد بهما على بطنه الملتصق بظهره، قال له: ... وعليك أن تعلم جيدا، سواء شئت أم أبيت، أن لا خيار ثاني لك، وأنك إذا ما تماديت في تمردك علينا فالمزيد من كرمنا سينالك، وإذا تمسكت تمسك الأعمى بعصيانك لنا فسحقا لك، ولتعلم أنك على مقربة من اللحاق بمن سار على ذات الطريق قبلك، إذ لم تنفعه حيلة معنا ولا استطاع أن يفتدي نفسه بجميع ما ملك، فقتلناه ألف مرة ثم على أيدينا في الأخير هلك، ولم يفده تهوره الذي ظنه شجاعة كما بدا لك، ولا ضيق السبيل الذي حسبه ذا سعة فما سلك، فإن أجبتنا إلى ما نريد خلينا سبيلك، وإن رفضت دعوتنا فالأجدر بك إن استطعت أن تتمالك، وإن رددت بضاعتنا فشد رحالك، فعما قريب سيحل منا بك ما لم يخطر على بالك، وسيهوي عليك منا ما لا قبل لطاقتك به فيعطلك، فتدارك قبل فوات الأوان حالك، وإلا فإنك ستصير محمولا ووبالا على من حملك، فهات أسمعنا ما نحبه ونرضاه لك، وإلا فأخبرنا ما استوى عليه في النهاية قرارك وابسط لنا أقوالك ...
جال ببصره قبل الحديث في وجوههم المعتمة النكراء واحدا واحدا، وتنقل بعينيه بين محتويات الغرفة المظلمة إلا من مصباح يتيم خافت الضوء شاحبه، بعد أن وقع بصره على الجدران المقنعة بالسواد، وعلى الباب الحديدي الذي علق به الصدأ من كل جانب، وشب فيه من الألوان ما تنافر وتزاحم ...
ثم ما عسايا أقول بعد الذي آذيتموني به من صفع ولكم، ولعن وشتم؟ وما بوسعي أن أضيف بعد الذي سمعته من كلمات تحاكي الرعد في قصفه، والبرق في خطفه؟ بل ما عساني أقرر في شأني وقد قررتم وانتهى الأمر الذي عنه تسألاني، لكن يكفيني وأنا في هذا الموقف العصيب أن تسمعوني أقول: حسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي