تجديد العقل العربي بين السلطة والمثقفين
تحقيق : إسلام شمس الدين
شيماء عبد الهادي
في محاولة لنسف الهوية العربية أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية في 9 فبراير 2004 ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير والذي كان من أولوياته قضية العقل العربي وحواره مع الأخر 0
وبعيدا عن رحلة الأخذ والرد الدائرة في جنبات العالم والقائمة علي مصالح متباينة وخلفيات معرفية متفاوتة تشتبك حولها السلطة والنخب الفكرية والقوي الشعبية في محاولة من قبل الأنظمة للخروج من مأزق الوقوع تحت طائلة الضغوط الخارجية ومسعى من الشعوب إلي انتهاز هذة اللحظة التاريخية لانجاز إصلاح حقيقي دون التضحية بالسيادة الوطنية أو السماح لأي طرف خارجي بالهيمنة علي العالم العربي أو تمويه وجوده التاريخي وتواجده الجغرافي ؛ كانت هناك العديد من الأسئلة التي فرضها الوضع الراهن والتي وجب البحث عن إجاباتها ..
- فهل حقاً العقل العربي بكل ما يشهده له التاريخ من إبداعات وإنجازات في حاجة للتجديد ؟!
- ومن المنوط بهذا التجديد ؛ هل هي السلطة أم المثقفين ؟
- وهل ستنجح السلطة في ظل ما تتعرض له من ضغوط خارجية في النهوض بالعقل العربي
والعودة به إلي مارثون الحضارة الذي كان يقوده لقرونِ طويلة ؟!
- أم أن هذا التجديد يقع علي عاتق المثقفين باعتبارهم المنوطين بتوعية الشعوب وتشكيل
أفكارهم ؟!
- وهل يملك هؤلاء المثقفون الأدوات التي تمكنهم من النجاح في هذه المهمة ؟!َ
- أم أن المناخ الممتلئ بالنفاق من جانب وبالقمع من جانب أخر كفيل بعرقلة هذا النجاح ؟!
إن البداية الحقيقية لتجديد العقل العربي كما يري الأديب الجزائري بن عمر غاني تبدأ بتغيير نمط الحكم الحالي في الدول العربية الذي يسلم أماكن صنع القرار فقط لكل متملق ومنافق للحاكم دون الاعتبار للطاقات والمواهب الجادة والذي كان سبب" في ظهور الرداءة التي تصدرت المراكز الثقافية الحساسة.
لذا فالتجديد يتوقف علي الأمل في أن يأتي حاكم صالح إلى سدة الحكم في يوم من الأيام يكون فيه الخير والإخلاص لكي يخلص الأمة مما تراكم عبر سنين الفساد وهو الأمر الذي يتطلب الكثير من الجهد والوقت والوسائل ولكن الشق الأصعب هنا هو اختفاء الرجل الصالح الذي يقوم على أساسه البناء .
ويضيف بن عمر وللأسف فأننا لا نستطيع الاعتماد علي المثقف في عملية التجديد تلك ؛ فالمثقفون الحقيقيين مهمشون ولا نسمع بهم ومثقفو الواجهة الذين يملكون الوسائل الثقيلة في التغيير جاءت بهم الهرولة برداءتهم ولا يستطيعون فعل أي شيء إلا ما يملى عليهم
في عصر عولمة أمريكا.
و يرى الأستاذ الدكتور فيصل هاشم شمس الدين الأستاذ بكلية التربية جامعة الأزهر أن أي مبادرة للتجديد يجب أن تنبع فكرتها و يتم التخطيط لها و تنظيمها من جانب السلطة ، حتى يسيطر هذا التغيير على طبيعة أداء المؤسسات الرسمية التابعة للسلطة ، فالمبادرة بتجديد العقل العربي إذن من السلطة .
و يضيف الدكتور فيصل أن تجديد العقل العربي هو بعض مهام السلطة ، فالنهوض بالتعليم على سبيل المثال و كذلك تطوير الرسالة الإعلامية و أيضاً الاتجاه إلى التقنيات الحديثة من وسائل تجديد العقل العربي و السلطة هي المنوطة أولاً بأداء هذه المهام .
أما المثقفون فيأتي دورهم بعد تهيئة السلطة للبيئة المناسبة للتجديد عن طريق التوعية و تصحيح المفاهيم و تبني كل نقلة حضارية تسهم في تجديد العقل العربي .
بينما تري الكاتبة الصحفية والروائية السعودية سحر الرملاوي أن تجديد العقل لن يكون إلا بوعي شخصي من كل صاحب عقل ، وعي بحاجته لان يعرف و يفهم و يقبل و يرفض ، فحصر مسئولية التجديد في سلطة أو مثقفين معناه تجريد هذا العقل من سن الرشد و سن النضج و القدرة على الفعل ..
إذ لم يعد أمام الرغبة في التجديد إلا الإرادة ، و الإرادة لا تستعار و لا تمنح كهبة أو منحة مستقطعة ، الإرادة تنبع من الداخل و من ليست لديه أرادة التجديد فلن يتجدد أبدا ..
و بالمقابل إذا امتلك العقل العربي إرادة التجديد فانه هو الذي سيتولى تجديد سلطته و تجديد مثقفيه و ليس العكس ..!!
وتضيف الرملاوي السلطة لن تقدم للعقل العربي أدوات التجديد إلا إن ناسبها المنحى الجديد في التفكير ، و ما يناسب السلطة ليس بالضرورة هو الأصلح للشعب و للعقل الشعبي 0
فإشكالية المواطن و السلطة إشكالية معقدة يصعب جدا أن تكون الثقة احد أطرافها ، لان كل مواطن يعرف أن كل مسئول يعنيه كرسيه أكثر مما يعنيه هم عام أو حال لا يسر 0
أما المثقفين فلم يعد منهم رجاء كبير ، فلقد صدم العقل العربي كثيرا في مثقفين كانوا مثالا و قدوة ثم في غمضة عين أميط اللثام فإذا مثقفينا أكثر و امهر من باع و اشترى في المساحات البيضاء من عقلنا العربي .. أما المثقف الحقيقي فقد أنهكته السلطة فأصبح واحدا من اثنين أما طريدها و أما ربيبها و كلاهما عديم الجدوى للعقل العربي ..ولذلك أؤكد أن الوعي الشخصي هو السبيل الوحيد للتجديد 0
ومن أرض الموصل بالعراق يري الأديب والمفكر الإسلامي الدكتور حكمت صالح أن تجديد العقل العربي من القضايا الهامة التي تحتاج إلي التكاتف بين السلطة والمثقفين والعودة ألي المرجعيّات الفكريّة والأخلاقيّة التي تميّز كلَّ أُمّة أو شعب عمّا سواها من المجتمعات البشريّة ، ويضع بين أيدي القائمين عليها من الآليّات التي تمنح برامجها خصوصيّة مميَّزة .
ويضيف لقد وضع الإسلام كمرجعية أساسية في تشكيل الفكر بين يدَيِ العقل العربيّ مفاتيح الانطلاق إلى آفاق أكثر إنسانيّة؛ بغية تحقيق القدر الأكبر من عمليّات التغيير على أرض الواقع وليس في دوائر التطلّعات الكسولة أو الأماني الحييّة الخجلة ؛ وذلك عندما جعل الإسلام من الإيمان جسراً إلى الإحسان.. والإحسان ـ في أحد معانيه ـ يراد ف الإتقان.. والأخير كفيل بتجاوز المطبّات والعراقيل وصولاً إلى ما يطمح إليها العقل العربي المعاصر المبتلَى بالابتزاز وبالاستلاب .
كما يري الدكتور حكمت صالح أن القرن العاشر الميلاديّ يعد جسراً لانتقال العلوم التي أفرزها العقل العربيّ إلى أوربّا عبر ( اللورين ) و (صقلية ) بالأخصّ فضلاً عن أسبانيا ؛ ممّا جعل منها مراكز ثقافيّة هامّة. إذا كان ذلك فلأحري بالعقل العربيّ أن يستعيد عافيتَه ويسترد بضاعته متطورة ، وعليه يمكن اعتبار القرن العشرين المنصرم فترة نقاهة له ؛ لكي يتّخذ من الحادي والعشرين الذي نعايشه حاضراً ـ منطلقاً لاستعادة هويّته الحضاريّة ، لاسيّما وأنّ الوطن العربيّ قد وهبه الله تعالى من الخيرات ما يُقصِّر المسافةَ لإنجاز الطموح العربيّ .
ويؤكد الكاتب الصحفي الدكتور فؤاد الحاج رئيس تحرير جريدة المحرر بأستراليا أن العقل العربي ليس بحاجة إلى تجديد لأنه كان من الأزل العقل الذي بارك الله فيه أمة العرب واختارها أمة للرسالات السماوية وخاتمة للأنبياء والمرسلين باختيار النبي العربي، نبي لكل البشر والإنسانية محمد (صلوات الله عليه )القائل : (إنما جئت لأتمم مكارم الأخلاق).. وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي : ( إنما الأمم الأخلاق ما بقيت 00 فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا )، من هنا تكون الحاجة ليست الي التجديد أو التغيير إنما ألي التأكيد على الأخلاق في كل مجالات التعاطي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومواجهة السلطة التي دائما تكيل بمكيالين وتختلف نسب المكاييل بين بلد عربي وآخر في الظاهر ولكنها تبقى في جوهرها تتعاطى مع الشعب على طريقة ويليام ميكيافيللي (الغاية تبرر الوسيلة)..
ويضيف دكتور الحاج هنا يأتي دور المثقف الواعي في الحفاظ علي الوطن وعلي هوية العقل العربي في مواجهة أولوية الكيان الصهيوني وسعيه لإعادة صياغة العقل العربي، ونسخ تاريخ الصراع العربي-الصهيوني من الذاكرة، وقد لا نفاجأ بأن يطالب الكيان الصهيوني في وقت لاحق العرب بتثقيف أجيالهم بأساطير مزعومة.. كما تفعل في أوروبا وفي أستراليا وفي عدد كبير من دول الغرب منذ أكثر من نصف قرن، وتبتزهم لدفع المزيد من التعويضات!..
ولا نستبعد أيضا كما ذكرنا مرارا وتكرارا بأن يتم إعادة صياغة المناهج التعليمية العربية واستبدالها بما يتناسب مع (ثقافة السلام) المزعوم.. بأن يقال مثلا أن صلاح الدين الأيوبي لم يحرر القدس وأن عبد الناصر كان "إرهابيا" وأن المقاومة الفلسطينية من أجل تحرير فلسطين والمقاومة الوطنية العراقية "إرهابيين"، ومن يدري أيضاً ربما غدا يطلب الصهاينة من الأنظمة العربية تدريس تاريخ (إسرائيل) واعتبار (غولدا مائير) و(بيريز) و(رابين) و(باراك) و(شارون) مناضلون من أجل الحرية!!..
كما يضيف دكتور الحاج إن على المثقف الواعي الوطني والقومي أن يعمل من أجل إقامة تجمع أو هيئة تنسيق عربية شاملة، فعالة، لمناهضة الاستسلام والتطبيع، وتناسي الخلافات الفردية، والابتعاد عن الأنا والأنانية.. لأن المصير في النهاية واحد.. وكما أردد دائماً إذا تكلمت ستموت، وإذا لم تتكلم فستموت، إذن تكلم ومت.. لأن جذوة الثورة تكمن في كلمة صادقة، معبرة عن مكنون شعب بأسره، ودور الأديب والمثقف الواعي الوطني والقومي الأصيل هو المحافظة على الكلمة المعبرة، ومن أبقى على كلمته المعبرة عن ضميره وضمير الأمة فقد أبقى على رغبة الانتصار لديه، كما سيبقي على رغبة الانتصار لدى الأجيال..
خاصة وأن السلطة أي سلطة لا يمكن أن تسمح إلا بما يناسبها و ارتباطاتها الخارجية مع الأسف الشديد .
و من الولابات المتحدة الأمريكية يتفق الكاتب و الشاعر الفلسطيني عادل سالم مع رأي الدكتور الحاج في أن العقل العربي لا يحتاج إلي تجديد وإنما يحتاج إلي تطوير فيما يحمله من فكر ذلك لان العقل موجود أصلا ولا يتغير وإنما الأفكار التي بداخله هي التي تتغير باتجاه الأحسن أو باتجاه الأسوأ
وتطوير الفكر العربي والنهوض بالإنسان العربي ثقافة وفكرا وعلما مهمة متشابكة لا نستطيع ان نعين جهة معينة لتكون مسئولة عنها ذلك لان مهمة النهوض والتطور الفكري هي مهمة مشتركة بين السلطة والمؤسسات الوطنية غير الحكومية والأفراد . ولا يمكن فصل أي منها عن الأخر بتاتا0
ويضيف سالم أن الحكومة او السلطة هي المسئولة عن جهاز التعليم وهي المسئولة عن جهاز الاعلام المرئي والمكتوب في العالم العربي وبالتالي فهي مسئولة عن تربية الإنسان بشكل عام ونوعية الأفكار التي تحشو بها عقله والتي ستشكل مستقبلا جزءا أساسيا من تكوين الإنسان الفكري
وأيضاً الهيئات والمؤسسات تلعب دورا موازيا وخصوصا المؤسسات الدينية او النوادي الثقافية ومؤسسات القطاع الخاص الثقافية مثل المسرحيات والأفلام والكتب والخطاب الوطني العام .
أما الأفراد فيقع عليهم مهمة أساسية بعد ان يكبروا حيث سيصبح بامكانهم ان يختاروا ويحددوا مصيرهم وأفكارهم التي يرونها مناسبة
وبإختصار كما يقول سالم فإن تطوير الفكر العربي قضية متشابكة مرهونة بعمل مشترك بين السلطة والمؤسسات الثقافية والدينية والاجتماعية غير الحكومية وبين الأفراد كاسرة او كأشخاص ولا يمكن أن نلقي بتلك المسئولية علي عاتق جهة واحدة 0
ومن مصر تعترض الكاتبة والمفكرة الإسلامية صافيناز كاظم علي مصطلح تجديد العقل العربي حيث تعتبره من المصطلحات التي وضعها الغرب والصهاينة لإهانة العرب 0 فالعقل شئ لا يصنع بالإجراءات ولن يكون مسئولية أحد إلا الإنسان الذي يحمله فقط 0
وتضيف أن العقل العربي مازال بخير وهو كذلك منذ القدم والتاريخ العربي والغربي أيضا" يشهد علي ذلك فكم من الحضارات التي قامت علي أساس عبقرية العقل العربي 0
وتؤكد صافي ناز أن المطلوب ليس تجديد العقل ولكن إتاحة الفرصة لإبراز الفكر علي حقيقته ؛ فهناك الكثيرين من المبدعين والمثقفين أصحاب الفكر الواعي ولكنهم يحتاجوا فقط الفرصة لعرض أفكارهم ولعل إذاعة القرآن الكريم التي تعد معرض للمثقفين خير دليل علي ذلك خاصة بعد نجاحها في العودة إلي أرثاء مبدأ أن القرآن الكريم هو الأساس في تثقيف الأمة 0
ولكي يتم ذلك تضيف صافي ناز أنه يجب علي الحكام وصناع القرار البعد عن الشللية والقضاء علي فكرة الولاء قبل الكفاءة والتي جعلتنا نري الكثير من المسئولين عن الثقافة والفكر في الدول العربية عامة وفي مصر خاصة يخفون عقولهم الخاوية ببضع من الكلمات الأجنبية التي تلوكها ألسنتهم دون وعي ؛ فمازلنا مصدرين للنفاق ومنحازين للبطانة وهو ما يفقدنا القرة علي التصدي للعدو الحقيقي الصهيوني والأمريكي الذي يسعى للقضاء علي الهوية العربية 0
أما المفكر الإسلامي نبيل شبيب المقيم بألمانيا فيرى أن العقل العربي حقا يحتاج الي التجديد ولكنه التجديد القويم الذي ينطلق من حالة قائمة على أرض الواقع، ويضيف جديدا إليها، معتمدا على أسس راسخة متوفّرة من حيث الأصل وهي التي تحفظ توازن المجتمع أثناء مسيرة التجديد الدائمة، وهذه الأسس هي التي تبيح وصف العقل العربي بالعربي. لهذا -وفي المرحلة الراهنة بالذات- فإنّ النقطة الأساسية في عملية التجديد المطروح هدفا، هي الارتقاء بالعقل العربيّ مجدّدا إلى مضامين تلك الأسس وموقعها الإنساني الرفيع، أي إلى منطلقات العقل العربيّ الذاتية وثوابته الحضارية ومعاييره القويمة
وفي إطار ما سبق يري شبيب أنه يصعب القول إنّ المسؤولية عن هذا التجديد هي مسؤوليّة السلطات بالذات، فمسؤوليتها مشروطة بأن تكون سلطات تمثّل الشعوب حقيقة لا ادّعاء، ومحدودة كذلك برعاية الأطر الضرورية وتوفير الإمكانيات والمعطيات الأساسية للفكر والثقافة.. أمّا المسؤولية الكبرى والأساسية للقيام المباشر على عملية التطوير والتجديد، الدائمة والضرورية. فهي مسؤوليّة المثقفين أنفسهم.
و يضيف أن المثقّف القادر على حمل هذه المسؤولية وأدائها بأمانة، هو المثقف المرتبط بثوابت أمّته، العقدية والحضارية والتاريخية، القادر على استيعاب واقعها الراهن وواقع العالم والعصر، والمثقف المبدع.. ليس في طرح أفكار مبتكرة وألوان جديدة من الفنون فحسب، بل في ارتباط ما يطرحه بواقع الشعوب وآلامها وآمالها، وإمكانياتها واحتياجاتها، وأهدافها وتطلّعاتها، وكذلك بأحاسيسها ووجدانها، والقادر أيضا على إبداع الأساليب الكفيلة بتفعيل الطاقات الشعبية، وفق تلك الاحتياجات والتطلّعات والمشاعر الوجدانية، كيلا يعيش معزولا عن الأمّة0
وتري الكاتبة المصرية مني هيكل ضرورة أن نعترف أولا بحاجتنا للتجديد والتطوير ولا ننظر لتلك القضية بسلبية بإعتبارها واردة الخارج ؛ فلقد أصيب العقل العربي بحالة من الخمول واليأس نتيجة للاحباطات المتلاحقة التي تعرض لها من الداخل والخارج لذا فهو في حاجة لإعادة التنشيط والتجديد مع الحفاظ علي هويتنا العربية الإسلامية التي تميزنا وتجمعنا من المحيط إلي الخليج كقوة لا يستهان بها كانت ولفترات طويلة تتحكم وتبث حضارتها وفكرها إلي الخارج قبل أن تترهل وتسمح للقوي الأجنبية بالتدخل في شئونها علي الوضع المؤسف الذي نحياه الان 0
وتضيف هيكل مما سبق يتضح أن المسئولية في تلك القضية مسئولية مشتركة ما بين السلطة والمثقفين بل والشعب ككل وإن وقع الشق الأكبر منها علي عاتق المثقفين وذلك من خلال تحركهم الجدي ومطالبة السلطة بإعطاء الفرصة والرعاية وتوفير الإمكانيات للباحثين والشباب للعودة إلي (مارثون) العلم الذي كنا نقوده من قبل ؛ هذا بالإضافة إلي دورهم في توعية الأفراد بضرورة المشاركة الفعلية وعدم السلبية ؛ هذا إذا كنا حقا نريد الخروج من بوتقة الجهل الذي سمح للقوي الخارجية باستغلالنا والتحكم في أمورنا 0
أما الأديبة السورية ندي الدانا فتؤكد أن تجديد العقل العربي يعد من المهام الأساسية للمثقف
لأنه يستشرف آفاق المستقبل، ويفكر بطريقة إبداعية معتمدا على خلفيته المعرفية، فالإبداع هو الذي يجدد العقل. ولكن لكي يستطيع المثقف أن يقوم بهذة المهمة فعلينا أن نحدد السبب الرئيسي لحالة الركود العقلي والتخلف الذي نعاني منه وهو الافتقار إلى حرية الرأي، وعدم وجود حكومات ديمقراطية تفسح المجال لكافة الآراء كي تنطلق من قمقمها لخلق مناخ حواري يشحذ الذهن ويحرض الإبداع والعقل. لذا نجد المثقف يخضع للسلطة المستبدة مكرها كي لا يخسر حريته أ ويجازف بلقمة عيشه، فيبيع المثقف قلمه وفكره من أجل ضرورات العيش، ويتخلى عن تفكيره المستقل، ويتبنى أفكار السلطة المسيطرة، وهذه حالة غير سوية تدمر احترام المثقف لذاته وتحوله إلى انتهازي رغما عنه، أو إلى ضحية إذا رفض الخضوع.
و تضيف ندي هكذا انتشرت حالات الاضطراب الفكري، والتشوه الأخلاقي في المجتمع العربي بسبب افتقاد الحرية وبالتالي افتقاد الصدق وضاعت الأصالة والإبداع في التفكير، وكثر الادعاء الثقافي، وانزوى المثقف الحقيقي ليطفو على السطح مدعي الثقافة، وكثرت حالات التطرف في الرأي، ومحدودية الأفق، مما حول المجتمع إلى نهر راكد يخفي حالات عنف مكبوتة تنتظر الفرصة كي تفرغ شحناتها بطريقة خاطئة قد تدمر ما حولها .
كما تؤكد أنه إذا كنا نسعى للتجديد حقا كهدف وليس كمجرد ادعاءات كاذبة فعلينا أن نترك الفرصة الحقيقية لنشر الفكر والإبداع بعيدا عن وسائل القمع المختلفة التي يتعرض لها كل صاحب فكر لا يتناسب مع مصالح السلطة خاصة الخارجية 0
ويعتبر الشاعر العراقي عبد الكريم الكيلاني أن تجديد العقل العربي من الإشكاليات التي يصعب معها تحديد علي من تقع مسؤولية التجديد هل هي علي السلطة الحاكمة ؟ أم هي مسؤولية المثقفين ؟
ويضيف الكيلاني أنه من الصعب جدا , بل من المستحيل أن تنجح المركزية في القيادة أو اللامركزية , لكنها قد تنجح إذا تفاعل الاثنان في بلوغ الغاية المرجوة أو الهدف المطلوب .
لذا كان هناك ضرورة حتمية لوجود مساحة من التفاعل الجدي بين القوي الحاكمة التي تملك وسائل صنع القرار وبين المثقفين الذين يملكون الفكر والوعي 0
إلا أن ذلك في رأي الكيلاني لا ينفي إن العقل العربي يتصف بجذور عريقة راسخة في أقصى تخوم التاريخ وحتى لو تعاون الاثنان في تغييره فإن الفشل سيكون النهاية الحتمية .
فمن الصعب جدا أن نغير جذور عقل امتدت ونمت وترعرعت في زمن بلغ أكثر من ستة ألاف سنة , ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
*****
***
*