رؤية في ثلاثية أحلام مستغانمي
ذاكرة الجسد – فوضى الحواس – عابر سرير .
و نحن نقرأ نثر المبدعة ( أحلام مستغانمي ) عبر ثلاثيتها المعروفة
تحملنا برفق إلى فضاء بهي جميل دون أن نشعر ، و إذا بنا نتشبث
بنوافذ إبداعها ورغم ألم الأصابع نخشى أن نفلت أيدينا خوفاً من السقوط .
أحلام مستغانمي ، يكفينا تعريفاً بها ما قاله الشاعر الكبير نزار قباني رحمه الله بعد أن قرأ ذاكرة الجسد : " قرأت رواية - ذاكرة الجسد- لأحلام مستغانمي، وانا جالس امام بركة السباحة في فندق سامرلاند في بيروت.
بعد ان فرغت من قراءة الرواية، خرجت لي أحلام من تحت الماء الأزرق، كسمكة دولفين جميلة، وشربت معي فنجان قهوة وجسدها يقطر ماء..
روايتها دوختني. وانا نادرا ما ادوخ امام رواية من الروايات. وسبب الدوخة ان النص الذي قرأته يشبهني الى درجة التطابق، فهو مجنون، ومتوتر، واقتحامي، ومتوحش، وانساني، وشهواني، وخارج على القانون مثلي. ولو ان احدا طلب مني ان اوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر... لما ترددت لحظة واحدة.
هل كانت احلام مستغانمي في رويتها (تكتبني) دون ان تدري.. لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء، بجمالية لا حد لها. وشراسة لا حد لها.. وجنون لا حد له..
الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور.. بحر الحب، وبحر الجنس، وبحر الايديولوجية، وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها ومرتزقيها، وابطالها وقاتليها، وملائكتها وشياطينها، وانبيائها وسارقيها.
هذه الرواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب، ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري، والحزن الجزائري، والجاهلية الجزائرية التي آن لها ان تنتهي..
وعندما قلت لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية احلام، قال لي: لا ترفع صوتك عاليا... لأن احلام اذا سمعت كلامك الجميل عنها، فسوف تجن..
أجبته: دعها تجن لان الاعمال الابداعية الكبرى لا يكتبها الا مجانين!!."
تمسح أحلام مستغانمي في ثلاثيتها الغبارَ عن تضاريس الهم الوطني عند الجزائريين الذي رُسِم على نفوسهم بريشة الكفاح و ألوان العذاب بتدرجاته المختلفة، و تؤمن أحلام بوجوب الثقافة و حب الوطن عند الشباب و الدليل على ذلك بطلة الرواية ( حياة )
فتاة على قدر من الجمال و الثقافة، كاتبة، ابنة مناضل كبير ذاع سيطه، و انتسبت إلى المجتمع المخملي عند زواجها من ضابط كبير، مالذي يجعلها تحب رجلين معاقين جسدياً؟؟،تخيلوا معي في عصرنا فتاة بهذه المواصفات تعشق معاقاً!!!، ربما لأنها وجدت فيهما ثقافة و تضاريس وطن لاسيما أن إعاقتهما كان سببها الوطن، رغم ذلك تبحث البطلة عن الأفضل، عندما أحبت الشاعر الفلسطيني ( زياد ) و تخلت عن ( خالد بن طوبال ) في ( ذاكرة الجسد ) لكن الوطن أخذه منها، و كذلك في (عابر سرير ) أحبت الصحفي ( عبد الحق ) و سرقه الوطن أيضاً، هذا رأي أحلام الذي قرأتُهُ بين سطورها.
المذهل في أحلام مستغانمي كيف تدخل روايتها، أسلوب غريب جميل لذيذ و شعرت بها تقول: سأدخلكم إلى فضاء الأحداث من حيث لا تدرون.
و خصوصاً في (فوضى الحواس) ، لا تدع أحلام للقارئ مجالاً للسكون إذ أنها ترسل الرعشات المتتالية عبر صورها المبتكرة و تتقن كيف و متى ترفع من وتيرة هذه الرعشات الوجدانية و خاصة في الحوارات التي دارت بين أبطال الثلاثية.
كانت بطلة الثلاثية ( حياة ) وقعت بحب رجلين و تعمدت الكاتبة أحلام أن تتكلم بلسان البطلة في الجزء الثاني أما الأول و الثالث فتكلمت بلسان الحبيبين لتكون البطلة بين قوسين كما تحكي الثلاثية
ثم إن أحلام تحارب في ثلاثيتها العادات و التقاليد البالية في المجتمع الجزائري و هذا ملحوظ بشكل جلي لكن الإبداع يتجلى بكونها امرأة و تتكلم بلسان الرجل و تترجم أحاسيسه و رغباته و عنفوانه في شتى المجالات، هذا ما أبدعت به أحلام
و في النهاية لمحت شيئاً من الغرور في نهاية الثلاثية ( و يحق لها )
عندما أنهت ثلاثيتها بــ ( عابر سرير ) و قالت:
ماذا أستطيع ضدّ قدر حجز لي في سفريات الحياة مقعداً فوق رائحة.. وجوار عطر, يستقلان الطائرة نفسها.
وحدها العجوز المتشبثة بذراعي تشبّثها بالحياة كانت تصلني دعواتها وابتهالاتها المذعورة.
كان صوت المضيفة يعلن:" الحرارة في الخارج ست درجات. الساعة الآن تشير إلى الحادية عشرة والنصف ليلاً. الرجاء إبقاء أحزمتكم مربوطة. لقد حطّت بنا الطائرة في مطار محمد بوضياف.. قسنطينة".
و كأنها تقول للقارئ: لقد انتهت رحلتك مع إبداعي و سنفترق الآن أين ستذهب أيها المسكين فالساعة متأخرة البرد قارص خارج هذا الكتاب.
و في النهاية أقول: لست ناقداً، و من أنا لأنقد أحلام مستغانمي إنما قرأت بين سطورها و فهمت أشياء أحببت أن أبوح بها، و هذه رؤية و ليست نقداً .
تحياتي للجميع