الأستاذ الفاضل بهجت رشيد
حياك الله وبارك بك
في البداية اسمح لي بأن أشكرك على هذا الجهد الرائع
وأشيد بأسلوبك الآسر, وطريقتك الموفقة في عرض أفكارك وتصوراتك
سواء من خلال المقال, أو من خلال الردود على أساتذتي الكرام
لفت انتباهي عنوان مقالك على شريط آخر المشاركات, فدخلت لأعرف من حضرتك ما معنى "الأدب الإسلامي", فصدقا لم أجد له معنى ولا مدلولا واضحا, علما بأنني قد بحثت في هذا الأمر كثيرا ولم أجد ضالتي. فبقيت رافضا لهذا المصطلح ولكثير من الأشياء التي يلصق بها مصطلح "إسلامي".
لن أقول لك بأنني قد وجدت ضالتي هنا, حتى لا أدخل إلى أخي الكريم من باب المجاملة, ولكن ودون مجاملة أقول بأنني قرأت هنا عرضا جيدا, وأكثر وضوحا من أغلب ما قرأت, وهذا أمر يستحق الإشادة.
استاذي المبجل:
سأبدأ من أكثر التوصيفات التي ألحق بها مصطلح إسلامي انتشارا ألا وهو: فلان إسلامي..!!
أغلب ظني بأن هذا الوصف لم يكن معروفا قبل نشأة حركة الإخوان المسلمين في مصر مطلع القرن الماضي, فكل إنسان عرف طريق الحق, واعتنق دينه كان يسمى مسلما حتى وإن كان عاصيا. ولم تكن المجتمعات المسلمة منقسمة بين إسلامي وغير إسلامي. فهل إلحاق مصطلح إسلامي بشخص تعني بالضرورة أن المحروم منها كافر؟
إن صح الوصف, وثبت كفر من لا يوسم بالإسلامي, حينها سيجد مصطلح أدب إسلامي مكانا له في معاجم اللغة, وكتبها.. أما إن كان الجواب نفي الكفر عمن لا يوسم بإسلامي فاسمح لي بأن أقول لك بأن هذا المصطلح وكل ما بني عليه من قراءات ودراسات ونظريات يجب أن يطوى إلى الأبد.
الأدب الإسلامي حسب ما أرى, ويشاطرني الرأي الكثير من دارسي الأدب ومنظريه وممارسيه: هو كل حرف خطه مسلم في أي مكان وأي زمان بغض النظر عن المضمون. أما المضامين التي حددتها في مقالك لما أسميته أدبا إسلاميا فيجدر بنا أن نبحث لها عن مسميات أخرى تتناسب معها ولا تثير فتنة بين البعض, أو تثير حفيظة البعض الآخر. في ما مضى كنا نسمع عن المديح الديني, أو المديح النبوي وهي قصائد خطت من الكرام في مدح حبيب الله محمد صلى الله عليه وسلم, وفي تبيان العقيدة الإسلامية, وذكر مناقب الصالحين, ولا تخلو من أمر بمعروف ونهي عن منكر.
نستطيع يا أستاذي أن ننطلق من هنا لنضع للأدب "الديني" مصطلحا دقيقا, وتعاريف دقيقة لا يأتيها الباطل من أي جهة.
وحتى لو اتفقت معك على صحة التسمية, فمن المؤكد أنني سأختلف معك في تصنيف الأدباء, وتصنيف أعمالهم. فالدين كما تعلم لا ينحصر في عقائد وتعاليم, ولا في أشخاص مكرمين, وإنما هو أوسع بكثير من هذا.
إن كل نص كتب نصرة لحق مسلوب هو نص إسلامي, وكل نص دعا لفضيلة هو نص إسلامي, وكل نص نهى عن منكر هو نص إسلامي, وكل نص بذر بذرة خير في قلب إنسان هو نص إسلامي ...إلخ
وهنا سيتناقض طرحي مع طرح حضرتك, وأناقض نفسي أيضا, فكم من نص كتبه مسيحي أو بوذي أو حتى ملحد زخر بالدعوة للفضيلة, ونصرة الحق ...ووو..؟
يا أستاذي: للمسيحيين أدب مسيحي, ويسمونه بهذا الاسم, لكن شتان بين المسيحيين وأمة الإسلام. فالمسيحية لم تكن في يوم من الأيام أمة, ولن تكون. والمسيحية تفصل بين الدين والدنيا, لهذا صنفوا الأدب الدنيوي تصنيفا قطريا, وفي بعض الأحيان لغويا وصنفوا الأدب الديني تصنيفا مسيحيا. أما نحن فلا انفصام بين ديننا ودنيانا, والأجر نحصله من العبادات, ومن غيرها. وقبل هذا وذاك نحن أمة واحدة, خلقها الله لتتحد ليس فقط روحيا وإنما جغرافيا تحت مسمى الدولة الإسلامية أو الخلافة, وكل مواطن في هذه الدولة مسلم (لا سوري ولا كوري).
إذا كان أستاذي لا يعلم الوقع السيء لهذا المصطلح على كل أديب مسلم, فما عليه إلا أن يجري استفتاء ليرى ما يفعله في النفوس وهذا أمر بديهي لأننا وللأسف الشديد لا نمنح لقب إسلامي إلا لأعضاء في جماعات وأحزاب ما يعرف بالإسلام السياسي. فهل يتوجب علي وعليك وعلى كل أديب مسلم أن ينتمي إلى الأحزاب (وإن كان ممن يؤمنون بأن التحزب حرام) حتى يشهد له ولأدبه بالصلاح والتقوى؟
هذا السؤال يا أستاذي أدمى قلوب كثيرين ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه, وقضوا حياتهم مجاهدين منافحين عن هذا الدين, وهذه الأمة, وعن قضايانا الأساسية التي انشغل عنها عدد لا بأس به ممن وشموا بوشم إسلامي, وظنوا بأن القدس تقع خلف جبال الأورال. أفلم يحن الوقت لوضع حد لهذه الفتنة؟
أستاذي الحبيب
اعذر تطاولي, وطول ما خطت يداي
ولكنها غصة في قلوب إخوان لك ربما لمستها من خلال من حاورك هنا
وهو في الأول والأخير مجرد رأي
لم أستطع أن أحتفظ به لنفسي
حياك الله وبارك بك
محبتي وتقديري