السلام عليكم أيها الإخوة الكرام
وأعتذر عن غياب قسري أخذني منكم طويلا، وشكرا لكل منكم ولكل عطاءاتكم الفياضة، ويشرفني أن أضع بين أيديكم هذا النص الكليل.
-----------------------------
للظاهرية صورتان
شعر: يوسف أحمد -فلسطين
12/7/2009
------------------------------
للظاهرية صورتان
بلوحةٍ
سحريةٌ ريّا تُحلّقُ في فضاءِ الذكرياتِ
وتستبيكَ
وتدلقُ الأخرى عليكَ صدى محيّاها الكئيبْ
ترنو إليكَ بلابلُ الأيامِ من زيتونةٍ عشقت ثراها
فاطمأنّتْ
من زمانٍ قد تطاولَ
ثم تُغضي
إذ يحاصرُها النعيبْ
------
في الظاهريةِ
تزدهي الأشياءُ
تلبسُ زهرَها الخَضِلَ المشرّبَ
بالطيوبْ
تمتدّ سِحرا في حُقول الأمنياتِ
المشرقاتِ على المدى
والباسطاتِ الروحَ
في " نقََبِ الجنوبْ "
--------
تختالُ " جوشنُ " في الرحابِ أميرةً
في ثوب عفّتها القشيبْ
تلقاكَ بالجفنِ المكحّلِ
كلما أرسلتَ طَرْفكَ
غازلتْكَ برقةٍ
وتندّ من ثغرِ الأصالةِ بسمتانِ
وهمسةٌ عند الغروبْ
-----
لا سحرَ بعد السحرِ في تلك الأزقةِ والقبابْ
لا خمرَ يُسكرُ كالنسيمِ تنثُّه تلك النوافذُ
في انسيابْ
إذ يستبيكَ كأنّ نفحَ عبيرِه
من ثغرِها المتقوّسِ المسبوكِ
أخيلةُ الشبابْ
فترى القصائدَ كالسحائبِ
ليسَ تمطرُ في خيالِك
غيرَ شؤبوبِ النسيبْ
----
تلتفُّ حولَ " الخوخةِ" الشمّاءِ
أغنيةُ الصبايا الحالماتِ
بسندسِ الأيامِ
في العرس الخرافيّ
الموشّى بالأمانيّ العِذابْ
وتهيم عشقا
في المكانِ
كأنه "لَوْجُ" الزفافِ
يهدهدُ الحُلْم الجميلَََ
وتخلعُ اليومَ المضمَّخَ بالعَذابْ
وتحسّ أنكَ في جنانٍ
تعزفُ الحورُ الملاحُ عليك ألحانَ القلوبْ
------
تصطفُّ حولَكَ ذكرياتُ الأمسِ شمسا
كالعرائسِ في مفاتن جَلْوَةٍ
رقصتْ بأجفان الحبيبْ
وترى الأزقةَ كالأكفِّ الناعماتِ
كأنها مخطوبةٌ ريّا اللحاظِ
احدودبتْ
كي تمسحَ الأثقالَ عن صدرِ الخطيبْ
------
وترى الرجالَ القابضينَ
على الرياضةِ والثقافةِ جمرتينِِ
بِبَهْوِها
متزنّرينَ بحبّها
متعلّقينَ بحبلِ " غزلان الجنوبْ"
وترى المغارةَ شاهدا ثقةً
تدوّن كفّها
وجعَ السنينَ
ورحلةَ الغازي الذي
قد أنشبَ الأظفارَ يوما
في مفارقِِ صخرِها
فتململتْ
وطوتْ يداها الحُرّتانِ
سجلّه من غير دمعٍ أو نحيبْ
----------
والآن...
"جوشنُ " تستعيدُ الأمسَ في أحلامِها
وتعيدُ ترتيبَ الهوى
برؤى العطورِ
تعيدُ ترتيلَ النّدى
عند البُكورِ
وتشعلُ الأملَ الخصيبْ
ولربما من بيدرِ الأيامِ في أحلامِها
تُهديكَ تِبْرا
ربما تزجيكَ طيرا
في فضاء جمالِها
لتكونَ هدهدَ سرّها
لكنْ... تطالعكُ الخطوبْ
أنَّى اتَّجهتَ ترَ الجدارَ المستبدَّ
يُقضقضُ الأرضَ الخصيبةَ
يُنشب الأظفارَ في عُنقِ الحقولْ
وترَ السياجَ يحاصرُ الزيتونَ
يجثم شوكُه المحتلُّ كابوسا
بأوردةِ الشجيراتِ التي
ما أنشدتْ يوما
معَ الغِربانِ
الحانَ الأفولْ
وتجلطت فيها الدماء حزينةً
لكنها ما طأطأتْ
ما أضحكت سنَّ الغريبْ
----
في الظاهريةِ
يبذرُ الفلاحُ حبَّةَ قمحِه
قرصا من " الأكامول" فجرا
كي يهدّئَ من صُداعِ الأرضِ
إذ ضاقتْ بمعولِ
مَنْ سقاها
دمعةَ الطفلِ المغلَّفِ بالأسى
ودمَ الحبيبْ
فإذا رأيتَ بكفِّه المِحراثَ
في سفحِ الجبالِ تيقنتْ عيناكَ
أنّ حِراثةَ الأرضِ الحبيبةِ
حقنةٌ بوريدها
في عُرفِه الوطنيِّ كي
تشتدّ في وجه الكروبْ
لا يأسَ يقدرُ أن يُصفّدَ حُلمَها
لكنّما للذئبِ فيها سطوةٌ
والليلُ فيها مثقلٌ بصدى الحروبْ
فإذا تبسّم ثغرُها
رصدتْهُ أجهزةُ الزلازلِ
وابتنوا من فوقِه وطنا لهم
واستوقفوا فيه الأسنةَ
والمجنزرةَ الرهيبةَ
كي تشارك أهلَها
في لقمةِ العيشِ الرهيبْ
---
في الظاهريةِ يكتوي الإنسانُ من لفْحِ الهجيرْ
وترى الجبالَ كأنها شيخٌ وقورْ
يرنو إلى كبدِ السماءِ بحرقةٍ في كل حينٍ
يستجيرْ
يا ربّ أثقلني الجفافُ
وأرهقتْ جسدي الجُدوبْ
لا ماءَ ينبضُ في الجرارِ الموجعاتِ
الحالماتِ
على مدى الستينَ
بالماءِ القَراحْ
لا قطرةٌ بلّت شفاهَ
الظامئينَ فمحبسُ الصنبورِ أُغْلقَ
من عقودٍ واستراحْ
حتّى عيونُ الأرضِ كُفّتْ
واستبدّ بها الهديرْ
واشتاق أهلي للخريرْ
حتى السماءُ تجهّمتْ
يا ربّ في أبصارنا
وكأنما طفلُ السحابِ
غزا مفارقَه المَشيبْ
-------
والعامل الغلبانُ
طال بسعيهِ هولُ المسيرْ
يسري ليحشرَ جسمَه المهدودَ
في سيارةٍ قد صُمّمتْ لِتضمَّ أربعة من الركّابِ
في درب وثيرْ
لكّنها راحتْ تُخضخضُ عَشْرتينِ من الرجالِ
كأنهم عُلَبٌ من السردينِ في كرسيّها الخلفيّ
يقتسمونَ ذراتِ الغبارِ معا
وطعم الخوفِ... صوتَ النار والزامورْ
ويغافلونَ حواجزا ورصاصة مّدت لظاها
حولهم لتسعرّ الموتَ الغضوبْ
وترى المتاجرَ مطرقاتٍ
يمضغُ التجارُ فيها
ما تبقّى من حديثٍ
عن زمانٍ راحَ
يَخْنُقُه الحصارْ
وعن الزبائنِ طُوِّقوا
بحواجزِ تمتدّ في جسدِ المدينة كالسوارْ
حتى الهواءُ محاصرٌ
ونسيمُه بيد الرقيبْ
---
في الظاهريةِ يولدُ الإنسانُ حرّا
يولد الإنسانُ نَسرا
يولد الإنسانُ....
يولدُ.....
كي يصارعَ بابتسامتِه النيوبْ
------------------------
الظاهرية: مدينة الشاعر التي تقع في جنوب محافظة الخليل على حدود صحراء النقب، وجوشن : اسم بلدتها القديمة، والخوخة : ديوان أهلها القديم وقد كان البناء المركزي لتجمع الناس في بلدتها ، وغزلان الجنوب: اسم الشهرة للنادي الرياضي فيها، وهو أحد أندية الدرجة الممتازة في فلسطين ،والأكامول: اسم تجاري لمسكن للآلام، يطلق عليه فبرامول أو باندول أو سيتامول أو سيدامول أو غيرها.
</b></i>