نقلا عن نداءات من بيت المقدس
http://www.al-aqsa.org/week/index.php?id=2879_0_14_0_M
بقلم: شوقي سليمان
"القرآن دستورنا" شعار عاطفي لا يعبر عن منهجنا للعمل السياسي، بهذا رد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد الإخوان على الدكتور إكرام لمعي الذي ينتمي إلى الكنيسة الإنجيلية وأستاذ مقارنة الأديان، في ورشة عمل عقدها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تحت عنوان "نحو دستور مصري جديد"، الذي بَيٌَنَ عدم اعتراضه على إقامة أحزاب سياسية على أساس ديني. وقال إنه لا يوجد مانع من وجود حزب قبطي وآخر إسلامي، والذي أكد أنه يعترض على أن يتضمن الدستور تمييزاً لفئة معينة خاصة أن الدستور المصري الحالي يعد الدين الإسلامي الدين الرسمي للدولة، وأيضاً الشريعة الإسلامية مصدر التشريع. وأكد أن هذه المادة تخل بالمساواة بين المواطنين، مبينا أن الأحزاب الدينية موجودة في كل دول العالم حتى في الولايات المتحدة الأميركية، فمعروف أن الحزب الجمهوري له جذور دينية ويقابل الحزب الديمقراطي الذي يتبنى اتجاهاً انفتاحياً وأحياناً إباحياً، ولكن كان الحكم بين الحزبين الدستور العلماني والذي لم يعط ميزة لأصحاب مذهب عن آخر. وقال «هذا ما نطلبه في مصر لأن الدستور بموضعه الحالي تستحيل معه إقامة أحزاب دينية لأنه سيميز الحزب الإسلامي بالتأكيد».
بالإضافة إلى رد الدكتور أبو الفتوح على قول الدكتور لمعي عضو الكنيسة الإنجيلية المذكور أعلاه، أكد القيادي الإخواني الدكتور أبو الفتوح على أن منهج حركته في عملها السياسي يحترم القانون والدستور الوضعي للدولة، مؤكداً أن الجماعة تؤمن بحقوق المواطنة وأن الأمة مصدر السلطات.
كما قال أبو الفتوح "أن الإسلام دين الدولة وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لا يتعارض مع تأسيس مجتمع ديمقراطي ولا يصطدم مع حريات وحقوق الأفراد."
ما قاله المنتمي للكنيسة الإنجيلية المدعو الدكتور إكرام لمعي ليس بمستهجنٍ من أمثاله، فهو و أمثاله من اليهود و النصارى لا يكنون للإسلام و المسلمين إلا العداوة و البغضاء، قال تعالى {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} و قال عز وجل {ولن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم}، كما قال سبحانه {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}.
كما أنه من الممكن القول أن الدكتور لمعي ربما يجهل واقع الإسلام كدين منه الدولة - وإن كان هذا مستبعد من المشاركين في مثل تلك المؤتمرات وورش العمل- لذا نجده يدلي بتلك التصريحات.
أما أن تصدر مثل تلك التصريحات عن عضو لجنة الإرشاد لحركة الإخوان المسلمين الدكتور أبو الفتوح، فيعتبر أن الأمة هي مصدر السلطات و يجعل المواطنة أو ما يسمى عند الغرب بالعقد الاجتماعي الذي جاء به مفكرهم جان جاك روسو هو ما تؤمن به جماعة الإخوان، فهذا أمر بالغ الخطورة لأنه ألغى بذلك كون الإسلام المصدر الوحيد للتشريع، و جعله فقط مصدرا من المصادر بمعنى أنه إدخال شريكٍ مع الله تعالى الذي شرع الإسلام، فيصبح مع الله مشرع آخر من البشر، ثم أنه ألغى أصلا كون السلطان لله، وأن السيادة هي فقط للشرع الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه و سلم...قال تعالى {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، و قال سبحانه {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً.}
من المعروف أن مثل تلك التحركات التي تشهدها المنطقة عامة و مصر خاصة من قبل الإسلاميين لم تكن على سبيل المصادفة و لا بدافع ذاتي من قبل بعض أبناء تلك الحركات، فهي لم تحدث إلا بعد أن فتح لهم الباب من قبل أميركا بعد أن كان موصدا و لعقود من الزمان، حتى في العام الأول لانطلاق مبادرة الشرق الأوسط الكبير الأميركية لإصلاح الشرق الوسط حسب تعبيرهم ظل الباب موصدا أمام الحركات الإسلامية، أما بعد المؤتمر الثاني للإصلاح و الذي غدا ينعقد دوريا في مكتبة الإسكندرية فقد تمت المطالبة - بإيعاز أميركي طبعا- بإشراك الحركات الإسلامية في الإصلاح حيث دعا بيان المؤتمر والذي تلاه إسماعيل سراج الدين،
<< إلي إشراك الحركات السياسية الإسلامية في النظام السياسي في الدول العربية وإعادة صياغة العلاقة بين الدين والسياسة.>>
و لذا نجد أبناء الحركات الإسلامية في مصر و غير مصر يسارعون إلى التحرك للمشاركة في ما أسمته أميركا "مشروع الشرق الوسط الكبير"، حتى أن بعضهم كموفق بني المرجة الذي كان احد الذين إلتقوا باسم المعارضة السورية مع الخارجية الأميركية، قال في مقابلة مع الوطن العربي <<سنتحالف مع الشيطان للإطاحة بنظام شيطاني.>>
و أميركا جاهزة للتفاوض معهم، و لكن من يعلم حقيقة أميركا يدرك أنها ستخرج هي وفقط هي الرابحة، ذلك أن ليز تشيني كبيرة نواب مساعد وزير الخارجية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تستبعد فتح حوار مع أي فصيل سياسي سوري مثل «الإخوان المسلمين» أو غيرهم طالما أن نشاطهم لا يتعارض مع المبادئ الأميركية الأساسية، وقالت «بالنسبة إلى الإخوان المسلمين نحن بحاجة إلى الحديث عن آرائنا بخصوص الأحزاب المختلفة». وأضافت «إذا كنت حزباً دينياً أو علمانياً فإن هناك خطوطاً حمراء معينة تشتمل على العنف، فالأحزاب التي تمارس العنف ليس لها دور مناسب في العملية السياسية بغض النظر عن الدولة (التي تنشط فيها)». وزادت أن شرعية حزب معين مشروطة بتعهده المسبق «بأنه إذا وصل إلى السلطة فسيكفل الحريات للآخرين، بما في ذلك حرية المرأة».
وفي نفس المقابلة المذكورة أعلاه أراد موفق بني المرجة على ما يبدو طمأنة ليز تشيني فقال:
<< ..... وفي الوقت نفسه نحترم القيم الأمريكية التي نؤمن بها وقيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي يمكن أن أمريكا أن تساعدنا في نشرها في سورية.">>
أما بخصوص ورشة العمل التي جاءت فيها تصريحات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد الإخوان، فقد أكد الدكتور أسامة الغزالي حرب، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية وعضو المجلس الشوري والمجلس الأعلى للسياسات بالحزب الحاكم –في مصر-، أن اللحظة الراهنة أصبحت مهيأة لوضع دستور جديد عقب تعديل المادة 76 والخروج من النظام الجمهوري القديم القائم على أسس سلطوية، إلى نظام آخر ديمقراطي، مشيراً إلى أن التغيير السياسي أصبح شرطاً أساسياً لأي تغيير اجتماعي أو اقتصادي. كما فتح النقاش حول وضع الدين في الدولة سجالات ساخنة بين حضور ورشة العمل تلك.
وهذا يتسق تماما مع ما أعلن في البيان الختامي لمؤتمر الإسكندرية الثاني الذي جاء بعد توجيه الدعوة الأميركية لإصلاح الشرق الأوسط حسب تعبيرهم تحت مسمى الشرق الوسط الكبير، لذا تمت
دعوة ممثلين عن حركة الإخوان المسلمين إلى تلك الاجتماعات وورش العمل من أجل صياغة دستور جديد و إشراك الحركات الإسلامية في إعادة صياغة العلاقة بين الدين والسياسة.
كان حريا بالحركات الإسلامية و أبناءها أن يكونوا مدركين لواقع أميركا الاستعمارية، و أنها لا تريد بدعوتها للإصلاح إلا تثبيت وجودها و ترسيخه في العالم الإسلامي عامة و الشرق الأوسط خاصة، و أن أميركا لولا أنها لمست هذا التململ الذي بات مؤذنا باستيقاظ المارد الإسلامي منذرا بعودة الخلافة الراشدة الثانية، لولا ذلك لما تحركت أميركا محاولة إنقاذ نفسها و نفوذها قبل فوات الأوان، و لما رأت أن أي تغيير مجدي لها و لمخططاتها لابد أن لا يتناسى أو يتجاهل الإسلام كعامل مؤثر على الساحة السياسية في العالم الإسلامي، لذا نجدها راجعت خططها و رأت أن تفتح الباب أمام مشاركة الحركات الإسلامية بعد أن بقي موصدا ردحا طويلا من الزمان.
إن أميركا عدوة للإسلام و المسلمين، فهي دولة رأسمالية استعمارية تحمل الكفر منهاجا و مبدأ. و العداوة للإسلام لها أصالة في سياستها و ليست أمرا طارئا مرتبطا بظرف أو زمن، بل هي عداوة مبدئية لن تتزحزح عنها أميركا ما بقيت دولة رأسمالية تحمل الكفر رسالة عالمية تريد تطبيقها في العالم عامة و في العالم الإسلامي خاصة، و هذا ما يجب أن يكون بديهيا لكل أبناء الإسلام العظيم عامة و أبناء الحركات الإسلامية خاصة، فلا يجوز الانجرار معها في مخططاتها بحجة الإصلاح و تغير الأنظمة الظالمة، بل يتوجب رص الصفوف من أجل دحر نفوذها من بلاد المسلمين و دحر عملاءها الحكام في بلاد الإسلام و إقامة دولة الإسلام – الخلافــة - وليس استبدال عملاء أميركا بعملاء لها آخرين محافظين بذلك على نفوذ أميركا و هيمنتها على العالم الإسلامي.
فالساعة ساعة مفاصلة بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر، وطلب الحكم ليس غاية في حد ذاته بل هو طريقة لتطبيق شرع الله واستئناف الحياة الإسلامية، وهذه الطريقة والغاية لابد أن تنضبط بضوابط الإسلام ولا يجوز الخروج عنها بحجة مسايرة الواقع أو الظروف الدولية، فإن تلك الغاية العظيمة تحتاج إلى أعمال عظيمة ورجال عظام لا تهزهم ريح ولا حتى إعصار، ولا تزيدهم الأزمات إلا تمسكا وإصرارا على تحقيق الغاية طالبين مرضاة الله تعالى وعز الدارين، ولذلك فليعمل المسلمون.