منذ زمنٍ ليس بالقريب، لم أكتب، بل أشعرُ أنه قد مرّ عليّ دهرٌ، وأنا جالسةٌ على شاطئ قلبي، أنتظر منه مدّا، جزراً، أو حتى طوفاناً يغرقني في يمّ المشاعر الدافئة، لأكسر جليد الصمت الذي غلّفتُ بهِ روحي، مُذ فارقتُ حياة الكتابة التي كانت عالمي.
اليوم..شعرتُ بأن غيمةً ماطرةً مرّت على رأسِ أفكاري، فهممتُ بالكتابة، وتهيأتُ لمراسيم صلحٍ مع الزمن، ومع مشاعري !
زرعتُ أرضي بنبتةِ حبّ، وسقيتها بماء الحنين، حللتُ خصلات شعري، ورفعتُ رأسي نحو السماء، مغمضة العينين، باسمة الوجنتين، مددتُ يديّ، واحتضنت بروحي وجه القمر.
أشعرُ بهدأةٍ غريبةٍ تدبّ في نفسي، أتنفس الصعداء، وذكرياتٍ ما زالتْ تطاردُ يومي، أهرب منها، وأجدني بين يديها، بل أجدها بين دهاليز شوقي، فكلّما احتضنتُ نفسي ساعة الوحدةِ، بكتْ روحي وجع الفراقِ.
فتِلكُم العيون الجميلة لا يمكن نسيانها، ومستحيلٌ أن تتحولَ في ليلةٍ وضحاها إلى مجرد ذكريات عابرة، وفي كلّ ركوبٍ لقارب الهروب، أجدُ الشوقَ يطفو على بحر الحنين، وأنظرُ إلى فسائلُ حزني تغرقُ في بحر دمعي، فينعكسُ في لمعانها وجهكَ الباسمُ، الذي مهما حاولتُ الهروبَ منه في سطوري هذه الليلة، وجدتكَ تتخلل كل مساماتهِ، وتفرض صوتكَ - الغائب - على خطوطهِ، وبين وريقاتِ أمسي، حاضري، وحتى لحظتي هذه.
غريبٌ أن أستظلّ قمراً، فتأتي أنتَ لتحجب عني نورهُ، وتحجبَ بعينيكَ عني كلّ العالم، لتصبح مركز أفكاري، بؤرة مشاعري، ووطني ومسقط قلمي.. !
تهزّ من تحتي أرضاً صلبةً، دككتُ فيها كلّ قوّتي وتهيأتُ بها دوماً لساعةِ نسيانك، لكنّ ذكراكَ، كالعاصفةِ تزلزلُ مشاعري لو لامستها ولو للحظةٍ عابرة، تبعثر فيها كياني، وتحمل بين طيّاتها أنثى تائهة، وترمي بها على أشرعة الفقدِ في صحراءٍ عطشى.
ذكراكَ يا ذكرايَ، كالمياه التي تغطي مساحاتٍ شاسعةٍ من الأرض، دونها يهلك الزرعُ، ولا تبقى للربيعِ ملامحٌ، وتموت جذورٌ تأصلتْ في داخلي منذُ آلاف السنين.
فأنت رجلٌ، يصعبُ نسيانك، أو حتى تجاهلك..حتى وإن كنتَ ضمنَ عِداد المفقودين !
بقلم
منى الخالدي
30/03/2009