أنا شاعرٌ ..
أنا شاعرٌ..
لستُ أكذبُ .. أكذبُ ..
عندي النبوءةُ
لم أدّعِ الوحيَ .. من فوّهاتِ الكلامِ
لتمضيَ في رئتيّ الصحاري
على شفتيّ
غرابٌ كبيرٌ ..
غبارٌ كبيرٌ
أينَ نفتّشُ عن جسدٍ في الهُلامِ ..
و أيّانَ نَحْضُرُ من كهنوتِ الدروايشِ ؟!
عُدْنا بصوفيّةٍ لا تعودُ بنا ..
في الدّوالي ..
و في العِنَبِ الشّعر هذا
و في ذاكَ
في جعبتي غير هذي الضمائر ..
لا تُرجعُ النهرَ لي
أنا خشبي .. في السفينةِ أغرقُ
في الرملِ .. أنجو من الماءِ
وهماً بوهمٍ
أنا لستُ .... لستُ
و لم أسلكِ الحُبّ حُبّاً
لأنّي قرأتُ على حجري..
من صِبايَ وصايا القرنفلِ ..
ما يحرفُ الحَرْفَ عنّي َ
كيف كتَمْنا الرياحَ بآنيةِ الدمعِ ؟!
كيفَ سكرنا من الغيمِ ..؟!
كيفَ أفقنا على أرَقِ النومِ ؟!
.. سننساكَ عمّا رمادٍ بأكفاننا
يا رمادُ
و ننساكَ عمّا صلاةٍ .. بألواحِنا
يا سوادُ
و ننساكَ ...
لم يبقَ بعدُ الكثير لتنقشني الأرضُ
ظلّاً على ظلّها..
في الرحيلِ ..
و في القُدُسيّةِ
أكرهُني في الجهاتِ ..
و أكرهُ قُبّرةً لا تضيءُ ليَ الصمتَ
و اللونَ ..
أنثى
ابتعدتِ..
لأنّكِ أنثى بلا قمرٍ في الحريقِ
ابتعدتِ..
لأنّكِ لم تنضجي بعدُ وشماً على كتفِ الماءِ
ما هجَعَ الحقلُ
و النخلُ يصغي لطقطقةِ النارِ في الثلجِ
"بِعني يقينَكَ ..
بعني صلاتَكَ ..
بعني أناجيلَ عمرِكَ
ليلَ النواقيسِ تعصرهُا خمرةً ..
جمرةً .. جمرةً "
أنتَ تلكَ السلالاتُ
خوفَ الفراغاتِ تصحو ..
وجدتُّ القصيدَ إلى نفسهِ ..
منصتاً جانبَ النبعِ
و النبعُ لا منصتاً للقصيدِ..
يهدهدهُ الوردُ قوساً لأوّلِ نيسانَ
عُدْ يا كلامُ إلى آخرِ النايِ
عدْ يا ضريحُ إلى أوّلِ الآيِ
هل ماتَ غيري و غيرُكِ ..؟!
إنّ الصنوبرَ ينبتُ فوق خطانا
مرايا .. مرايا ..
تعالي
قُتلْنا كثيراً
تعالي ..
نصبْتُ لنا خيمةً في الأصيلِ
سأعصرُ لي و لكِ الهمسَ
و الشمسَ
إنّ الرّعاةَ يعودونَ من لحنِهم
في المساءِ
على خفقاتِ الحليبِ يعودونَ
من عشبِهِم في النسيمِ
و أسلُكُ عينيكِ صوبَ اليقينِ
بهذي المُدامِ
و هذا الكلامِ
بكيتُكِ ..
"أينَ ذهبْتَ ..؟! "
بكيتُكِ
"أينَ رجعتَ ..؟! "
بكيتُكِ
صدرُكِ مقبرتي ..
خبئيني لترتعشَ الكلماتُ
و أرفعَ هذي القصيدةَ
من كَسْرِها في الكنايةِ
لا تغربينَ على قمري في النبيذِ
و لا تشرقينَ على وتري..
في برودةِ رَجْعي
تعرّيتُ من جسدي في عيونِكِ
لولا أحبّكِ أطولَ ..
إنّ الصحاري
ستحفرُ بيني و بينَكِ دوّامتينِ
فنامي على لوعتي ..
كم أحبّكِ أنثى !!
و نامي على رعشتي ..
كم أحبّكِ أنثى ..!!
تضلّ الأغاني فُروضَ التكايا
تضلّ الأماني معارجها في المنايا
و يكسرُ وردَ السّريرِ
خواءُ السرير من الوردِ
هل سقطَ العطرُ في المَحْلِ منّا ؟!
و هل غادرَ العسلُ الطارئُ الشمّعَ.. ؟!
عرّيتَني يا دمي من دمي و نزفتَ
و كنتَ طويلاً
بطولِ انهزامي على دربِ قلبي
أنا داخلٌ خارجاً ..
أفقدُ بوصلتين لكلّ الحواس
و أرجعُ من رَحِمِ الكُحْلِ
هذا زمانٌ لغيري
سئمتُ احتراقي بغيري لغيري
سأرحلُ أبعدَ هذا الرحيلَ
إلى أن يزولَ الرصاصُ عن الشّعْر
أعبرُ بالشعراءِ العصا
و الأصابعَ
أحرقُ في الكلماتِ الصهيلَ
و أنسى ...
عذابٌ هو الوطنُ الجُرْحُ
جرحٌ هو الوطنُ المستحيلُ
بكلّ حصاةٍ على قلمٍ
و مَهاةٍ على ألمٍ
يقبضُ الشهداءُ على الحسرةِ الجمرَ
بين الرؤى و الخناجرِ
ربّ ردىً لكَ آتٍ بلا ريبَ
من ههنا أو هنالكَ
من مفصلِ الوقْتِ
يُهلِكنا الحرْثُ و النسلُ
و العادياتُ النهاياتُ تبدأنا
ربّ غيبٍ بلا كربلاءَ
لفجرٍ بلا سلطةٍ في يديكَ عليكَ
بنا غربةٌ ..
أكثرُ الشّعرِ دمْعٌ
أكثرُ الودّ قَمْعٌ
سلاسلُ من ورقٍ و مدادٍ
على قلقٍ ..
غائباً .. حاضراً
تقرأ الغيم في كفّ سيّدةٍ لا تعودُكَ
أو كهفِ فاجعةٍ ..في وعودِكَ
إنّ القنابلَ أبلغُ .. حينَ تمشّطُ ليلَ البلادِ
و تثقبُ غيمَ البلاءِ البكائيِّ
في الحجرِ الحربُ كالنّقْشِ
كالنّقشِ في الحجرِ الحبُّ
أينَ نسيتُكِ ؟
في وجعِ الأمّ تجمعُ أشلاءها
من ركامِ النشيجِ
و في طفلةٍ فقدتْ رأسها في الغبار
و نامت على صمتِها في الضجيجِ
و فيكِ تعودينَ من كلماتي بلا كلماتٍ
و إنّ المواجعَ ..
إنّ الشوارعَ أوسعُ منّا
إلى ذاكراتٍ تضيقُ على الهمّ
ضقْ يا زمانُ
و ضقْ يا كمانُ على اللحنِ
لا بدّ من وترٍ خامسٍ للصباحِ
و لا بدّ من كَتِفٍ ثابتٍ يُسنِدُ الأرضَ
أينَ نسيتُكِ ؟!
في الحُزْنِ يسودّ تحتَ عيوني
و يمتدّ من كلّ شيءٍ
إلى كلّ شيءٍ
أحسّ بأنّ النبوّةَ تسرقُني من ترابي
أحسّ ..
أنا شاعرٌ ..
لم أُضِعْ ورقي في عكاظَ
و لم يستميلوا لساني بقافلةٍ من تمورٍ
و لم يكُ قلبيَ أعشى ..
هنا يا جسورَ القصيدةِ ..
ألقي القصيدةَ
فليَسْلَمِ النّهرُ من سَجَعي
و ليسلَمِ الشهداءُ لأحلامِهم
يا حَمامُ ارتَفِعْ في الأذانِ
و خذني
لم يعُدْ للنبوءةِ إلاّ الكلامُ
و "أعشىً "
سوايَ يصيبُ من الفجرِ "جيماً"
يعيدُ الحروفَ بها
و يعيدُ النسيجَ إلى إبرِ الصوفِ
و الوصْفِ
إنّي و لي قَمَرٌ
في الغمامةِ غافلْ
و إنّي و لي قدَرٌ قدريٌّ ..
على أُهبْةِ الرملِ ساحلْ
سأرفعُ بالأسودينِ بياضي
و أرمي المناجلَ..
بينَ الطوى و السنابلْ
"سلامٌ على كلّ آتٍ
سلامٌ على كلّ راحلْ"
.