السلام عليكم ورحمة الله
مأخوذ من أبو يوسف التميمي الخليل
يقول الحق تبارك وتعالى : ((اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ . مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ . لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ )) صدق الله العظيم .
نعم عباد الله :
لقد اقترب للناس حسابهم ولكن قسما كبيرا منهم غافلون .
لقد اقترب للناس حسابهم والسواد الأعظم من الأمة معرض عن الآخرة ومقبل على الدنيا وزخرفها الزائل .
اقتربت ساعة الحساب , وما من ساعة تمضي إلا والتي تليها أقرب منها إلى زلزلة الساعة الكبرى , ولكن أكثر المسلمين يستمعون إلى هذا وهم يلعبون , في غفلة من أمرهم ولا يبالون .
لاهية قلوبهم , ولا يتفكرون في موعود الله .
وإني لأتساءل عباد الله , في حال من كان هذا شأنه من الغفلة واللعب واللهو والإعراض عن الآخرة وعدم الإصغاء لتحذير ربه , والاستخفاف بعاقبة أمره .
إني لأتساءل في من كان هذا شأنه, كيف له أن يكترث بما يحد ث حوله وبالتحديد ما يحدث في واقع الأمة التي ينتسب إليها, وكيف له أن يهتم بأمرها وحالها , وكيف له أن يعكف على تدبر أمرها وإيجاد الحلول لمشاكلها ؟
كيف يمكن لنا عباد الله أن نعمل على تنبيه هذا الغافل المتخاذل . هذا المتقاعس المتكاسل . هذا المتهاون اللاّمبالي . كيف لنا أن نحرك فيه نخوة المروءة والعزة والكرامة , كيف لنا أن نوجد فيه الغيرة على دين الله وعلى أمته وحتى على إنسانيته , كيف لنا أن نحوله من هذه السلبية المقيتة إلى حياة جدية تليق بكرامته كإنسان وبعزته كمسلم ؟
فهل يقتضي الأمر منا أن نقدم لهذا المتخاذل البراهين والوثائق ليقف على حقيقة هذا الواقع المؤلم ؟
عباد الله
ليسأل كل فرد منا نفسه ما نوع انتمائه إلى هذا الدين ,
أهو انتماء مجاني لا يزيد عن كونه انتماء هوية لا غير ؟
أهو انتماء شكلي لا حركة فيه ؟
انتماء شعارات وتمتمة وبركات ؟ أهو إنتماء عاطفي فحسب ؟
أم أن إنتمائنا إلى دين الإسلام إنتماء إيجابي ؟
إنتمائنا إلى الإسلام انتماء مسؤولية وتضحية ومعاناة ؟
إنتماء من وهب نفسه وماله وولده لهذا الدين العظيم . هل نحن عباد الله على ثغرة من ثغر الإسلام ومن أولئك المرابطين ؟ أم نحن من المدبرين المفرطين في حق الإسلام و أهله ؟
هذا هو السؤال الذي يجب أن لا يغيب على أذهاننا صباحا مساءا , وأن لا نخدع أنفسنا في الإجابة عليه , واعلم أخي المسلم أن الحق يقول (( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)).
عباد الله
تعالوا بنا نشخص المشكلة التي لا يكترث لها الكثير من المنتميين إلى هذا الدين
إن المعاناة التي يصلاها المسلمون اليوم هي أكبر وأخطر من أي مأساةٍ واجهها المسلمون في تاريخهم الطويل.
وبنظرة سريعة إلى المسلمين وبلادهم والصعاليك العملاء صنائع الاستعمار الذين يحكمونهم ، ماذا نرى يا أمة الإسلام في هذه النظرة ؟
نرى شعوبٌا مضللة، وقادة خائبين خائنين، وطواغيت تترى
يعتذرون بغير العذر، ويغضون الطرف عن المسيء ، يصطنعون الجهلة والفسّاق والمُجّان ، و يولوهم على رقاب الناس ، ليسومونهم سوء العذاب والذل .
عباد الله
ثمانون عاما والفتن فينا كقطع الليل المظلم بعضها فوق بعض
ثمانون عاما وسلطان الإسلام غائب عن أرض الله
ثمانون عاما مضت وشرع الله معطل في الأرض
ثمانون عاما مضت والسيادة على الأرض والعباد لغير دين الله
ثمانون عاما مضت والأمة فاقدة لعزتها وكرامتها
ثمانون عاما مضت ومقعد القيادة والريادة في الميزان الدولي لغير أمة الإسلام , بل هو بيد أعدائها .
ثمانون عاما من الاستعمار المباشر وغير المباشر
نهض فينا قادة وزعماء هم صناعة الاستعمار وذيوله، يعلك الواحد فيهم لجامه كالجواد القارع حقداً على الإسلام وحملته وعلى دين رب العالمين - الذي ارتضاه عز وجل للناس أجمعين-، ينهال هذا الحاكم... ينهال هذا العميل الكافر بمعوله يدمّر كيان الأمة, يمزق شملها ويدك عقيدتها ويحقر تراثها، ويزوّر آمالها ويقوض مقوماتها ويضع فلذات أكبادها في السجون والمعتقلات خدمةً مجانيةً للاستعمار الكافر.
ثمانون عاماً من التفتت والانسلاخ، بغى علينا فيها أبناؤنا قبل أعداءنا
ثمانون عاماً من التهتك والتفكك والتمزق والانهزام والعمالة والنذالة والفساد والإلحاد ، قادة هذه الأعوام، أبطال العملاء باعوا كل شيء , باعوا البلاد والعباد، لا همّ لهم سوى إذلال الأمة وترويضها لتركع تحت أقدام اليهود والنصارى ، أقدام المغضوب عليهم والضالين , أية تقرءونها صباحا مساءا من آخر سورة الفاتحة , ولكن هؤلاء العملاء يعملون بنقيضها إذ رفعوهم فوق رقابكم , وأنتم عنهم ساهون.
ثمانون عاماً والمسطرة والقلم يعملان على أرض الإسلام للمزيد من التمزيق والتقطيع, والأمة لا تبالي ولا تهتم , بل لازالت تعزف وتشرب على نخب الوطنية والقومية , وترفع رايات الذل والعار أعلى من راية لا اله إلا الله .
ثمانون عاماً , وأفكار الكفر والإلحاد تستورد من كل مكان ، استوردوا لكم الأيديولوجيات من الشرقٍ والغرب، وزوروها لكم فتجرعتموها قصرا وجبراً , أو عن جهل ورضًى منكم ، فاستبدلوا عقيدة لا إله إلا الله ، وحضارة الإسلام ، وإيمان المسلمين بربهم سبحانه وتعالى ، والولاء له إلى غيره من طواغيت الأرض وأفكارهم الحقيرة .
حتى مقدساتنا , إن بقيت لنا مقدسات , فقد دنست , فهذا بيت المقدس دنسه أحفاد القردة والخنازير , وهذه أرض الحرمين الشريفين التي حرم الله ورسوله أن يجتمع فيها دينان , قد انتصب على أرضها الصليب وعقدت عليها ألوية الكفر والإلحاد لتنطلق منها لقتل وتدمير إخوانكم
ثمانون عاماً من التعدي على الأرواح والأعراض وحرمة البيوت , والرسول - محمد صلى الله عليه وسلم- يقول :"لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلمٌ عظيم"
عباد الله
أما آن لكم أن تسألوا أنفسكم بعد ثمانين عاما من الانهزام والتقهقر والفقر والتشرد والجهل عن سبب كل هذا
ومن المتسبب فيه
أما آن لكم أن تسألوا أنفسكم بعد ثمانين عاما من الانحطاط والتخلف والجهل , لم صرنا إلى هذه الحال بعدما كنا نبراس الأمم ومنارة العلم في أرض الله , وكانت جامعاتنا في قرطبة وبغداد وغيرها تشد إليها الرحال
أما اليوم فإن الصورة قد اختلفت وصرنا نحن المسلمون نفتخر بشهادات الجامعات الغربية, ونتكلم فيما بيننا وداخل بلادنا بلغة أقوام ليسوا منا ولسنا منهم دون أي حاجة لذلك , وإنما هو الافتخار والاعتزاز والانبهار بثقافة أعدائنا .
أما آن لكم أيها الأخوة أن تسألوا أنفسكم بعد ثمانين عاما من التشرد في الأرض والتغريب عن الديار و الأهل , من الذي دفعنا إلى ذلك ؟
و لم نطلب عند غيرنا الآمان والجوار, فرارا بديننا وأرواحنا وأعراضنا , لم نفروا إلى من كانوا بالأمس يفرون إلينا ويحتمون بحمانا وينعمون بنصرتنا لهم على من ظلمهم وأكل أجسادهم بوحشية العقوبات ومتابعة محاكم التفتيش, فهل هؤلاء الذين حميناهم بالأمس ونصرناهم ردوا لنا الجميل أم تراهم أذلونا واحتقرونا وضيقوا علينا لننسلخ من هويتنا ونتنكر لديننا
و مثالا حيا على ذلك فرنسا وردها لجميل المسلمين الذين نصروها أيام العسرة .
فقبل أربعمائة وثمانين سنة دارت الحرب في أوروبا ووقع ملك فرنسا " فرنسوا الأول " أسيرا في معركة ( بافيا Pavia) , وشعرت فرنسا أنذاك أنها أهينت بأسر ملكها فرنسوا ولم يكن يومها بمقدور الجيش الفرنسي أن ينقذ الملك المأسور , فلجأت إلى دولة الخلافة الإسلامية , أي الدولة العثمانية آنذاك , وأرسلت رسولا باسم ملك فرنسا بتاريخ 6/12/1525م يستغيث بالدولة الإسلامية , فقابل الرسولُ الخليفةَ العثماني سليمان القانوني، واستجاب الخليفة للاستغاثة، وأرسل إليه مع الرسول كتاباً جاء فيه (... وصلنا رسولكم بكتابكم الذي تقولون فيه إن عدوكم استولى على بلادكم وإنكم الآن محبوسون وتستدعون منا مدد العناية بخصوص خلاصكم، لقد أجبنا طلبك، فكن منشرح الصدر، ولا تكن مشغول الخاطر ...)
فلقد استعملت دولة الخـلافة يومها ثقلها الدولي، وقوتها العسكرية في إغاثة ملك فرنسا والمساهمة الفاعلة في فك أسره.
فلقد قام خليفة المسلمين بإغاثة فرنسا دون مقابل. فلم يحتل جزءاً من فرنسا، ولم يستعمر منطقةً منها ، بل كان فعله من باب عمل الخير وصنع الجميل. وليس ذاك فحسب بل أعطى الخليفة لفرنسا إمتيازات في الدولة الإسلامية لم يعطها لغيرها من الدول حيث عقدت اتفاقية الآستانة في الشهر الثاني لعام 1536م بين خليفة المسلمين سليمان القانوني وملك فرنسا فرنسوا الأول تمنح بمقتضاها الإمتيازات لفرنسا.
فما رأيكم أيها الأخوة الأفاضل في رد فرنسا على جميلكم الذي صنعتموه لها وما رأيكم فيما تقدمه لكم اليوم من إمتيازات !!! حرمان من التعليم , حرمان من التطبيب , كشف لعورات نسائكم وبناتكم ومطاردة لإخوانكم ومراقبة لبيوت الصلاة والتجسس على المخلصين الذين أبوا الرضوخ لها فجابهتم بكل أنواع المضايقات وضغط القانون , و الأيام القادمة ستكشف لكم عما تخفيه من مكائد. فيا أيها الأخوة لم يعد لكم مكان في الأرض تلجئون إليه ولا بلد يحميكم وينصركم على من ظلمكم , فهل فكرتم في هذه المشكلة وفي من أوصلكم إلى هذه الحال ؟
عباد الله
لو تماديت في سرد الواقع وتشخيصه لكم لدارت عقارب الساعة لتلف علينا الليل بالنهار دون أن ننهي سردنا , ولكني ألخص لكم كل هذا الذي أردت أن تقفوا عليه معي في أربع كلمات . إن المشكلة تتلخص في غياب أربع أخماس الإسلام عن الحياة
فعشرات الآيات والأحاديث المتعلقة بالسلطان ورعاية شؤون المسلمين بالإسلام معطلة
وعشرات الآيات والأحاديث المتعلقة بالأمان وحماية الثغور والحفاظ على بيضة الإسلام معطلة
وعشرات الآيات والأحاديث التي تأمر بإقامة الحدود والعقوبات معطلة
وعشرات الآيات والأحاديث التي تدعوا إلى الجهاد وفتح البلاد ورد الأعداء معطلة
ولم يبق لنا أيها الأخوة من الإسلام إلا خمس واحد, وحتى هذا الخمس المتبقي وهو الذي يتعلق بالعقائد والعبادات والطقوس والشعائر غير مضمون البقاء ولا يمكنك الحفاظ عليه دون سلطان الإسلام
فكم من مرتد عن الإسلام لا يمكن محاسبته
وكم من تارك للصلاة لا تستطيع إلزامه بها
وكم من غني ممتنع عن دفع زكاة أمواله لا تستطيع إرغامه على دفعها
وكم من كاسية عارية ليس بمقدورك إرغامها و إلزامها باللباس الشرعي
وكم من خلق سيئ أنت عاجز عن تقويمه
وكم من شارب للخمر وزان لا تقدر على التغيير عليه , وكم وكم... .
لقد آن الأوان كي تعرف الأمة الإسلامية قادتها الحقيقيين، بعد أن جربت جميع أنواع القيادات
المعروفة قديماً وحديثاً،
وقد آن الأوان كي تحمل الأمة الإسلامية الفكر الصحيح الذي ينهضها من كبوتها التي طالت، بعد أن جربت جميع أنواع الأفكار المعروفة قديماً وحديثاً، والتي فيها مظنة النهضة والخلاص من المصائب والمتاعب
وقد آن الأوان كي تسلك الأمة الإسلامية السبيل الوحيد الذي يحل مشاكلها ومشاكل البشرية معها، بعد أن جربت جميع السبل والمسالك التي فيها مظنة الحلول لمشاكل الناس المستعصية
وقد آن الأوان كي تبصر الأمة درب نهضتها وطريق عزتها، بعد أن عميت عنه زماناً طويلاً.
عباد الله
اعلموا أنكم بمجرد صلاتكم وورعكم وحسن خلقكم لا تكونوا قد حققتم انتماءكم الإيجابي لهذا الدين ولا لهذه الأمة , ما لم تقوموا بأخذ الإسلام أخذا شاملا و كاملا , أخذا فكريا وسياسيا , وتحملوه إلى الناس حملا مبدئيا , فإذا ما حققتم هذا الواجب اتصفتم بأنكم حاملة دعوة, وتكونوا قد حققتم أيضا انتماءكم العملي ضمن كيان الأمة , لأن الأصل في المسلم أن لا ينحى منحى رهبان الصوامع والأديرة المنعزلين عن الناس
فيا عباد الله
لا تتعبدوا لأنفسكم وتتجاهلوا الناس كما يفعل هؤلاء الرهبان , ولا تغالطوا أنفسكم وتغتروا بما أنتم عليه من تحقيق هذا الفرض المتعلق بذمتكم , فالصلاة التي نؤديها هي لنا و فائدتها تعود علينا ولكن الأمة لا تستفيد منها بشيء
فهي تحقق لنا كأفراد القيمة الروحية التي قصدناها من خلال أدائنا للصلاة , وهذه القيمة الروحية خاصة بنا ولا ينازعنا فيها أحد
ولكننا لا نستطيع أن نعالج بصلاتنا وصيامنا وورعنا وحسن خلقنا المشكلة السياسية , فنحن اليوم كما يعلم القاصي والداني والجاهل والمتعلم في أمس الحاجة إلى الحلول السياسية لكل مشاكل الأمة خاصة والبشرية عامة .
وكذلك عباد الله الدعاء الأبتر الذي لا يصحبه العمل الجاد فإنه لا يغير من حال الأمة شيئا , فمن اكتفى بالدعاء دون العمل , عليه أن يعلم أن السماء لا تمطر حلولا لمشاكلنا ولا دولا على رأسها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي , رضي الله عنهم جميعا .
فادع ما شاء لك أن تدعو واستغث بالله ما شئت أن تستغيث به - سبحانه وتعالى - . وابك تضرعا له ما شاء لك أن تبكي , فإن حالك وحال أمتك لن يتغير ما لم ترفق دعائك هذا بالعمل الصالح الذي تصلح به ما أفسده الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر و تعمل على إقامة سلطان الإسلام في الأرض.
وتصدق بما شئت من أموالك , فإن هذه الصدقات لا تعالج فقر العباد والبلاد ولا تفي بحاجة الجائعين والمحرومين , فالمعضلة الاقتصادية لا تعالج إلا بالحل السياسي ومنه العلاج الاقتصادي .
عباد الله
هذا هو واقعنا المؤلم، ليس له من دون الله كاشف .
فمن ذا الذي سينقذنا منه ؟
أتظنون أن هيئة الأمم أو مجلس الأمن أو مجموعة الدول الأوروبية أو المنظمات الصليبية, أو غيرهم من التجمعات السياسية , هم الذين سيتولون عنكم معالجة مشاكلكم السياسية والاقتصادية , و يتولون لمّ شعثكم وضم جراحكم ؟
أم أن الواجب يقتضي منكم أنتم أيها المسلمون أن تتكفلوا بهذا الواجب وتتحدوا وتضموا جهد بعضكم إلى بعض لتنتشلوا الأمة من هذا الواقع المشين وترتفعوا بها من الدرك الأسفل إلى عليين ؟ .
ليسجل عنا التاريخ غير الكلمات التي سجلها في الثمانون عاما التي خلت فما سمعنا أن تاريخنا سجل عنا غير
كلمات القتل و التدمير و التجريف و الاحتلال و الاغتصاب و التشريد و الظلم وكل كلمات الذل و الهوان
نعم عباد الله ….. مضى ثمانون عاما و تاريخنا لم يسجل عنا بطولات خالد و صلاح الدين
بطولات أجدادنا الذين سطروا بها صفحات التاريخ
وأود عباد الله قبل أن أنهي هذا الدرس أن أقص عليكم حادثة " عروة ابن مسعود " لنستقرأ منها أمرين هامين يتعلقان بموضوعنا .
فقد روى ابن إسحاق : أنه لما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عائدا إلى المدينة من تبوك في رمضان, اتبع أثره رجل يقال له " عروة بن مسعود " حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم بين يدي الرسول ثم سأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام, فقال له رسول الله , إنهم قاتلوك لقد عهدت فيهم نخوة الامتناع , فقال عروة, يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم , وكان فيهم كذلك محببا مطاعا , فلما عاد إلى قومه خرج يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم , فلما اشرف عليهم ودعاهم إلى الإسلام , وقد أظهر لهم دينه , رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله , فقيل له ما ترى في دينك ؟ قال كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي .
فانظروا ودققوا معي أيها الأخوة الأفاضل ما جاء في هذه الحادثة .
رجل يعرض نفسه على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيسلم ثم يعود في الحال إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام فيقتل , رجل لم يتسنى له أن يتعلم من الإسلام ما تعلم الكثير منا, ولكنه وهب نفسه إلى ربه واستبشر بالشهادة , رجل لم يتردد ولم يتلكأ ولم ينتظر لحظة واحدة بعدما عرف الحق , رجل كان يعرف مصيره مسبقا , أنهم قاتلوه لا محالة , لأن الذي أخبره بذلك هو الصادق الآمين – صلوات ربي وسلامه عليه – رجل فيه نخوة الرجولة والاستجابة لأمر الله .
أما قومه فقد وصفهم الرسول بأن فيهم نخوة الامتناع , لا ينصاعون للحق بسهولة , قوم فيهم ما فيهم من التحجر والعناد وعدم الاستجابة .
ونحن عباد الله
نعاني من هذه النخوة المشؤومة , فأكثر أبناء الأمة غلبت عليهم نخوة الامتناع .
ندعوهم إلى الله فلا يستجيبوا
ونبين لهم الحق من الباطل فينقلبون على أعقابهم كأنهم لا يسمعون
نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فلا يذعنوا
نوضح لهم أفكار الكفر والضلال فيزدادون تمسكا بها
نكشف لهم المؤامرات والخطط التي تستهدف كيانهم فيلوون أعناقهم
ننبههم من عملاء السوء وحكام الجور فيتضاعف ولائهم لهم
ونحذرهم من سخط الله فلا يرتدعون
إنها نخوة الامتناع , إنها نخوة و يالها من نخوة شؤم وبؤس .
فيا عبد الله يا من تسمعني ,انظر في حالك, أنظر هل فيك هذه النخوة بالامتناع , أم فيك نخوة الاستجابة للحق والاستماتة عليه , فتش يا أخي بين طيات نفسك , فإن الساعة قريبة و الحساب ينتظرنا فإما جنة الخلد ودار السلام وإما جهنم ودار البوار , أعاذنا الله منها جميعا , ونسأل الله أن نكون ممن يستمعون إلى الحق فيستجيبون له .
? فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " ?.
اللهم أعزنا بالإسلام وأعز الإسلام بقيام دولة الإسلام , اللهم اجعلنا من العاملين لقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة , اللهم اجعلنا من عبادك الذين يقولون الحق لا يخشون فيك لومة لائم ,اللهم يا من له العزةُ والجلال، يا من له القدرةُ والكمال، يا من هو الكبيرُ المتعال ، نسألك اللهم عزاً وتمكينا ًفي الأرض ، اللهم كن لنا ولا تكن علينا ،اللهم إليك نشكو ظلم الحاقدين والظالمين والملحدين والمجرمين، اللهم سلّط عليهم يداً من الحق حاصدة، ترفع بها ذلنا، وتعيد لنا عزنا، وتسقط بها عدونا، اللهم عليك بمعقل الظلم والإلحاد، اللهم عليك بأمريكا معقل الكفر والفساد، أفسدوا في أرضك، وقتلوا عبادك، وأهانوا دينك، اللهم أنت بهم عليم، وأنت عليهم قدير, يا رب العالمين , وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين . والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .