|
كلُّ المسافاتِ في عينيكَ تُختَصرُ |
وكلُّ بارقةٍ في بؤبؤٍ قمرُ |
لا غُروَ إذْ تتلقّى الموتَ مبتسماً |
ضحوكُ مستقبلٍ في الخلدِ ينتظرُ |
فرقرقِ الروحَ في أقداحِنا رمقاً |
يدبُّ في ميّتٍ ساجٍ فينتشرُ |
من ألفِ عامٍ وشمسُ الجدبِ تلفحُنا |
فاسكبْ لنا ديمةً كالخمرِ تُعتصَرُ |
ها أنت سنبلةٌ تُزري بمنجلِهم |
فلْيحصدوها فباقي القمحِ مدّخَرُ |
وأنت في روضِنا الصوّاحِ داليةٌ |
وكلُّ أعنابِها بالثأر تختمرُ |
وأنت في غُرّةِ القِرطاسِ قافيةٌ |
كلُّ السطورِ على الأعقابِ تنحدرُ |
وأنت في زمنِ الإسفافِ أغنيةٌ |
لم يحكِ نشوتَها نايٌ ولا وترُ |
صوتٌ يجوزُ جدارَ الصمتِ مخترِقاً |
دعني أرددهُ:فلْتسقطِ الجُدرُ |
إني التحقتُ على شوقٍ بقافلةٍ |
تنبّهتْ بعد ردْحٍ أننا بشرُ |
وأنّ رِبقتَها ليست لها قدراً |
بل إنّ حريتي من خالقي قدرُ |
أقودُ في غيهبٍ داجٍ ازمّتّها |
أحدو لها ورصاصُ القمعِ منهمرُ |
أنضو ثقيلَ لِحافٍ عن محاجرِهم |
فينتضي فجرَهُ من غِمدِه السَّحَرُ |
لم أُلْقِ عبئي على جيلٍ ولا خَلَفٍ |
بل الطريقُ على الأجيالِ مُختَصَرُ |
أزُجُّ في أُذُنِ الطغيانِ أغنيتي |
وأُلقِمُ البُكمَ صوتي ثم أنتحرُ |
تنكّرتْ وجهَنا للبعضِ ذاكرةٌ |
وأنكرتْ طيرَها من صمتِهِ الشجرُ |
هذي دِمانا وليس الماءُ قد سُفحتْ |
أَم كالشقيقِ يُواري لونَهُ المطرُ |
فاستغشِ مني بثوبِ العارِ منطوياً |
هيهاتَ يُخطئُ شمساً في الضحى بصرُ |
واجعلْ أصابعَ في أُذْنٍ مصمَّغةٍ |
فلن يصُدَّ الصدى عن سمعِك الوَقَرُ |
للموتِ رائحةٌ يا مَن به صَممٌ |
فكيف أَنفُك بالآذانِ يعتذرُ |
قد حانَ أن تخجلوا مِن غَضِّكم بصراً |
عن قاتلٍ وقِحٍ هيهاتَ يزدجرُ |
هل كنتَ تحسبُ غيظي نزوةً طفرتْ |
في شارعٍ هادرٍ ثم انقضى الوطرُ |
أَم أنّ موتي بسكينٍ لكم عبثٌ |
من غيرِ جدوى وأنى يعبثُ القدرُ |
هذا أنا عارياً صدري أشرّعُهُ |
حتى يبللَني من ضوئه القمرُ |
إنْ تفتحوا برصاصِ الغدرِ نافذةً |
فيه فعاصفتي تُودي بمن غدروا |
وتلك حنجرتي قُربانَ أغنيةٍ |
سفحْتُها فجَرى من لحنِها النهَرُ |
بمِديةٍ قطّعوا أوتارَها سَفَهاً |
وكلُّ ريحٍ سرى في الأرضِ لي وترُ |
ما كنتُ أعلمُ أنّ الصوتَ يجرحُهم |
حتى رأيتُ خَراجَ الحقدِ ينفجرُ |
يا أعزلَ الصوتِ كم أخزيتَ مصطخِباً |
مدججاً بطبولِ الحربِ يفتخرُ |
أنشودتي لم تزلْ تجتاحُ مضجعَهُ |
سِرباً من النحلِ تُدمي جنبَهُ الإبرُ |
وتلك أغنيتي في الجوِّ أصديةً |
ترنُّ خالدةً لم يعْرُها فَتَرُ |
يا للخليلِ ورؤياهُ إذِ انقلبتْ |
هو الذبيحُ فهل للحُلْمِ معتبِرُ؟ |
بلى.. إذا أنبياءُ اللهِ قد قُتلوا |
فاللهُ قبلَ جفافِ الدمِّ منتصرُ |
أنا الذبيحُ وأوداجي مقطَّعةٌ |
وقاتلي في زوايا الخوف يحتضرُ |
لا تعبؤوا بحصارٍ يا رفاقُ فهُمْ |
بألفِ ألْفٍ من الأشباحِ قد حُصِروا |
إنْ مَسّكم من لَغوبٍ في الكفاحِ فها |
أرواحُهم يعتريها اليأسُ والخَوَرُ |
فارجمْ بحشرجةِ الأطهارِ عَقْبتَهم |
فما لإبليسَ إلا اللعنُ والحجرُ |