هذا ولم يمضي وقت طويل على علماء التطور وهم يظنون بأنَّ إنســان نياندرتال "Neanderthal “ هو إنسان قرد، وهو الحلقة المفقودة للجد المباشر للإنسان الحالي فجاءت أبحاثهم لتقول كما جاء في مجلة Harper، عدد كانون أول سنة 1962:
(إنَّ إنسان نياندرتال لم يكن دميماً ولا محدودباً ولا كان شكله شكل حيوان كما يُظَنُ غالباً، بل كانت جماعة منهم تشتكي من التهاب المفاصل)[ 1]، تقول مجلة نيويورك تايمس مجازين: (إنَّ حجم جمجمة الإنسان النياندتال كانت أكبر من حجم جمجمة الإنسان الحالي المتوسط)[2 ] وحتى تتضح الصورة عن ذلك الإنسان المزعوم نرجع إلى الموسوعة الأمريكية حيث تقول (في البدء كان العلماء يظنون أنَّ إنسان نياندرتال كان ذا هيكل قردي، دميماً محدودباً وذا مظهر حيواني. ولكنَّ الأبحاث الأخيرة أظهرت أنَّ أجسام رجال ونساء النياندرتاليين كانت إنسانية تامة وكانت مستوية وذوات عضلات نامية، وكانت دماغهم بحجم دماغ إنسـان اليوم)[3 ]
والغريب المستهجن أن نفس الموسوعة المذكورة، ومع قناعتها المنشورة آنفـاً والتي لا تحتمل أي معنى آخر إلا نفي الصفات الحيوانية عن النياندرتالييـن وإعطائهم السـمات الإنسـانية الكاملـة، ومـع هذا تقدم في مقـالٍ ثانٍ صورة
لأسرة نياندرتالية ممثلة إياهم كالقرود ذوات الهيكل المتجمع والظهر المحدودب والشكل الحيواني!!! وتفسير هذا الموقف الذي يناقض بعضه بعضاً: هو رغبة كافة دعاة التطور إلى عرض الإنسان بتلك الصورة المشوهة، لكي يبرروا بالتالي إصرارهم العجيب على أنّ القرد الإنساني هو جد الإنسان الحالي.
وهناك مستحثات أخرى كانت فيما مضى تُعتبر وكأنها عائدة إلى أنواع مختلفة صنفت حديثاً – ولغاية أرادوها في نفوسـهم – بإلحاقها بالإنسـان الحاضر. وكان جنس "كرومانيون Cro magnon" الذي وُجدَت بقاياه عام 1868 في كهف كرومنيون في الجزء الجنوبي الغربي من فرنسا والذي يتميز بقامته الفارعة المنتصبـة، وبجمجمته الطويلة، وبعينيه الغائرتين، ويعتبره بعض العلمـاء الجـد الأعلى للإنسـان الأوروبي الحديث[ 4] كان هذا الجنس – كما يزعمون – يشبه الإنسـان الحالي شبهاً تاماً في جميع صفاته الخارجية، فقد أكدت المجلـة العلميـة "ساينس دايجست Sciences Digest " بأنَّ دماغ الإنسان ما زال في تناقص من حيث الحجم منذ إنسان كرومانيون، وهذا دليل على التراجع لا على التطور نحو الأفضل.[5]
جنس "كرومانيون Cro magnon"
ويقول "وينشستر Winchester" في كتابه "علم الأحياء وعلاقته بالإنسان": (لقد مضى وقت طويل كان يُظنُ فيه بأنّ الإنسان الحاضر منحدر مباشرة من إنسان جاوه وإنسان روديسيا والإنسان النياندرتالي، ولكن مع توفر الأدلة بدت استحالة هذا الأمر، إذ وجدت بقايا إنسان حقيقي قديم عاصَرَ أجناساً أخرى)[6 ]
وفي نفس الموضوع وتأكيداً لما سبق يقول عالم الأحياء "مارش F.Marsh" في كتابه "التطور أو الحلقة المفقودة": (هناك مثال آخر على تزوير الأدلة في قضية "دبوا Du Bois"[ 7] الذي بعد سنوات من إعلانه أحدث ضجة، والذي قال فيه إنه اكتشف بقايا من إنسان جاوه، اعترف بأنه في الوقت نفسه وفي المكان ذاته وجد عظاماً تعود بلا شك إلى الإنسان الحاضر)[8 ]، وكاتب آخر أدلى بدلوه في القضية وعالجها بطريقته في مقال ظهر في كتاب "Science moderne”: (من الجدير بالملاحظة ألاّ نُهمل الهياكل العظميـة العائدة لإنسان اليوم، والتي وُجِدَت في أماكن متفرقة، وأكثرها في الغالب يدل على أنها قديمة، إذ لم تكن أقدم من هياكل الإنسان "هومينويد Hominoid" والمفترض أنّه أقل رقياً منا، وليس هناك أي دليل راهن يؤكد النظرية التي يراها بعض العلماء، والقائلة بأنّ إنسان نياندرتال وإنسان جاوه وإنسان بكين وغيرهمـا يمثلون أجناساً منحطّة انحدرت من الإنسان العاقل عن طريق الانتقال أو الانعزال وغير ذلك، بل الأصح هو أن نقول بأنّ إنسان اليوم قد انحط عن أجداد كانوا أفضل منه، إذ من المعلوم أنّ جنس كرومانيون الذي سكن أوروبا في فترة قريبة من النيانرتال كان أرقى من إنسان اليوم سواء من ناحية القد أو من حيث سعة الجمجمة)[9 ]، وإنّ هذا هو أبلغ رد على هرطقات دعاة التطور، وضحالة فكر من وضع نظريات التطور والارتقاء المادي، فهو يعطي الدليل على أنّ جميع نظرياتهم كانت عبارة عن افتراضات مسبقة كانت نتاج بتصميم مسبق ولغاية لعقول محدودة وناقصة وعاجزة بلا إثبات وبلا أدلة – وحتى بدون بحوث علمية مسبقة - اللهم إلا لرغبتهم في الشهرة ولخدمة رغبات متركزة في نفوسهم، لذا فقد ابتدعوا نظريات واهية ثمّ طفقوا يبحثون لها عن دليل يؤكدها في المغاور والكهوف وعلى صفحات الصخور والحجارة وبين الفضلات والنفايات.
لقد اعتمد أصحاب تلك النظريات على العظام والهياكل لإثبات صحة ادعاءاتهم، وهاهي نفس العظام والهياكل التي سعوا إليها متلهفين عليها ليثبتوا بها صحة أقاويلهم، إذا بها تكذبهم وتفند دعواهم وتنقض نظرياتهم وتضعهم في تخبُط، فإذا بعلمائهم ينقلبون من مؤيد لتلك النظريات داعياً لها ومثبتاً لأركانها، ينقلبون إلى رافض لها ومكذب لصحتها.
إننا إذا قمنا بالمقارنة بين المصادر السابقة، وخاصة المصدر الأخير،[10 ] إذا قارنا ذلك بما جاء في نظرية التطور والارتقاء المادي التي وضعها داروين مع اقترانها بمفهوم التطور المادي لديهم، فأنا نجد البَون شاسعاً بين أقوال العلماء، مما ينتج عنه فساد نظرياتهم ونقضها من أساسها، وحتى تتضح الصورة أكثر نعود إلى
ما اتفقوا عليه من تعريف لتلك النظرية وبالتالي لتعريف مفهوم التطور لديهم: (إنه يعني ارتقاء الحياة من جهاز عضوي ذي خلية واحدة إلى أعلى درجات الارتقاء وهو بالتالي: التّغير الذي طرأ على الإنسان نتيجة حلقات من التغييرات العضوية خلال ملايين السنين)[11 ]
أمّا الأفكار الأساسية لنظرية التطور والارتقاء المادي فهي تحديداً كما حددته "الموسوعة العالمية" طبعه (1966): (إنّ نظرية التطور العضوي تنطوي على ثلاثة أفكار رئيسية هي:
1. إنّ الكائنات الحيّة تتبدل جيلاً بعد جيل وتنتج نسلاً يتمتع بصفات جديدة.
2. إنّ هذا التطور قديم جداً وبه وُجِدت كل أنواع الكائنات الحيّة.
3. إنّ جميع الكائنات الحيّة يتصل بعضها ببعض بصلة قرابة).[12 ]
فتعريف التطور لديهم، علاوة ما جاء شجرة الأحياء التي وضعها داروين،[13 ] يحتم أن يكون تدرج التطور من الصور المنحطة الدنيا للمخلوقات إلى صور أرقى وأعلى مرتبة منها بالتأكيد، أي أنّ حتمية ظهور مخلوقات أرقى بفعل التطور انحدرت من مخلوقات أدنى وأحط، وحتمية التطور تحتم انقراض في المخلوقات الدنيا والتي ظهر بديلاً لها مخلوقات أعلى وأفضل منها وأقدر على الحياة، هذا هو الأمر الواقع والحتمي كما يقول كتاب " علم الحياة لك " وكما يقول عرّاب التطور سـير جولين هكسله: (إنّ التطورية لا تترك أي مجال للخوارق، فالأرض وسكانها لم يُخلقوا كما هم، بل تكونوا بالتطور).[14]
العظام والهياكل العظمية
_______________________
[SIZE="2"][1] المصدر السابق، صفحه ( 107 )، نقلا عن مجلة: هابر Haper، في عدد: ديسمبر 1962.
[2] المصدر السابق، صفحه ( 108 )، نقلاً عن مجلة: نيويورك تايمس مجازين، عدد 19/5/1961.
[3] خلق لا تطور، صفحه ( 108 )، نقلا عن: المجلة العلمية الأمريكية.
[4] موسوعة المورد العربية، الجزء الأول، صفحه ( 139 ).
[5] خلق لا تطور، صفحه ( 108 )، نقلاً عن مجلة: سيانس دايجست.
[6] المصدر السابق، صفحه ( 109 )، نقلاً عن: Biology. Ama Its Relation to Mankind.
[7] طبيب هولندي أعلن عن اكتشافه " إنسان جاوه ".
[8] المصدر السابق، نقلاً عن: Evolution or special creation.
[9] المصدر السابق، صفحه ( 109 )، نقلا عن كتاب: Science Moderne.
[10] "كتاب " ساينس مودرن Science moderne. " .
[11] خلق لا تطور، صفحه ( 13 ) نقلا عن: جريدة " Houston Post. ".
[12] المصدر السابق، صفحة ( 14 ) نقلا عن:World book encyclopedia.
[13] المصدر الفصل الخامس من هذا الباب.
[14] المصدر السابق، نقلاً عن: D.F., B.B. Vance Miller-Biology for you. [/SI
ZE]