|
قَابَ مَوتَيْنِ كانَ يحيا اضطرارا |
شاهِراً حُلمَهُ نبيذاً ونارا |
يشعلُ العمرَ بين موتٍ وموتٍ |
زهرةً مثلَ أمنياتِ العذارى |
يزدري الحادثاتِ حينَ يُباريـ |
ـها ويبدي صلابةً لا تُدارى |
قائلاً: إننا وُلِدنا كباراً |
وسنبقى كما وُلِدنا كبارا |
قابَ مَوْتَيْنِ كانَ أيلولُ يُزجي |
حزنَهُ غيمةً تُظِلّ الصّحارى |
تَصْعَدُ المُعْصِراتُ من رُكْبَتَيْهِ |
ثُمّ تهمي مَوَدّةً واخضرارا |
هذه الدّانياتُ قمحاً ونخلاً |
وكُرُوماً لولاهُ كانت بوارا |
كان في أهلِهِ ودوداً وفي الإخـ |
ـوانِ لم يَألُ نُصْرَةً واعتبارا |
يَتَفَانَى لأجلِهِم لا يُرَائِي |
فِتْيَةً ثَمّ يعبدون الحجارا |
يَتَشَظّى كَأَنْجُمِ الّليلِ حُزناً |
ويرى لحظةَ المماتِ انتصارا |
كان للشِّعرِ رائداً عبقرياً |
لا يُضاهَى و للأغاني هزارا |
كان بوابةً إلى كلّ فجرٍ |
كان حقاً إلى المعالي قطارا |
كان إن طافَ حُزنَ "صنعاءَ" صُبحاً |
لم يدَعْ "حضرموتَ" أو "زُنْجُبارا" |
وإذا جاءَ من رصيفِ "المُعَلا" |
طارَ مُسْتَعْجِلاً ليلقى "ذَمَارا" |
وإذا صافحَ "الحُدَيدةَ" غرباً |
صبّ شوقَ "المخا" وغَنّى "ظَفارا" |
حاملاً للصِّغارِ ورداً وحلوى |
عابراً للدّيارِ داراً فدارا |
كان يبدو كمثلِ تِشْرِينَ روحاً |
وله هِمّةٌ تُحاكِي أذارا |
وعلى وَجْهِهِ براءةُ نَيْسانَ |
وآماله توازي أيارا |
فتَجَنّى عليهِ تَمّوزُ يوماً |
وتَجَنِّي اللئامِ أمضى شِفارا |
وعلى غفلةِ الحقيقةِ ألقى |
رِجسَهُ كي يَشِيدَ مُلكاً ضِرارا |
واستبدّ اللئيمُ شطباً ومحواً |
وأَشِقّاؤُهُ اليتامى أُسارى |
يصطفي من يشاءُ منهم حليفاً |
يوهمُ البعضَ أن للبعضِ ثارا |
ظَلّ يَبْتَزّهُمْ فُرادى ومَثْنَى |
نافِثاً لِلشّقاقِ فيهم سُعارا |
ناصباً نفسَهُ عليهم أميراً |
صائبَ الرّأيِ.. تارةً مُستشارا |
مرةً قائداً وطوراً نبياً |
مرةً مُشْرِفاً يُديرُ الحوارا |
يحرثُ العامَ فتنةً وانشقاقاً |
هل يكونُ الحصادُ إلا دمارا؟ |
قال أيوبُ "رددي.." فربَتْ واهـ |
ـتزّت الأرضُ نشوةً وانبهارا |
"كم رَفَضْنا..." فقلتُ: ما زال فينا |
يملأُ السّهلَ رَفْضُنا والقِفارا |
رَفْضُنا يا أيوبُ ما زالَ أعتى |
لا نرى في النّكوصِ إلا انتحارا |
"ليس مِنّا.." فقلتُ: قِفْ.. وَظّفُوها |
واستحلّوا بها دِمانا جهارا |
"ليس منا.." مُجَدَداً.. قلتُ: لا ، بل |
صار مِنّا .. مُعاوناً ، مُستشارا |
صار منا.. وزيرةً ومديراً |
ووكيلاً وكلّ ما صار صارا |
ثورةً ضد ثورةٍ ، ثورةً في |
صالةِ اللهوِ يلعبون القمارا |
ثورةً بالنقودِ تهتفُ : بالرّوح |
افتديناك يا دليلَ الحيارى |
جمعةً في "السّتّين" تغلي وأخرى |
مثلها في "السبعين" تقذفُ نارا |
صُحُفاً لا تَقِيءُ إلا هُراءً |
قنواتٍ تضخّ عِهراً وعارا |
كاتباً في النعيمِ يُطري سَجاحاً |
شاعراً في الظلام يهجو نزارا |
من ظننّاه ثائراً أو غيوراً |
صار تيساً مُهَجّناً أو حِمارا |
بالفتاوى نَقُودُ حرباً ضروساً |
لا تزيدُ اللّهيبَ إلا استعارا |
هُمْ يعانون ما نُعانِيهِ لكن |
قيل إن المَسَاجَ يُعطي ثمارا |
"عادَ أيلولُ.." قلت: لكنّه لم |
يَجْنِ إلا مرارةً وانكسارا |
المكانُ المكانُ لم يتغير |
غير أن الزمانَ للخلفِ دارا |
جاء تَمّوزُ كالظلامِ بليداً |
يمتطي قُبْحَه ويهمي غبارا |
قابَ مَوْتَينِ كان أيلولُ يعدو |
لم تَزِدْهُ السّنونَ إلا تبارا |
حاصَرَتْهُ الجهاتُ من كلّ صوبٍ |
فانثنى حسرةً وولّى فرارا |
يُشْهِدُ الله: بَرّ بِي أوليائي |
غيرَ أني ابْتُلِيتُ بالكُفْرِ جارا |
إنّ هذا أخي لَهُ.. قلتُ: أدري |
قال: لكنّه تَجَنّى مِرارا |
عَزّنِي في الرّصاصِ وهو ابنُ أمي |
وقضى في الحوارِ أن لا حوارا |
استَبَدّ الهوى بِهِ إذ رآني |
أنتضي من حقولِ وردي شعارا |
كيف أسلو في غربتي؟ إن حزني |
ناهَزَ الموبقاتِ إلا نهارا |
هَمّ أهلي وإخوتي فوقَ هَمّي |
يشعلُ الأرضَ ثورةً وانفجارا |
أصبح المِلحُ سِدرةً تحتوينا |
مُذْ شَرِبْنا من البحارِ بحارا |
هل سيدري تَمّوزُ أنّا هَرِمنا |
وزَهَقْنَا على الرّصيفِ انتظارا؟! |