|
ناشدتُكِ اللهَ أنْ تُصغي لأحداقي |
كي تَسمعي قِصةً عن جيلِ عُشّاقِ |
وعن سماءٍ إذا ما أظلمَتْ حِقَباً |
هَلَّتْ أهِلَّتُها من وحي أوراقي |
وهَدْهَدَتْ رئتي من لهفةٍ سُحُباً |
فهل رأيتِ عُلُوَّاً رهنَ أعماقِ ؟ |
كيف التقينا لساعاتٍ وفَرَّقَنا |
داعي الوداعِ ولاقانا كسَبّاقِ !؟ |
ساءلتِ عن عودتي : كيف انتهتْ ؟ لغتي |
أَوجُ انتصارٍ وروحي أَوجُ إخفاقِ ! |
فيمَ اشتياقُكِ للهجرانِ ثانيةً ؟ |
وما احتوتْ كأسُهُ الأُولى لِتشتاقي !؟ |
سهرانُ لا أبتغي نوماً لأنَّكُمُ |
ما عدتُمُ غيرَ دمعٍ شاءَ إغراقي ! |
يا أنتِ او أنتَ , ترياقاً غدا أَرَقي |
حيناً وبعضُ سمومٍ مثلُ ترياقِ ! |
فلو أتيتَ على مَتنِ الشذا لترى |
فاعْجَبْ لِقَلبٍ هنا حَيٍّ وخفّاقِ ! |
قد ذبتُ قد ذبتُ إذْ لم يبقَ مني سوى |
بُقيا فتىً فاقتربْ أضمنْ لكَ الباقي ! |
وإنْ خَشيتَ بلاداً لم تزلْ وَلَهاً |
غَيرَى عليكَ فميلادي هو الواقي ! |
أنا ابنُ دجلةَ مصهورٌ وبُوتقتي |
أمسٌ , ذراعاهُ مِن كِبْرٍ وإملاقِ |
عندي مصائبُ دهرٍ , في شعائرها |
أهرقتُ خمراً وعُمراً أيَّ إهراقِ ! |
نَظَمْتُ أسطعَ ما في النفس من شُهُبٍ |
وجِئتُكُمْ راسِماً جَنّاتِ خَلاّقِ |
نَضا نسيمُكِ ما في الريحِ من صَدَأٍ |
فكان نُطقُ الهوى من دونِ إنطاقِ |
مالي حَسِبتُ بأني تاركٌ وطني |
لَمّا دخلتُ , ودمعي مَشهدٌ راقِ !؟ |
حزنُ البساتين كهلٌ عند مَن نظروا |
يربو على السَّعْفِ , ذو ماضٍ كآفاقِ ! |
هو الحكيمُ مُقيمٌ وسطَ مجلسهِ |
والنجمُ مُنتَثِرٌ كمِثلِ سُمّاقِ ! |
ما الضيرُ ؟ فالمُرتجى مياسمُ ارتعشتْ |
بالرعد , بالوعد تُغري أيَّ توّاقِ |
والناس في دَعَةٍ كانت ستألفُهم |
كأنها العُرسُ لولا حشدُ سُرّاقِ ! |
لا يَأخُذَنَّكِ شَكٌّ , تلكَ ساحتُنا |
سخطٌ على مُثُلٍ تنمو بأنفاقِ ! |
ناشدتُكِ الضوءَ والضوعَِ اللذَينِ هُما |
غناؤكِ الثرُّ مَرسى كلِّ أذواقِ |
لا تكشفي الجرحَ او غَنِّ لهُ بِصِباً |
حمامةُ الأيكِ لم تبرحْ على الطاقِ ! |
يا مَن يرومُ انشراحاً , سِرْ فقد شَرِقَتْ |
بغدادُ ليسَ بِرِيقٍ بلْ بأسواقِ ! |
أنا ابنُ دجلةَ ما انداحتْ أضالعُها |
موجاً دعاكِ ولا مَنجىً بأطواق ِ! |
غَطّى على مَشرقِ الأورادِ مَغربُها |
ولي قناديلُ من صمتٍ وإطراقِ |
وإنني مثلُكِ المشدوهُ من وطنٍ |
ما كان لولا مآسيهِ بإطلاقِ ! |
قامتْ عليه مَقاماتُ العصورِ وفي |
شَدٍّ ولِينٍ وترطيبٍ وإحراقِ ! |
لكنْ رهاني على عنقاءَ من لهبٍ |
كأنه أبداً دَينٌ بأعناقِ ! |
أعراقُ شعبيَ تبقى حُصنَ تُربتِها |
حتى وإنْ أصبحتْ أفواجَ أعراق ! |
أنا ابنُ دجلةَ , ألوانٌ قلادتُها |
مِن كلِّ دُرٍّ كريم الأصلِ بَرّاقِ |
فإنْ تَزُرْهُ يَلُحْ مِن فرط غبطتِهِ |
كأنه ناسكٌ في حال إشراقِ |
وكلُّ مَن سابقوا مجدَ الفراتِ مَدىً |
أصيبوا - مِن قبلِ أنْ يَعدوا - بإرهاقِ ! |
وكم نُغالي بصمتٍ حينَ نُنْشِدُهُ |
وماؤهُ والغوادي رِمْشُ إبراقِ !؟ |
إنْ غبتُ حيناً عن الأعذاق في وطني |
وأنتِ قربيَ فالأقمارُ أعذاقي |
حريتي الحُبُّ , لو لم يَختضِبْ بدمي |
لكنتُ يا قِمَمي أَولى بإشفاقِ ! |
حَسْبي , وقد أَذَّنَ الديكُ البشيرُ ضُحىً , |
ضحىً دَهاني بلحنٍ عنك دَفّاقِ |
فَلْتَرْتَدِعْ غُربتي ما دمتُ أقطعُها |
بالحُبِّ والشِّعرِ حتى مَقْدَمِ الساقي ! |