أكثر أهل التراث من الحديث عن العشاق الذين أضر بهم العشق حتى الموت .. ورووا لنا أحاديث عنهم تقترب من الخيال ، وبعضها بلغ من الطرافة بما فاض به صاحبه بأرق الأبيات وأعذبها ، وهذا واحد منهم عافانا الله ..
حدث محمد بن عبد الملك التنيسي الصوفي قال: خرجنا مع شيخنا أبي الفضل بن الجوهري بخبب عميرة لتشييع الحاج ووداعه على العادة، فبتنا معهم. وحين أصبحنا وأثيرت الجمال وقوض الناس للرحيل إذا بفتى شاب حسن الوجه عليه شحوب واصفرار، وهو يشيع الهوادج هودجا هودجا، حتى فنيت الهوادج ومشى الحاج، وهو يقول أثناء تردده عليها، ونظره إليها:
أحجاج بيت الله في أي هودج ... وفي أي خدر من خدوركم قلبي
أأبقى رهين الجسم في أرض غربة ... وحاديكم يحدو بقلبي مع الركب
فوا أسفا لم أقض منكم لبانتي ... ولم أتمتع بالجوار وبالقرب
وفرّق بيني في الرحيل وبينكم ... فهأنذا أقضي على إثركم نحبي
فلما أكمل الحاج السير ويئس، ضرب بنفسه إلى الأرض وجعل يقول:
خل دمع العين ينهمل ... بان من تهواه وارتحلوا
أي دمع صانه كلف ... فهو يوم البين مبتذل
ثم مال إلى الأرض، فجئنا إليه فوجدناه ميتا.
عن كتاب المطرب من أشعار أهل المغرب لابن دحية الكلبي