اشتكت أرانبُ الغابةِ لحُكمائها , من أصحابِ الرّأيِ والشأنِ والخبرةِ , تناقصَ
أعدادها بشكلٍ مُفزع , بفعلِ تزايد هجماتِ وُحوشِ الغابةِ عليها في الآونةِ الأخيرة
على نحوٍ لم يألفوه من قبل , مما بدا خطراً حقيقياً يتهددُ وجود نوعهم في الغابة
فانعقد مجلس حُكماء الأرانب على عجل ٍ , تلبية لتلك الاستغاثات المُلحة وانتظرت
الأرانب بفارغ الصبر, ما سيتمخضُ عنه اجتماع المجلس , الذي امتد إلى ساعةٍ
متأخرةٍ من الليل , و تعالت من داخله صيحاتهم وانفعالاتهم , مما عكس صعوبة
الموقف في الداخل , و مع مرور الوقت , بدأت الأرانب تفقد الأملَ بتوصل المجلس
إلى حلٍ ُيخرجهم من مأزقهم هذا , وهموا بمغادرة الساحة جارين ورائهم ذيول
الخيبة , والقلوبُ حزينة , والنفوسُ مهمومة , حتى فوجئت بسماع أصوات
ضحكاتٍ ومُباركاتٍ , يتردد صداها من داخل القاعة المغلقة , ثم ما لبس أن خرج
الحكماء والبسمة تخيط معالم وجوههم .
قال كبيرهم مخاطباً الجمع : يا معشر الأرانب ناموا بسلام ٍآمنين , وغداَ
ستسمعون الأخبار الطيبة التي ستريحُ أعصابكم , فغادرت الأرانب إلى مساكنها
ثم لم..........تنم
استيقظ مجلس الحكماء , الذي بات ليلته في القاعة , بسبب الإنهاك والأرق
الشديدين , وخرج من القاعة ليُفاجىء بجمعٍ غفير يترقب إطلالته بفارغ الصبر
قال كبيرهم : يا قوم , إننا وبعد أن قلبنا المسألة من كل وجوهها , وقاربنا وباعدنا
في إحاطتتنا لمعطياتها و تبعاتها , قد توصلنا إلى حكمةٍ ناجعة مفادها أن أفضل
شيءٍ يُنقذك من الوقوع في براثن عدوك , أن تعرفه جيداً , كيف يفكر , ما نقاط
ضعفه فتعزف على أوتارها , وما نقاط قوته فُتسارع إلى تجنب الوقوع في أسرها
ولأجل ذلك قررنا أن نرسل أذكى و أقوى فُتياننا , لاتباع دورة مُعايشة مع وحوش
الغابة , فيتعرف على أسرارهم وطباعهم , و أحدث طرائق وفنون الصيد التي
توصلوا إليها , حتى إذا ما انكشف العدو أمامه وتعرى من كل حيله , ما ظهر منها
وما بطن , وتجلت بوائقه ومكائده كالشمس في رابعة النهار , عاد إلينا , و وضع
بين أيدينا خُلاصة تجاربه الصادقة , فنحسن التعامل معها , وندفع عن أنفسنا الخطر
الوقوع في شراكه , وبعد مفاوضاتٍ عسيرة نجحت الأرانب في الحصول على
موافقة المجلس الأعلى لشؤون الغابة , باتباع أحد أفرادها لتلك الدورة
و اضطرت وحوش الغابة للإذعان إلى قرار المجلس على مضض .
و بدأ الأرنب الموفد دورته , و صاحبهم في كل رحلات الصيد , وهو يدون
كل صغيرة وكبيرة يقومون بها فُرادا ً أو جماعات , طقوس نومهم و مواقيت
طعامهم , و أماكن انتشارهم , و طرق نصبهم للأفخاخ والمكائد , ومع مرور
الأيام , بدأ يشاركهم في صنع تلك الأفخاخ , و قوّي عضده , وخشن صوته
وغلظ طبعه , ونمت أظافره , وبدأ يستشعر لذّة وقوع الفرائس في الفخ
و متعة أن يشاركهم أكلها و تمزيقها إرباً إرباً .
ومضت سنة كاملة , والأرنب يتعلم ويتابع , ويشارك وحوش الغابة كل تفاصيل
حياتها , إلى أن انتهت دورة المعايشة , وعاد الأرنب إلى قومه , الذين انتظروا
أبنهم الذي عقدت عليه آمالِ كبيرة , تقدم الأرنب إلى الساحة بخطوات فيها مشية
الوحوش , و نظراتٍ فيها نظرة الوحوش , ثم طبق أول فنٍ أتقنه , و أول درسٍ
تعلمه في مدارسهم , فسارع إلى الإقتراب من أضعفهم و أقربهم إليه
و.............استوحش ؟؟؟؟!!!!
هذا وما الفضل إلا من الرحمن
بقلم.......... ياسر ميمو