|
رَاقَ ابْنُ مَائِكِ بَينَ الخَلْقِ ثُمَّ رَقَى |
وَسَاقَ مَا بِكِ عَذْبَ الشَّوقِ ثُمَّ سَقَى |
وَعَانَقَتْكِ رُؤَى الأَحْلامِ وَالِهَةً |
تَبُثُّ حُسْنَكِ فِي القَلْبِ الذِي خَفَقَا |
يَا شَامُ يَا أَكْرَمَ الأَوْطَانِ مَنْزِلَةً |
يَا جَنَّةَ اللهِ فِي الأَرْضِ التِي خَلَقَا |
تَبَارَكَ اسْمُكِ جَلَّ اللهُ أَكْرَمَ مَنْ |
فِيهَا أَقَامَ ، وَأَغْلَى الأَرْضَ وَالأُفُقَا |
وَزَادَ قَدْرَكِ أَنَّ النَّصْرَ فِيكِ غَدا |
وَالحَشْرَ وَالنَّشْرَ وَالإِيمَانَ وَالخُلُقَا |
وَخَصَّ دَارَكِ جُلَّ الخَيرِ مَكْرمَةً |
وَخَصَّ غَيرَكِ مِعْشَارَ الذِي رَزَقَا |
لأْلاءُ سِحْرِكِ فِي الآفَاقِ مُنْبَسِطٌ |
عَلَى جَنَاحِ مَصَابِيحِ الدُّنَى أَلَقَا |
وَفَجْرُ مَجْدِكِ فِي الأَيَّامِ مَطْلعُهُ |
عَلَى جَبِينِ تَوَارِيخِ المَدَى فَلَقَا |
أَنَا المُتَيَّمُ يَا شَامَ العُلا فَدَعِي |
مِنْ طِيبِ رُوحِكِ فِي رُوحِي الذِي عَلِقَا |
أَتَيتُ أَحْمِلُ مَبْسُوطَ اليَدَينِ غَدِي |
وَفِي الشِّغَافِ زَرَعْتُ الفُلَّ وَالحَبَقَا |
نَادَيتُ رَوضَكِ لا أَنْهَارُكِ اقْتَرَبَتْ |
مِنَ الصَّدِيِّ وَلا زَهْرُ اللِقَا عَبِقَا |
هَاجَتْ شُؤُونِي تُنَاجِيكِ الهَوَى أَمَلا |
وَتَذْبَحُ الصَّبْرَ قُرْبَانًا لِيَومٍ لِقَا |
وَحَامَ نُورُكِ فِي الإِحْسَاسِ مُحْتَدِمًا |
فَهَامَ فِيهِ فَرَاشُ التَّوْقِ وَاحْتَرَقَا |
مَا أَحْوَجَ النَّفْسَ فِي تَأْنِيسِ خَافِقَةٍ |
فَرَّتْ إِلَيكِ لِعَطْفٍ مِنكِ قَدْ رَفَقَا |
يَا شَامُ فِيكِ صَبَابَاتِي فَلا اخْتَلَفَتْ |
وَفِيكِ بَابُ مَسَرَّاتِي فَلا انْغَلَقَا |
مَتَى ذَكَرْتُكِ فِي نَفْسِي جَلَوتُ جَوَى |
وَإِنْ ذَكَرْتُكِ فِي قَوْمٍ تَلَوتُ رُقَى |
لِي مِنْكِ صَمْتُ حَدِيثٍ كُلَّمَا اقْتَرَبَتْ |
مِنِّي الدِّيَارُ وَإِنْ ذُقْتُ النَّوَى انْدَفَقَا |
أَلَيسَ أَصْدَقُ أَهْلِ العِشْقِ أَخْفَرَهُمْ |
عِنْدَ اللِقَاءِ وَأَضْنَاهُمْ إِذَا افْتَرَقَا |
فَيَا دِمَشْقُ سَقَاكِ اللهُ كَأْسَ هَنَا |
وَلا أَمَضَّكِ فِي يَوْمٍ بِكَأْسِ شَقَا |
كُلُّ العَوَاصِمِ أَحْنَتْ رَأْسَهَا أَدَبَاً |
أَمَامَ قَدْرِكِ فِي الأَيَّامِ أَنْ بَسَقَا |
إِلامَ لَهْفَةُ أَشْوَاقِي تُنَازِعُنِي |
إِلَى ثُرَاكِ تَبَارِيحَ الضَّنَى طُرُقَا |
وَهَلْ سَتَرْسُمُ فِي الأَحْدَاقِ يَا بَرَدَى |
مَتَى التَّقَينَا مَسَارَاتٍ لِمَنْ عَشِقَا |
وَغُوطَةً هَفْهَفَ الحُسْنُ البَدِيعُ بِهَا |
وَزَادَهَا النَشْرُ مِنْ رِيحِ الصّبَا أَنَقَا |
الطَّيرُ تَصْدحُ فِي الأَفْنَانِ هَانِئَةً |
وَالزَّهْرُ يَنْضَحُ فِي أَجْوَائِهَا العَبَقَا |
وَاللَيلُ يَسْبَحُ فِي الشُّطْآنِ مُنْتَشِيًا |
وَالسَّيلُ يَمْرَحُ فِي الودْيَانِ مُنْطَلِقَا |
وَسَاحِلٌ لَوْ رَأَتْهُ العَيْنُ فِي شَفَقٍ |
فِي اللاذِقِيَّةِ لامْتَاحَتْ لَهُ الغَسَقَا |
وَمِنْ حَمَاة إِلَى حِمْصٍ إِلَى حَلَبٍ |
رَأَيتُ دَارِي وَفِي حورَان أَهْلَ نَقَا |
وَلَسْتُ أَنْسَى عَلَى الجُوَلان نَزْفَ دَمٍ |
فَلَيتَ حُرَّ لِوَاءٍ فَوْقَهَا خَفَقَا |
صُونِي كَرَامَةَ مَنْ أَقْرَاكِ مِنْ دَمِهِ |
وَمَنْ إِبَاءَكِ يَا سُورِيَّة اعْتَنَقَا |
فَأَنْتِ دَارُ أُبَاةِ النَّفْسِ دَارُ هُدَى |
لِمَنْ تَقَدَّمَ فِي دَهْرٍ وَمَنْ لَحِقَا |
وَفِيكِ شَعْبٌ عَظِيمٌ لَو بِعَزْمَتِهِ |
يُسَابِقُ الكَونَ فِي دَرْبِ العُلا سَبَقَا |
مَا زَالَ يَشْحَذُ مِنْ أَسْيَافِ عِزَّتِهِ |
مَا سَوفَ يَحْشدُ فِي أَعْدَائِهِ الفَرَقَا |
هُمْ نَسْلُ خَيرٍ لِمَنْ فَاقَ الوَرَى سُبُلا |
فِي المَشْرِقَينِ وَحَازَ المَجْدَ وَاغْتَبَقَا |
تَرَى السَّوَابِحَ فِي أَشْدَاقِ نَفْرَتِهَا |
تُجَانِبُ الأَرْضَ لا تلْوِي لَهَا العُنُقَا |
حَتَّى أَدَانَ لَهَا الآفَاقَ شَرْعُ هُدَى |
كَأَنَّهُ المِسْكُ فِي البُلْدَانِ قَدْ فُتِقَا |
بَنُو أُمَيَّةَ لَمْ تَفْتَأْ حَضَارَتُهُمْ |
تَزِيدُ تَدْمُرَ مَجْدًا فَاقَ وانْعتَقَا |
فِي عَهْدِهِمْ نَطَقَتْ بِالفَخْرِ شَاهِدَةً |
يَدُ الفُتُوحَاتِ أَنَّ الوَعْدَ قَدْ صَدَقَا |
وَقِفْ عَلَى حَلَبِ الشَّهْبَاءَ إِذْ رَفَعَتْ |
بِالعِزِّ بَيرَقَ مَنْ لِلسَّيفِ قَدْ مَشَقَا |
فِيهَا فَوَارِسُ سَيفِ الدَّولَةِ ابْتَدَرَتْ |
مَعَاقِلَ الرُّومِ لَمْ تَتْرُكْ لَهُمْ رَمَقَا |
وَمَا الفِرِنْجَةُ إِلا بَعْض مَنْ رَشَقُوا |
فَصَابَهَا الخِزْيُ بِالسَّهْمِ الذِي رُشِقَا |
لا مَيْسلُونَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ تَرَحٍ |
أَبْقَتْ عَلَيهِمْ وَلا مَجْدًا لَنَا سُرِقَا |
مَا المَجْدُ إِلا دَمُ الأَحْرَارِ تَبْذُلُهُ |
بِتَضْحِيَاتٍ وَلَيسَ الفَخْرَ وَالأَنَقَا |
وَلَو غَدَا مَجْدُنَا حِبْرًا عَلَى وَرَقٍ |
وَلَيسَ إِلا حَرَقْتُ الحِبْرَ وَالوَرَقَا |
يَا شَامُ يَا مَعْقِلَ الأَبْرَارِ مَا فَتِئَتْ |
دَارَ الصُّمُودِ التِي لا تَعْرِفُ الفَرَقَا |
يَا دُرَّةً فِي جَبِينِ الشَّرْقِ رَصَّعَهَا |
مِنَ الحَضَارَةِ شَعْبٌ يَهْرقُ العَرَقَا |
بِالأَمْسَ كَانَتْ حِكَايَاتِي مُبَعْثَرَةً |
وَاليَوْمَ قَدْ أَصْبَحَتْ فِي سِلْكِهَا نَسَقَا |
وَقَدْ تَفَرَّقَتِ الآمَالُ فِي حَزَنٍ |
فَهْلْ سَيَجْمَعُ فِيكِ الدَّهْرُ مَا افْتَرَقَا |
وَهَلْ سَأَلْمَحُ فِي عَيْنَيكِ مَجْدَ أَبِي |
إِنْ كُنْتُ أُنْفِقُ عُمْرِي كَيفَمَا اتَّفَقَا |
هَا قَدْ سَكَبْتُ شُعُورِي فِيكِ حَرْفَ رِضَا |
مَا دَانَ مِنْهُ لأَشْعَارِي وَمَا أَبِقَا |
خُذِي كَمَا شِئْتِ لا تُبْقِي عَلَى شَفَتِي |
غَيرَ الحَنِينِ الذِي فِي صَمْتِهَا نَطَقَا |
أَبُو فِرَاس سَقَاكِ الشِّعْرَ كَأْسَ عُلا |
وَالبُحْتُرِيُّ تَغَنَى فِيكِ وَانْطَلَقَا |
وَكَمْ أَجَازَ أَبُو تَمَّام قَافِيَةً |
وَأَبْدَعَ المُتَنَبِّي فِيكِ وَاسْتَبَقَا |
وَمَا قَصِيدِي وَقَدْ قَالُوا سِوَى أَثَرٍ |
كَالشَّمْسِ غَابَتْ وَأَبْقَتْ بَعْدَهَا الشَّفَقَا |
هُوَ ابْتِهَالُ فُؤَادٍ فِيكِ ذَابَ هَوَى |
وَبَابَ فَجْرِكِ يَا لَيلاهُ قَدْ طَرَقَا |
فَسَابِقِي الدَّهْرَ لِلعَلْيَاءِ فِي شَمَمٍ |
وَعَانِقِي النَّصْرَ فِي عِزٍّ وَطُولِ بَقَا |