السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الوأواء الدمشقي
نسبــه
تكاد المصادر التي بين أيدينا تتفق على أن اسم الرجل محمد وأن أباه أحمد و أن كنيته أبو الفتوح ، و نسبه الغساني الدمشقي ؛ فقدورد في المحمدين عند القفطي و الكتبي و ابن عساكر . فهو غساني ، و لعل نسبه يتصلب الغساسنة القدماء الذين قطنوا الشام قبل الإسلام ، و سجلوا في تاريخه صفحات
طيبة ، منهم الملوك و الأمراء و إليهم يفد من أقصى الجزيرة الشعراء . فهو عربي في نسبه ، و هو عربي في لغته . و لعل كلمة الدمشقي في المصادر تفيد أنه ولد في دمشق . أو نشأ فيها ، أو قطنها حيناً من زمن ، فقد ترجم له ابن عساكر في جملة الدمشقيين . فهو إذاً دمشقي من غير شك ، قد أخذ من لغة القوم ، و عمل في بلدهم ، و عد فيهم ،و كان مجال فخر لهم ، فقال الذهبي فيه : " هو من حسنات الشام ، ليس للشاميين في وقته مثله " .
لقبــه
و تتناقل المصادر التاريخية و الأدبية خبراً رواء الثعالبي في اليتيمة . أول من روى ،
ثقلاً عن أبي بكر الخوارزمي أن لقب " الوأواء " علق به لأنه كان منادياً في دارالبطيخ بدمشق
ينادي على الفواكه " .
و لا نستطيع أن ننفي هذا التعليل ، كماأننا لا نستطيع أن نجد له ما يثبته ؛ فالخبر ورد عن
الخوارزمي وحده ، و نقله الثعالبي من غير تحقيق ، ثقة منه بالرجل ، فقد أخبرنا أن الخوارزمي دوخ بلاد الشام و حضر مجلس سيف الدولة زمناً ، و نقل من الشعر و الأخبار كثيراً .
و نحن نجد مثل هذا التعليل عند المؤلفين الأقدميين ، سواء في ذلك ما يخص أسماء المدن أو لقب الأعلام .
و نسمع اختلافهم حوله فنقابل ذلك بكثير من التحفظ ، لسعة الخيال عندهم، و سهولة التخريج لديهم .
فالخوارزمي يرى أنه لقب " بالوأواء " لأنه كان يصيح يومه ليبيع الخضرة و الفاكهة .
معنى الوأوأة :
صياح ابن آوى أو صياح الكلب كما أثبت ذلك صاحب " التاج " و صاحب " الأساس " ،
و كما نعرف اليوم من لهجة الشام .
و قد ذكر القفطي نقلاً عن ابن عبد الرحيم في " طبقات الشعراء " : أن الوأواء كان في أول أمره أحد العامة ، و كان جابياً في فندق ، يتولى بيع الفاكهة ، و يجتني أثمانها ، و لم يكن من أهل الأدب ، ولا ممن يعرف يقول الشعر .
وقال الباخرزي في دمية القصر : "
و أما أبو الفرج فقد كان يسعى بالفواكه رائحاً و غادياً ،
و يتغنى عليها منادياً . وهذا يدل على تردد القدماء في ترجمة الوأواء وطريقة بيعه للفاكهة . وربما كان في فندق بدارالبطيخ ، إذا شئنا أن نجد حلاًّ لنصل منه إلى أن الصبيّ كانت له حرفة بسيطة ،
والواقع أننا لم نقع في ديوانه على فخر له بأبيه . أو أسرته ، فهو فقيرٌ يقوم بأودبيته ولا سبيل له إلاّ العمل . وقد كان غيره من زملائه لعصره : سقاء ، وخبازاً ،ورفاء ، وطباخاً ، وبلغوا مرتبة عالية في الشعر ، وسار شعرهم ، وطبعت دواوينهم .
ونحن نعرف رجلاً آخر لقب " بالوأواء " كذلك ، وعاش في القرن السادس للهجرة،
وكنيته كذلك " أبو الفتوح " ولم تخبرنا المصادر عن سبب تسميته بالوأواء ، بل اكتفت بذكر ترجمته "
عبد القاهر بن عبد الله بن الحسين الحلبي النحوي ، الشاعرأبو الفرج المعروف بالوأواء "
ذكر الصفدي أنه شرح ديوانه المتنبي ، ومات بحلبسنة 551 هـ . ونقل عنه السيوطي ذلك في
بغية الوعاة وذكره كذلك حاجي خليفة ،بصدد ديوان المتنبي وشراحه . وحدد وفاته 613 هـ .
بعض من أشعاره:
دواء قلبي في الهـوى دائـي أعيـا علاجـات الأطـبـاء
حويت أسقام الـورى مفردا وحازها النـاس بأسـمـاء
لو شئت أن أمشي لفرط الضنى..مشيت من سقمي على المـاء
وقال أيضا
أقلا عتابي قد مللـت مـن العتب ** يطيعكما لفظي ويعصيكمـا قلبـي
لقد أخصبت في الخد مني مدامع **وقلبي من صبري على غاية الجدب
في حفظ الله
نَالَتْ عَلَى يَدِهَا مَا لَمْ تَنَلْـهُ يَدِي** نَقْشاًعَلَى مِعْصَمٍ أَوْدَتْ بِهِ جَلَدِي
كَأنـَّهُ طَرْقُ نَمْـلٍ فِي أنَامِلِهَـا ** أَوْ رَوْضَةٌ رَصَّعَتْهَا السُّحْبُ بالبَـرَدِ
وَقَـوْسُ حَاجِبُهَا مِنْ كُلّ ِنَاحِيَـةٍ ** وَنَـبْلُ مُقْلَتِـهَا تَرْمِي بِهِ كَبِـدِي
أُنْسِيَّةٌ لَوْ رَأتْهَا الشَّمْسُ مَا طَلَعَتْ** مِنْ بَعْدِ رُؤيَتِـهَا يَوْماً عَلَى أَحَـدِ
سَأَلـتُهَا الوَصْلَ قَالَتْ لاتُغَـرَّ بِنَا ** مَنْ رَامَ منَّا وِصَالاً مَاتَ بالكَـمَدِ
فَكَمْ قَتِيلٍ لَنَا بالحُبِّ مَاتَ جَـوَىَ ** من الغَـرَامِ وَلَمْ يُبْـدِي وَلَمْ يَعِـدِ
فَقُلْتُ : أَسْتَغْفِـرَ الرَّحْمنَ مِنْ زَلَلٍ** إِنَ المُحِبَّ قَلِيلُ الصَّـبْرَ وَالجَـلَدِ
قَدْخَلَّفَتْـنِي طَرِيـحاً وَهي قَائِلَه ** تَأَمَّـلُوا كَيْفَ فَعَلَ الظَبْيِ بالأَسَـدِ
فَقَالَ : خَلَّفْتُـهُ لَوْ مَاتَ مِنْ ظَمَأٍ **وَقُلْتِ : قِفْ عَنْ وَرُودِ المَاءِ لَمْ يَرِدِ
وَاسْتَرْجَعَتْ سَألَتْ عَنِّي فَقِيْلَ لَهَا** مَا فِيهِ مِنْ رَمَـقٍ ، دَقَّتْ يَدَّاً بِيَـدِ
وَأَمْطَرَتْ لُؤلُؤاً منْ نَرْجِسٍ وَسَقَتْ**وَرْداً وَعَضَّتْ عَلَى العنَّابِ بِالبَـرَدِ
وَأَنْشَـدَتْ بِلِسَانِ الحَالِ قَائِلَـةً ** مِنْ غَيْرِ كَرْهٍ وَلاَ مَطْـلٍ وَلاَ مَـدَدِ
وَاللّهِ مَا حَزِنَتْ أُخْـتٌ لِفَقْدِ أَخٍ ** حُـزْنِي عَلَيْـهِ وَلاَ أُمٍّ عَلَى وَلَـدِ
إِنْ يَحْسِدُونِي عَلَى مَوْتِي فَوَا أَسَفِي **حَتَّى عَلَى المَوتِ لاَ أَخْلُو مِنَ الحَسَدِ
بامكاننا القول أنهامن أجمل ما قيل في الغزل يوماً ,
بالرغم أن البعض نسبوها ليزيد ابن معاوية بسبب أن الشاعر الأصلي مغمور
و قليل من سمع بالوأواء الدمشقي
موسوعة الشعرالعربي