كان جالساً مسترخياً على احد المقاعد أمام شرفته ، يرشف من كوب الشاي الذي أعدته له زوجته .. ويسحب نفسا من سيجاره .. كان غارقا في التفكير لدرجة أنه لم يشعر بزوجته التي جلست بجانبه تحتضن كوب الشاي الآخر ..
كان يحدق بالأفق ، وقد اقتربت الشمس من المغيب وامتزج الأفق بحمرة أفولها وكأنها تنشر شراعها الأحمر الشفاف تعلن عن إبحارها في سكون الليل .
قالت له : غدا عيد زواجنا التاسع عشر .. فنظر إليها نظرة إعجاب كسولة ، فقد كان يفكر تماما فيما قالته أم أولاده الثلاثة والتي أفنت عمرها في تربيتهم على أكمل وجه ..
رشفا سويا رشفة أخري من الشاي اللذيذ .. وأسند هو رأسة إلى الخلف وجال بخلده شريط الذكريات منذ أن رآها لأول مرة ، وحتى جلوسه على هذا المقعد ...
أياما مرت بسرعة البرق إجتهد فيها كثيرا فقد كان يعمل موظفا في أحدى المصالح الحكومية ، ولما اشتد به الحال توجب عليه ان يجد عملاً اضافيًا له .. فكان يومه كلّه في العمل تقريبا ، وما أن يأتي إلى البيت حتي يزحف اليه النوم من كل صوب وحدب ، فلا يكاد يفرغ من طعامه حتي يغط في النوم ..
تاركا البيت والأولاد مسئولية تامة لزوجتة التي كثيرًا ما حلم معها بحياة أفضل .. ثم ابتسم وهو يتذكر ما فعلته هذه الزوجة المخلصة من وصل الليل بالنهار من اجله وأجل أولاده .. فقد كانت أسرة متحابة وهادئة إلى أبعد الصور ...
والآن .. وقد زاد رزقه واصبحت الحياه رغيده وتسير بشكل أفضل حيث أصبح الآن صاحب مكتب للعقارات إنتهى من تأسيسه مؤخرا .. وقرر أن يبقى مع اسرته بعض الوقت ليعطيهم شيئا مما فقدوه ..
هز رأسه وأمسك بكوب الشاي .. فوجده قد فرغ .. فابتسم ثم تنهد تنهيدة خفيفة وألقى برأسة مجددا على الكرسي ..
وقال لزوجته التي لاتزال تمسك بكوب الشاي بين يديها : ما رأيك أن نذهب أنا وأنت فقط إلى مكان بعيد..بعيد عن العائلة والأولاد..أريد أن أشاهد البحر..وأسير على الرمال أنا وأنت فقط ، نتذكر الأيام الجميلة التي عشناها في أول زواجنا ...
لم ترد .. حتى أحس بالصمت حوله .. فكرر السؤال .. ولقي نفس المصير .. الصمت
فاعتدل على مقعده ونظر إليها فوجدها تغط في نوم عميق!