لست متأكدة أن هذا القسم هو الأكثر مناسبة للموضوع
ولكني استنسبته
المتنبي وسيف الدولة الحمداني
كان المتنبي قد عرف سيف الدولة من قبل أن يلتقيه ، وسمع عن أفضاله الكثير ، فوفد عليه وكانا في سن متقاربه، وعرض عليه أن يمدحه بشعره، على أن ينشده الشعر جالسا ولا يقف بين يديه لينشد قصيدته كما كان يفعل الشعراء، فأجاز له سيف الدولة أن يفعل هذا.
وقد أعجب سيف الدولة به وقربه إليه وأكثر له الهبات والعطايا، فكان من أخلص خلصائه وكان بينهما مودة واحترام، مما أوغل عليه قلوب جلسائه ، وكثر كارهيه، ومع أن سيفياته تعتبر أصفى شعره واجمله ، فقد حافظ فيها على عادته بإفراد حصة كبيرة من شعره لفخره بنفسه، وهو ما استنثمره كارهوه وحاسده في تاليب سيف الدولة ضده فأحدثوا بينه وبين سيف الدولة جفوة لم يطل بعدها مقامه بين جلسائه، وقيل أن ابن خالويه رمى دواة الحبر على المتنبي في بلاط سيف الدولة، فلم ينتصف له سيف الدولة، مما اعتبره المتنبي خذلانا له، لكن كثيرين طعنوا في هذه الرواية لأسباب متعددة.
بعد تسع سنوات في بلاط سيف الدولة جفاه الأخير وزادت جفوته له بفضل كارهيه ولأسباب غير معروفة قال البعض أنها تتعلق بحب المتنبي المزعوم لخولة شقيقة سيف الدولة التي رثاها المتنبي في قصيدة ذكر فيها حسن مبسمها، وكان هذا مما لا يليق عند رثاء بنات الملوك، وقد انكسرت العلاقة الوثيقة التي كانت تربطهما فغادره إلى مصر حزيناً خائباً ليواصل النظر في أطماعه السياسية بعد أن قال في حضرته قصيدته الشهيرة التي مدح فيها نفسه وسيف الدولة واعتذر إليه وعاتبه قبل أن يغادره إلى مصر ومنها قوله:
وَاحَــرَّ قَلبــاهُ مِمَّــن قَلْبُـهُ شَـبِمُ ومَــن بِجِسـمي وَحـالي عِنْـدَهُ سَـقَمُ مـا لـي أُكَـتِّمُ حُبّـاً قـد بَـرَى جَسَدي وتَــدَّعِي حُـبَّ سَـيفِ الدَولـةِ الأُمَـمُ إِنْ كــانَ يَجمَعُنــا حُــبٌّ لِغُرَّتِــهِ فَلَيــتَ أَنَّــا بِقَــدْرِ الحُـبِّ نَقتَسِـمُ يــا أَعـدَلَ النـاسِ إِلاَّ فـي مُعـامَلَتي فيـكَ الخِصـامُ وأَنـتَ الخَـصْمُ والحَكَمُ أُعِيذُهــا نَظَــراتٍ مِنْــكَ صادِقَـةً أَنْ تَحْسَـبَ الشَـحمَ فيمَـن شَـحْمُهُ وَرَمُ ومــا انتِفـاعُ أَخـي الدُنيـا بِنـاظرِهِ إِذا اســتَوَتْ عِنـدَهُ الأَنـوارُ والظُلَـمُ يــا مَــن يَعِـزُّ عَلَينـا أن نُفـارِقَهم وَجداننــا كُـلَّ شَـيءٍ بَعـدَكُمْ عَـدَمُ مــا كــانَ أَخلَقَنــا مِنكُـم بِتَكرِمـة لَــو أَن أَمــرَكُمُ مِــن أَمرِنـا أَمَـمُ إِن كــانَ سَــرَّكُمُ مـا قـالَ حاسِـدُنا فَمــا لِجُــرْحٍ إِذا أَرضــاكُمُ أَلَــمُ وبَينَنــا لَــو رَعَيْتُــمْ ذاكَ مَعرِفـةٌ إِنَّ المَعـارِفَ فـي أَهـلِ النُهَـى ذِمَـمُ كَــم تَطلُبُــونَ لَنـا عَيبـاً فيُعجِـزُكم ويَكــرَهُ اللــه مـا تـأْتُونَ والكَـرَمُ مـا أَبعَـدَ العَيْـبَ والنُقصانَ من شَرَفي أَنــا الثُرَيَّــا وَذانِ الشَـيبُ والهَـرَمُ لَيـتَ الغَمـامَ الـذي عِنـدِي صَواعِقُـهُ يُــزِيلُهُنَّ إلــى مَــن عِنـدَه الـدِيَمُ أَرَى النَــوَى يَقْتَضِينـي كُـلَّ مَرْحَلـةٍ لا تَســتَقِلُّ بِهــا الوَخَّــادةُ الرُسُـمُ لَئِــن تَـرَكْنَ ضُمَـيراً عـن مَيامِنِنـا لَيَحْـــدُثَنَّ لِمَــنْ ودَّعْتُهُــمْ نَــدَمُ إذا تَرَحَّــلْتَ عـن قَـومٍ وقـد قَـدَروا أَن لا تُفـــارِقَهم فــالراحِلُونَ هُــمُ شَــرُّ البِـلادِ مَكـانٌ لا صَـديقَ بـهِ وشَـرُّ مـا يَكْسِـبُ الإِنسـانُ مـا يَصِمُ وشَــرُّ مـا قَنَصَتْـهُ راحَـتي قَنَـصٌ شُــهْبُ الـبُزاةِ سَـواءٌ فيـهِ والرَخَـم بــأَيَّ لَفْــظٍ تَقُـولُ الشِـعْرَ زِعْنِفـةٌ تجُــوزْ عِنـدَكَ لا عُـرْبٌ وِلا عَجَـمُ هـــذا عِتـــابكَ إِلاَّ أَنَّــهُ مِقَــةٌ قــد ضُمِّــنَ الــدُرَّ إِلاَّ أَنَّـهُ كَـلِمُ
أما أجمل رسائل المتنبي لسيف الدولة فهي رسالته الأخير والتي يقول فيها:
بيني وبينك ألف واش ينعب فعلام أسهب في الغناء وأطنب صوتي يضيع ولا تحس برجعه ولقد عهدتك حين أنشد تطرب وأراك ما بين الجموع فلا أرى تلك البشاشة في الملامح تعشب وتمر عينك بي وتهرع مثلما عبر الغريب مروعاً يتوثب بيني وبينك ألف واش يكذب وتظل تسمعه .. ولست تكذب خدعوا فأعجبك الخداع ولم تكن من قبل بالزيف المعطر تعجب سبحان من جعل القلوب خزائنا لمشاعر لما تزل تتقلب قل للوشاة أتيت أرفع رايتي البيضاء فاسعوا في أديمي واضربوا هذي المعارك لست أحسن خوضها من ذا يحارب والغريم الثعلب ومن المناضل والسلاح دسيسة ومن المكافح والعدو العقرب تأبى الرجولة أن تدنس سيفها قد يغلب المقدام ساعة يغلب في الفجر تحتضن القفار رواحلي والحر حين يرى الملالة يهرب والقفر أكرم لا يغيض عطاؤه حينا .. ويصغي للوشاة فينضب والقفر أصدق من خليل وده متغير .. متلون .. متذبذب سأصب في سمع الرياح قصائدي لا أرتجي غنماً ... ولا أتكسب وأصوغ في شفة السراب ملاحمي إن السراب مع الكرامة يشرب أزف الفراق ... فهل أودع صامتاً أم أنت مصغ للعتاب فأعتب هيهات ما أحيا العتاب مودة تغتال ... أو صد الصدود تقرب يا سيدي ! في القلب جرح مثقل بالحب ... يلمسه الحنين فيسكب يا سيدي ! والظلم غير محبب أما وقد أرضاك فهو محبب ستقال فيك قصائد مأجورة فالمادحون الجائعون تأهبوا دعوى الوداد تجول فوق شفاههم أما القلوب فجال فيها أشعب لا يستوي قلم يباع ويشترى ويراعة بدم المحاجر تكتب أنا شاعر الدنيا ... تبطن ظهرها شعري ... يشرق عبرها ويغرب أنا شاعر الأفلاك كل كليمة مني ... على شفق الخلود تلهب
وتستحق قصة المتنبي مع سيف الدولة قراءة أوسع
لكنها تحتاج عارفا