صيحة من السماء
[/CENTER]
كتب/ مهدي الجيلاني
نقلاً عن موقع (التغيير نت)
لا يخلو وضع الزعماء العرب اليوم من الطرافة فما يحدث لهم لا يبدو عادياً ولا طبيعياً بأي حال من الأحوال لأن موجة الاحتجاجات التي تستهدف أنظمتهم ليست عادية ولا طبيعية أيضاً.. لأنها لم تفرق بين نظام ونظام ولا بين مجتمع ومجتمع ولا بين وضع اقتصادي ناجح نسبياً وآخر متردٍ بمعنى الكلمة.
خلال السنوات الماضية قدم الإعلام والمراقبون كلاً من سلطنة عمان وتونس بوصفهما بلدين ناجحين تنمويا، وكان ذلك النجاح دالاً على نجاح الإدارة في البلدين.. عمان أحسنت إدارتها استثمار مواردها النفطية القليلة نسبياً قياساً ببلدان نفطية أخرى في المنطقة وتونس أحسنت إدارتها استثمار خبرات أبنائها في الاقتصاد والسياحة.
كما قدمت الأردن والمغرب بوصفهما بلدين ناجحين بتحقيقهما نمواً اقتصادياً لا بأس به إلى جانب تقدمهما في مجال الحريات الاجتماعية والسياسية وصلت حد تداول السلطة التنفيذية بين أحزاب المغرب.
وسجل للنظام المصري تحقيقه أطول فترة استقرار أمني في المنطقة إلى جانب نمو اقتصادي بلغ 7% وهو نمو كبير نسبة إلى حجم الشعب المصري ومتطلباته الاستهلاكية.
وفي حين بقيت بلدان مثل الإمارات والسعودية وقطر والكويت وليبيا بمنأى عن أي حسابات نظراً لكون عوائدها النفطية الضخمة كانت دائماً تغطي على عيوب الإدارة والفساد.. ظلت الأنظار تتجه بشكل مستمر إلى بلدان عربية بعينها تعاني مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وطائفية إثنية تعددت أسبابها وإن كان سوء الإدارة والفساد هما السبب الأكبر في متاعب وعدم استقرار تلك الدول أعني هنا اليمن والعراق والبحرين والسودان والجزائر.
إلا أن ما حدث مؤخراً خلط كل الأوراق فقد بدأت الثورة من تونس ثم عصفت بمصر لتشتعل على نحو دراماتيكي مثير في معظم البلدان العربية غير متوقفة ولا آبهة بتلك التوصيفات التي أسلفناها وها هي- وإن بنسب متفرقة- تعصف بليبيا واليمن والبحرين وعمان والأردن والعراق والجزائر والمغرب وتوشك أن تهب غداً على السعودية والكويت وسوريا.
وهذا يجعلنا- عوداً على بدء- نقول أن هذا الوضع بمقدار ما يدل على حياة المجتمعات العربية وحراكها وقدرات الشارع العربي على استعادة المبادرة والفعل عكس ما كانت تروجه النخب العربية والإعلام الخارجي فإن هذا الوضع أيضاً يشير إلى مفارقات طريفة يتعرض لها الحكام العرب اليوم فلطالما تماثلوا بدكتاتورياتهم وقصورهم وبذخهم وسيطرة أقاربهم على كل شيء وهاهم اليوم يتماثلون في أوضاعهم المنهارة وضياع كل شيء من أيديهم بدءً من فوات فرص التوريث مروراً بتجميد الأموال وتمزيق الصور ووطئها بالأحذية والشتائم التي يكيلها لهم المواطنون أمام وسائل الإعلام وانتهاءً بالمطالبة بمحاكمتهم.
وضع لم يكن أحد منهم ليتصوره قبل ثلاثة أشهر من اليوم.
إن تفسير ما حدث لهؤلاء الزعماء وأنظمتهم البائسة يتجاوز كثيراً الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والإقليمية والدولية فهو- وهذا تفسير أحس إحساساً خاصاً بمصداقيته- عقاب إلهي ترتب على مدد لهم في الحكم زاد طولها عن المعقول وخطايا ارتكبوها في حق مواطنيهم لا عقاب لها إلا السقوط الجماعي والعلني والفاضح في نفس الوقت.
استحضر بهذه المناسبة تفسيراً لأحد الأتقياء هو الربيع بن أنس في قول الله تعالى:"إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضةً فما فوقها". فقد فسر الربيع بن أنس: هذا الآية تفسيراً طريفاً ينطبق تماماً على حكامنا وأنظمتهم وما يحدث لهم اليوم.. قال الربيع بن أنس: هذا مثل ضربه الله للدنيا، إن البعوضة تحيا ما جاعتْ، فإذا سمنت ماتتْ. وهذا ما حدث لزعمائنا وأنظمتهم فقد سمنوا وسمنت خزائنهم وكدسوا الأموال في أقبية القصور وفي بنوك الجهات الأربع من الكون ومع ذلك فقد ظل شرههم يزداد وظلوا كل يوم يفاجئون مجتمعاتهم بابتكارات عجيبة في فنون السلب والنهب والسرقة وصلت حد الاحتيال لأخذ اللقمة من أفواه الجياع من أبناء شعوبهم وهنا وصل إمهال الله لهم منتهاه فأخذهم أخذ عزيز مقتدر مصداقاً لقوله جل وعلاً: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ وما أجمل التصوير القرآني في قوله (أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً) فقد أُخذ زعمائنا المساكين بغتة بالفعل وإن صورهم التي تعرض كل يوم على الشاشة لتؤكد على إبلاسهم الواضح فالمبلس كما تقول معاجم اللغة العربية: هو المندهش المتحير الحزين الواجم المغموم اليائس الذي قطع الرجاء من رحمة الله تعالى.
بتعبير شعبي تهامي دارج يمكننا أن نقول أن ما حدث لزعمائنا وأنظمتهم هو: (صيحة من السما) لا رادّ لها ولا دافع..
النصيحة لكل الزعماء العرب أن يعتبر اللاحق منهم بالسابق وألا يطيلوا أزمات شعوبهم.. فما يحدث قبل أن يكون إرادة الشعوب هو إرادة الله وقد شاءت إرادة الله أن يرحلوا غير مكرمين.
28 / 2 2011م