من مقالاتي القديمة فى الرد على الناصريين .. ومواجهة ظاهرة تقديس الحكام .
من المأثور عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال .. من قال لولا الكلب لدخل اللص فقد أشرك .. لأن المسلم الموحد بالله عزوجل يجب أن يرد الأمر كله لله عزوجل .. فيقول لولا أن الله سخر هذا الكلب لحراسة المنزل لدخل اللص .. فالمسلم الموحد بالله عزوجل يجب أن يعتقد بأن التاريخ و الأقدار ومجريات الأمور من صنع الله عزوجل .. وليست من صنع البشر فى الحقيقة .. هذه من المسلمات البديهية للمسلم الموحد !!
لكن الناصريون .. يعتقدون أنه لولا عبد الناصر لما كانت مصر المستقلة الحرة الأبية .. ولولا عبد الناصر لتوقف تاريخ مصر بل العالم العربى عند حدود التبعية الإستعمارية .. ولذهب التاريخ الوطنى والنضالى أدراج الرياح .. ولولا عبد الناصر لما عرفت مصر والعالم العربى معنى للنهضة أو التحضر .. إلى آخر لولاكى ومشتقاتها !!
وليس فى هذا الكلام أدنى مبالغة أو افتراء على الناصريين .. فجريدة العربى الناصرى نشرت فى عددها الصادر بتاريخ 15 سبتمبر 1997 فقرة نقلا عن موسى صبرى .. حيث يقول فيها قدس الله روحه : (( كل شىء من حولنا هو من صنع عبد الناصر .. ووحى عبد الناصر .. وفكر عبد الناصر .. وعرق عبد الناصر .. عبد الناصر هو الذى غير أوضاع التاريخ .. لقد ارتبطت الأمة العربية بقيادة عبد الناصر لأنها رأت مستقبلها فى تحقيق مبادئه من أجل إنسانية الإنسان )) ؟؟ نقلت الصحيفة الناصرية هذه الفقرة دون أدنى تحذير للمسلمين أو إشارة إلى ما تحمله هذه العبارات من معانى تتنافى مع أبسط معانى التوحيد والإيمان بأنه لاإله إلا الله .. بل ذكرتها الصحيفة فى موضع مدح .. أو لكيد العزال .. ولا تدرى أنها بذلك تجرح إيمانها ذاته !!
واذا كانت تلك العبارات الشركية الكافرة .. تؤكد على سيطرة النزعة الإلحادية على تيار عريض من الناصريين الذين يؤمنون بألوهية عبد الناصر على وجه الحقيقة لا المجاز .. إلا أن العجيب أننا لا نسمع صوتا واحدا من ذلك الفــــــصيل الناصرى المتدين .. يعارض مثل هذا التطرف فى تقديس عبد الناصر !!
وإذا كانت تلك العبارات الشركية تؤكد على هذا الإنحراف والتناقض العقائدى الخطير .. إلا أنها تؤكد كذلك على أن الناصريين يناقضون أنفسهم أيضا على المستوى السياسى .. فالناصريون مثل غيرهم من الأحزاب ينادون بالديمقراطية .. وبتبادل السلطة .. ويرفضون إعادة انتخاب الرئيس مبارك لفترات رئاسية أخرى .. فهل من الديمقراطية ما تكتبه جريدة الحزب الناصرى عن عبد الناصر الذى صنع كل شىء .. وأوحى بكل شىء .. وفكر فى كل شىء .. وغير التاريخ وحده وصنع التاريخ وحده ؟؟ هل مثل هذا الهراء الفاسد يخدم الهدف الأول لثورة يوليو .. إقامة حياة ديمقراطية سليمة .. أم يكرس لديمقراطية الإنجازات .. وهى عقدة العقد فى حياتنا الديمقراطية .. فطبيعى أن الحاكم أى حاكم .. فى أى دولة من دول العالم .. قد بنى آلاف المساكن الشعبية وعشرات المصانع والكبارى وأقام الطرق واستصلح آلاف الأفدنة و.. التى من الطبيعى أن تقوم عليها عشرات المؤسسات والهيئات الحكومية وفقا لخطط خمسية أو عشرية أو .. وسواء أكان الحاكم الحقيقى ملكا أو رئيسا أو أميرا أو رئيسا للوزراء .. هذا فى الدول المحترمة .. أو فى دولة المؤسسات .. وبالتالى لاينسب إلى الحاكم فضل كبير فى هذا الشأن .. أما فى مصر والعالم العربى .. يصبح الحاكم هو صاحب كل انجاز وفقا للنظرية الناصرية .. لولاكى .. أو لولا الحاكم والحزب الحاكم لما كان ما كان .. فالحاكم هو الذى صنع كل ماحولنا .. وهو الذى أوحى بكل ماحولنا .. وهو الذى فكر فى كل ماحولنا .. وبالتالى يستحيل على أى حزب آخر أو زعيم آخر أن يتحدث .. مجرد حديث للنفس .. عن الدخول فى المنافسة على الحكم والرئاسة وفقا لما تقتضيه الأسس الديمقراطية .. وتصبح العلاقة بين الأحزاب ومرشحى الرئاسة وبين الإنجازات .. علاقة جدلية كالعلاقة بين الفرخة والبيضة .. لأن أى حزب غير حزب الحاكم .. وأى شخص غير شخص الحاكم .. من الطبيعى أنه لم يقدم بعد أية انجازات بحكم كونه خارج دائرة النفوذ والسلطة .. ولكى يقدم إنجازات تؤهله للمنافسة على الحكم .. لابد أن يكون فى الحكم والسلطة .. وهكذا ..و نحن الأمة الوحيدة التى تغنى لإنجازات الحاكم .. بل وتغنى لكل شىء حتى الإقتراض من البنك الدولى .. وهى التى تخلق مجتمعا زائفا .. وانتصارا زائفا .. وديمقراطيات زائفة .. ونهضة صناعية زائفة .. عبر تلك الأغانى .. وكل تلك الأمور كرسها الناصريون فى زمن ناصر .. ومازالوا حتى يومنا هذا يروجون لتلك الفواحش السياسية .. لالشىء إلا لأنهم يعبدون عبد الناصر من دون الله عزوجل ؟؟
وإذا تركنا الجانب العقائدى والسياسى للفكر الناصرى .. والتى عبرت عنه الصحيفة بتلك العبارات الفاسدة التى نقلناها .. حق لنا نتساءل .. هل القول بأن كل شىء حولنا هو بالفعل من صنع عبد الناصر كما يقول الناصريون .. هل تلك العبارات فى صالح ناصر والناصرية أم العكس ؟؟
إن تلك العبارات لو فهمت على وجهها الصحيح .. لأتضح لنا أنها أخبث عبارات تهين وتدين فترة حكم عبد الناصر .. وأن الناصرييين بنشرها فى صحيفتهم قد شربوا المقلب الذى أراده موسى صبرى منذ عشرات السنين .. لأنه إلى جانب الإنجازات المتمثلة فى قوانين الإصلاح الزراعى وتحديد الملكية والعدالة .. فهناك أيضا الهزائم المتكررة .. ثم سرقة المال العآم التى انتشرت انتشار النار فى الهشيم فى زمن عبد الناصر و رغم كثرة الحديث عن الوطنية والإشتراكية والعدالة .. لم تستطع الثورة إقناع مواطن واحد بضرورة الحفاظ على المال العآم ؟؟ .. ثم والديكتاتورية البغيضة التى تقضى على كل معنى من معانى العدالة .. ثم الصناعات المتردية التى أصابت سمعة مصر فى مقتل .. حتى أننا رغم كل الإشراقات الثورية .. لم نتخلص من عقدة الخواجة إلا فى زمن السادات بعدما أنشئت مصانع العاشر من رمضان وبدأت النهضة الحقيقية للصناعة المصرية تأخذ طريقها إلى الأسواق العالمية .. لقد فشلت معظم الصناعات المصرية فى زمن عبد الناصر فى اثبات وجودها عالميا .. بل كانت تعتمد على إجبار المصريين على شرائها رغم رداءتها .. فالثورة فشلت بعد ثمانى عشر عاما فى صناعة ابرة وابور لاتنثنى أو دبوس ابرة لايصدأ أو كوب زجاجى يتحمل بعض الشاى الساخن .. ومازلنا حتى يومنا هذا نعانى من ذلك التخلف وقلة الضمير التى صارت سمة من سمات العامل أو الفلاح المصرى فى الزمن الناصرى ؟؟
ثم إنه ليس صحيح على الإظلاق أن عبد الناصر هو أول من نادى بالإصلاح الزراعى وتحديد الملكية والعدالة الإجتماعية .. فقد سبقه إلى كل تلك الأمور حكومات الوفد والإخوان وغيرهما من القوى الوطنية ؟؟
بل إن الناصريين يشيعون خطأ أن عبد الناصر صاحب نظرية إشتراكية جديدة ومتميزة تختلف عن الإشتراكية الماركسية .. وهذا محض افتراء وهراء فاجر .. فقد ظهرت كلمة (( الإشتراكية )) فى بريطانيا بمعناها الذى حاول عبد الناصر تطبيقه .. فى المجلة التعاونية التى كان يصدرها أتباع روبرت أوين حيث ذكرت هذه الكلمة فى هذه المجلة فى عام 1827 وظهرت فى فرنسا عام 1832 فى صحيفة (( الكرة الأرضية )) التى كان أتباع سان سيمون يحررونها ، واستخدمت الكلمة فى فرنسا للدلالة على مذهب سيمون الخآص بالمجتمع ذى التخطيط الجماعى .. فليس فى التجربة الناصرية أى إضافات تذكر لمفهوم الإشتراكية .. ولذلك فقد كان الأستاذ هيكل محقا كل الحق حينما قال وأكد أنه لايوجد شىء اسمه ناصرية .. بل هى مجرد محاكاة لمذهب موجود من أكثر من قرن من الزمان ؟؟
ولقد أشاع الناصريون أيضا أن الإشتراكية .. مذهب اقتصادى فحسب يعنى العدالة الإجتماعية .. ولذلك ارتبطت فى أذهان الكثيرين بالقرارات الإقتصادية التى تحدد الملكيات وتنصف العامل والفلاح وتصادر الأموال والممتلكات .. بينما الحقيقة أن الإشتراكية هى فى المقام مساواة كاملة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات السياسية .. وعلى رأس ذلك المساواة فى حرية الرأى والإعتقاد والتعبير .. وهو ما فشل فيه نظام حكم عبد الناصر إلى أبعد الحدود .. بينما حقق نجاحات كبيرا فى الجانب الإقتصادى .. ساوت بين الغنى و الفقير فى الفقر والحرمان والتخلف .. وتسببت فى خلق مشاكل وكوارث اجتماعية واقتصادية مدمرة ؟؟
والناصريون أيضا يوحون بأن عبد الناصر هو مفجر الروح الوطنية الثورية الإستقلالية والجهاد فى سبيل تحرير فلسطين .. وهذا أيضا هراء .. فالروح الوطنية المستعدة للعطاء بلا حدود فى سبيل نصرة وحماية الوطن .. موجودة منذ زمن بعيد .. ومصر كانت تموج بالعديد من البراكين الثورية التى كانت على وشك الإنفجار .. مما دعا بأمريكا إلى احتواء تنظيم الضباط الأحرار حتى تحول دون ثورة قيام ثورة إسلامية تشكل خطرا داهما على الوجود اليهودى فى فلسطين .. ولذلك سارع عبد الناصر إلى التأكيد للمخابرات الأمريكية قبل قيام الثورة عبر السيد على صبرى بأن إسرائيل فى الحفظ والصون .. ولذلك فليس غريبا أن نقرأ فى كتاب طارق حبيب الذى تنشره الأهرام على حلقات .. وعلى لسان صلاح الدسوقى سكرتير الحكومة المركزية سابقا .. أن زكريا محيى الدين وجه له سؤالا غريبا جدا .. قال لى إيه رأيك أما احنا نتفاهم مع اسرائـيل ونبدأ نتجه للبلد ونبطل (( الهوسة )) اللى احنا فيها دى ؟؟ وأضاف قائلا : (( وجمال عبد الناصر نفسه قالها وأنا فوجئت مفاجأة غريبة جدا .. وقلت ياريس .. الحقيقة دى مفاجأة كبيرة وده خط سياسى جديد أتصور أن سيادتك إن حبـيت أن تأخذه .. لابد أن جميع أجهزة الإعلام فى مصـر تأخذ الإتجاه ده من 3 إلى 5 سنوات ويبقى واضح أمامها أن انهاء الصراع فى الشرق الأوسط يقابله ارتفاع فى مستوى المعيشة فى مصر .. وإلا سيبقى انتحارا سياسيا .. قال لى يعنى إيه ؟؟ قلت يعنى أن جميع أجهزة الإعلام فى مصر وخارج مصر والوطن العربى بتقول إن أنت عندك القوة الضاربة التى سوف تطهر الأراضى العربية من اسرائيل .. ؟؟؟
ويؤكد كمال الدين حسين فى نفس الكتاب أيضا أن ابن جوريون راح له انجليزى كبير فى تل أبيب .. وكان هنا فى مصر قبل كده .. فيقول له إيه أحوال مصر ؟؟ وإيه رأيك فى جمال عبد الناصر ونواياه بالنسبة لليهود وبالنسبة لأسرائيل .. قال هو لم يأت بسيرة إسرائيل ؟؟
فعبد الناصر لو بقى ألف سنة لم يكن ليحارب اسرائيل .. لولا الإستفزازات الصهيونية المستمرة للإيقاع به .. بل إن اهمال عبد الناصر لجيشه بعد هزيمة 56 العسكرية ولمدة أحد عشر عاما وإبقائه على القيادات الفاسدة الفاشلة بل وترقيتها ومنحها الأوسمة والأنواط العسكرية .. بل والهآلة الإعلامية قبيل نكسة 67 و التى كانت بمثابة الإنذار المبكر للعدو .. وقبوله للمقلب التاريخى من أمريكا وروسيا بضرورة تلقى الضربة الأولى .. تجعلنا نضع الـعشرات من علامات الإستفهام ؟؟
وهكذا استطاع عبد الناصر بالفعل تغيير أوضاع التاريخ .. كما تقول عبارات العربى الناصرى .. ولكن إلى الأسوأ .. وإذا كان الناصريون يزعمون أن عبد الناصر هو الذى انتصر سياسيا فى 56 .. وأن هذا الإنتصار السياسى العظيم هبط بالإمبراطورية البريطانيية إلى دورى الدرجة الثانية .. فالحقيقة أيضا أنه قد هبط بمصر إلى دورى المظاليم .. ويبقى سؤال أخير .. إذا كان عبد الناصر هو صانع التاريخ كما تقول الصحيفة الناصرية .. فلماذا لم يصنع تاريخا مشرفا فى 67 .. وإذا كانت عبقرية عبد الناصر السياسية قد نجحت فى تحقيق أعظم انتصار فى 56 .. فماالذى أعجزه ياترى عن تحقيق مثل هذا النصر السياسى فى 67 .. ؟؟