أخشى أن نقول : رحم الله أيامك يا قذافي !
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد عمّ الهرج والمرج ، وساءت الحال ، وسالت الدماء ، وامتلأت المستشفيات ، وانعدم الدواء أحيانا ، وقلّ الخبز في بعض المناطق الليبية بفعل قطاع الطرق كما يقال في وسائل الإعلام ، وكل هذا في نظر المراقبين هو بداية وليست منتصف الطريق أو حتى نهايته .
إننا نرى الوضع الراهن في ليبيا يتأزم لحظة بعد أختها ، وملامح الخروج من عنق الزجاجة تسوَدّ ، حتى لتخال أن عنقها قد امتد ما بين المشرق والمغرب .
اتضحت رؤى الغرب عن الوضع الليبي ؛ وبدت جلية في تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية ؛ بأن الخيارات كلها متاحة لحل الأزمة الليبية ، ومن بينها الخيار العسكري ، وزاد وضوحها تحوّل الحمامة الهادئة ( أوباما ) إلى صقر كاسر ، يحدّق من الأفق البعيد على الفريسة الجديدة ، وكيف يناوشها ، ويحكم قبضته عليها ، بحجة الوقوف مع الشعب وإرادته حينا ، وتأمين منابع النفط أحيانا أخرى .
وقد بدأت الإدارة الأمريكية منذ مدة بتحريك بوارجها الحربية قبالة السواحل الليبية ، والتلويح للقيادة والشعب الليبي بأننا قادمون ، وللدول المجاورة بأننا حاضرون ، فلا تستغربوا دخولنا فنحن حماة الشعوب ، مُؤَمِّنوا امدادات النفط للعالم أجمع ، فكونوا جاهزين للترحيب بنا .
وأكثر من فهم الإرادة الغربية الخبيثة ، المساير لهم والمتتبع النهج الخبيث : معمر القذافي ، فقد صرّح عدة مرات بهذا الشأن ؛ ليس خوفا على ليبيا وثرواتها وأهلها ، بل لتشتيت المناهضين له ، وزرع الفتنة بينهم ، وادعائه حمل الهمّ الليبي ( وكلٌ يدّعي وصلا بليلى ) .
بدأت الدول المجاورة تعدّ العدة لمواجهة ما هو أسوأ على الخارطة الإقليمية ، فها هي الجزائر ؛ تحرك فصائل من الجيش لتتمركز على الحدود الليبية ، ومصر ستتبعها إن لم تكن قد سبقتها .
أيها القارئ الكريم :
تذكر معي قبل عقدين من الزمان تقريبا ، كيف كانت هي الحال في العراق ، من سوء ، وجوع ، وفقر ، ومرض ، ودكتاتورية ، وكل ذاك لم يكن إلا بسبب القيادة البعثية في العراق ، وكل ما حصل لهم هو نتاج تهوّر النظام العراقي بشعبه وبمن هم بجواره ؛ أهلك الحرث والنسل في حلبجة والجنوب ، واعتدى على الجارة الكويت ، وجيّش جنوده لغزو السعودية لتحرير فلسطين ( كما زعم حينها ، وقد أيّدته بعض الدول العربية حينها ) ، وبعد ذلك كله ؛ جعل النظام العراقي الصديقَ في حربه ضد إيران عدواً ، فمارست الأمم المتحدة ضد النظام العراقي وشعبه أبشع العقوبات ، وتمت مبادلة النفط بالغذاء ، الذي مارس فيه البعض أساليب الاختلاس والتحايل على مرأى العالم ومسمعه .
وبعد كل تلك السنين العجاف ، دخلت أمريكا العراق زعما منها محاربة الإرهاب ، والتفتيش على المواقع النووية ، فأسقطت النظام ، وعمت الفوضى من أول يوم أسقطوا فيه بغداد ، وانعدم الأمن ، وكثر الهرج ( القتل ) ، واستبيحت الأعراض والدماء والأموال من قِبل بعض الشعب في بعض ، وصرنا لا نسمع سوى قتل بالعشرات يوميا ، ويصل أحيانا إلى المئات ، وبدأت الحرب الطائفية ، وانتشر الخوارج في البلد ، فكانت لهم في العراق موطئ قدم آمن ، ومرتعا خصبا لفكرهم ، ومناخا مناسبا لتفجيراتهم .
منذ ذلك الحين – حين سقوط النظام العراقي – والشعب يرزح تحت وطأة الطائفية ، والفساد الإداري ، والتلاعب بمقدرات البلد حسب الميول السياسية والطائفية لرئيس الحكومة .
وبسبب ما آلت له الحال العراقية من سوء ، بكى الشعب العراقي ، وبكت معه الشعوب الأخرى ، وقد رددوا سويا : رحم الله أيامك يا صدام .
وما هو قائم في ليبيا مؤشر خطير لتفاقم الأزمة وتصعيدها ، لتجيز القوى الغربية لنفسها بعد ذلك الدخول العسكري ، والسعي لتأمين منابع النفط ، ثم إعانة الشعب الليبي على الحكم الظالم .
وحين يكون ما لا نرجوه ، سنبكي كما بكينا سابقا ونقول : رحم الله أيامك يا قذافي .