بين جبريل ويوسف عليهما السلام
الدكتور عثمان قدري مكانسي
- يروى في الإسرائيليات أن يوسف عليه السلام لمّا لبث في السجن سبع سنين أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام بالبشارة بخروجه فقال له :
أتعرفني أيها الصدّيق؟
قال له يوسف : أرى صورة طاهرة وروحاً طيبة لا يشبه أرواح الخاطئين .
قال جبريل : أنا الروح الأمين , رسول رب العالمين .
قال يوسف : فما أدخلك مداخل المذنبين وأنت سيد المرسلين وراس المقرّبين؟.
قال جبريل: أوَ لمْ تعلم – أيها الصدّيق – أن الله يُطهّر البيوت بطُهر النبيين،وأن البقعة التي يحلون بها هي أطهر الأرَضين ؟ وقد طهّر بك السجن وما حوله يا ابن الطاهرين.
قال يوسف : كيف تشبهني بالصالحين وتسميني بأسماء الصدّيقين ، وتـَعُدُّني مع آبائي المخلصين ، وأنا أسيرٌ بين هؤلاء المجرمين ؟!
قال جبريل : لمْ يكلِم ( يجرح)قلبَك الجزعُ ، ولمْ يغيّر خُلـُقـَك البلاءُ ، ولمْ يتعاظمْك السجنُ ، ولمْ تطأ فراش سيّدك ، ولمْ يُنسِك بلاءُ الدنيا بلاءَ الآخرة ، ولمْ تُنسك نفسُك أباكَ ، ولمْ يُنسِك أبوك ربّكَ .
وهذا الزمانُ الذي يفُكّ اللهُ به عُنُوّك( أسرك ) ، ويعتق به رقّك ، ويُبَيّن فيه للناس حكمَتَك، ، ويُصَدّق رُؤياك ، ، ويُنصفك ممن ظلمك ، ويجمع إليك أحبتك ، ويهب لك ملك مصر ، يُمَلّكك ملوكَها ، ويُعبّد لك جبابرتها ، ويُذِلّ لك أعزّتها ، ويُصغـّر لك عظماءها ، ويُخدِمُك سوقَتَها ، ويُخوّلك خوَلها ، ويرحم بك ساكنيها ، ويُلقي لك المودّة والهيبة في قلوبهم ، ، ويجعل لك اليد العليا عليهم ، والأثر الصالح فيهم ، ويُري الملكَ حلماً يفزع منه ، ويأخذه كربٌ شديد ، حتى يُسهره ويُذهب نومَه ، ويُعمّي عليه تفسيره وعلى السحرة والكَهَنة ، ويعلّمك تأويله .
- ما سردته عليكم كلام منمّق يدل على أن راويه متمكن في اللغة العربية تمكناً رائعاً فجمع هذه الجمل القصيرة المترادفة ، فجلّى لنا بعض ما أراده الراوي وأحسن السبك والتصوير . لكنْ خانه البيان في بعض الجمل والتعابير في أمور نذكر بعضها :
1- لم يكن للصديق يوسف عليه السلام أن ينكر صدّيقيته ولو كان في السجن ، فهو يعلم أنه بريء مما رمي به ، وأن المكان يطهر بالطاهرين – فعلاً- ولا يضيره أن يكون في السجن ما دام في رعاية الله وحفظه . كما أنه عليه السلام نبيٌّ ابنُ نبيٍّ ابنِ نبيٍّ ابنِ أبي الأنبياء .
2- أخطأ الراوي حين جعل مَنِ اشتراه سيده ، والقرآن الكريم يتجاوز ذلك حين يقول معرضاً وملمّحاً " وألفيا سيّدَها لدى الباب " فجعله سيدها لا سيّده فلا ينبغي أن يكون الكافر سيّداً لنبي . وكذلك لم يجعل القرآن المرأة سيدته حين قال " وراودَتـْه التي هو في بيتها عن نفسه " أما قوله تعالى حكاية عن يوسف " معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي " فالرب هنا الله تعالى على أصح الوجوه ، فهو سبحانه الذي رعاه وحفظه وأكرم مثواه .
3- ولا يليق التعبير " ، يُمَلّكك ملوكَها ، ويُعبّد لك جبابرتها ، ويُذِلّ لك أعزّتها ، ويُصغـّر لك عظماءها ، ويُخدِمُك سوقَتَها ، ويُخوّلك خوَلها " بمكانة نبي داعية ينشر الحق والعدل بين الناس أن يتسلط على رقاب العباد فيتعبدهم ويستذلهم ويستخدمهم ، ويجعلهم خولاً ... وقد ذاق مرارة الظلم والقهر ..
والنص – حقيقة – جيد السبك مرصوف العبارة ، قويّ الحبكة .
وكان يوسف عليه السلام رحيماً بالناس ذا أثر صالح فيهم ، له اليد العليا عليهم ، فسبحان الله تعالى الذي ابتلاه فرفع درجته في الأنبياء والصدّيقين ، فكان نموذجاً رائعاً ، وأسوة صالحة . ورفع ذكره بين خلقه إلى يوم القيامة .