" border="0" align="right">
أحزان..وإصرار لشاعر اليمن الكبير عبد الله البردُّوني
شوطنا فوق احتمال الاحتمال ** فوق صبر الصبر لكن لا انخذال
نغتلي.. نبكي على من سقطوا ** إنما نمضي لإتمام المجال
دمنا يهمي على أوتارنا ** ونغنّي للأماني بانفعال
مرة أحزاننا.. لكنها ** يا عذاب الصبر أحزان الرجال
نبلّع الأحجار.. ندمى إنما ** نعزف الأشواق.. تشدو للجمال
ندفن الأحباب.. نأسى إنما ** نتحدى.. نحتذي وجه المحال
***
مُذ بدأنا الشوط جوهرنا الحصى ** بالدم الغالي وفردسنا الرمال
وإلى أين..؟ غرفنا المبتدى ** والمسافات ـ كما ندري ـ طوال
وكنيسان انطلقنا في الذّرى ** نسفح الطيب يمينا وشمال
نبتني لليمين النشود من ** سهدنا جسرا وندعوهُ: تعال
***
وانزرعنا تحت أمطار الفناء ** شجرا ملء المدى أعيّا الزوال
شجرا يحضن أعماق الثرى ** ويعير الريح أطراف الظِّلال
واتَّقدنا في حشى الأرض هوى ** وتحوَّلنا حقولا.. وتلال
مشمشا.. بنا.. ورودا.. وندى ** وربيعا.. ومصيفاً وغلال
نحن هذي الأرض.. فيها نلتظي ** وهي فينا عنفوان واقتتال
من روابي لحمنا هذي الربى ** من ربى أعظمنا هذي الجبال
***
ليس ذا بدء التلاقي بالردى ** قد عشقناه وأضنانا وصال
وانتقى من دمنا عمَّتَهُ ** واتخذنا وجهه الناري نعال
نعرف الموت الذي يعرفنا ** مسَّنا قتلا.. ودسناه قتال
وتقحمنا الدَّواهي صورا ** أكلت منَّا... أكلناها نضال
موت بعض الشعب يحيي كلَّهُ ** إنَّ بعض النقص روح الاكتمال
***
ها هنا بعض النُّجوم انطفأت ** كي تزيد الأنجم الأخرى اشتعال
تفقد الأشجار من أغصانها ** ثمّ تزداد اخضرارا واخضلال
***
إنما.. يا موت.. هل تدري متى ** ترتخي فوق سرير من ملال؟
في حنايانا سؤال.. ما له ** من مجيب.. وهو يغلي في اتصال
ولماذا ينطفي أحبابنا ** قبل أن يستنفد الزيت الذُّبال؟
ثمّ ننسى الحزن بالحزن ومن ** يا ضياع الردّ- ينسينا السؤال..؟
مايو 1973م
من ديوانه السفر إلى الأيام الخضر