المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادية محمد الجابى
من أجلها .
تأرجحت الأنوار الملونة فى عناقيدها المعلقة حولها فى كل مكان , فأخذ الدوار يترنح فى
رأسها ــ بينما تعالى صوت الموسيقى , ودق الطبول والدفوف , وارتفع صوت النساء
ينشدن ويصفقن ـ واتجهت نحوها كل الأبصار , وقد ارتسمت السعادة على الوجوه
حاولت رسم ابتسامة على وجهها كما ينبغي أن تفعل ـ ولكن الابتسامة وئدت قبل أن تولد
وعلت نظرة حيرة على ملامحها اختفت تحت ذلك القناع من مساحيق التجميل المغطى لوجهها .
لم تعد تسمع الموسيقى , بل هي دقات جنائزية حزينة , واختفى صوت الغناء ليطن فى
أذنيها عويل وبكاء ـ جاست بعينيها تمسح الوجوه بحثا واستقرت على وجه جميل لطفلة
صغيرة , جلست غير بعيدة منها , وقد أخذت تصفق بكلتا يديها , وقد نطق وجهها بآيات
السعادة والبشر .
يضطرم فى وجدانها لهيب يحرق قلبها , وتشعر بألم فى أصابع يدها اليمنى , ويملأ كيانها
صوت أختها فى كلماتها الأخيرة , وهى تتشبث بيدها بكل قوتها وكأنها تستمد منها الحياة
ــ عائشة .. أوصيك بإبنتى حنان .. ابنتي . ابنتي .
صرخة قوية تجذب عائشة من خواطرها , تلتفت حولها مذعورة , لم تكن صرخة , بل
زغرودة أطلقتها إحدى المدعوات , فأجابتها النسوة بزغاريد أخرى متتابعة ..
شعور بالرفض لكل ما حولها يجعلها تترك واقعها لتهرب مرة أخرى إلى أعماقها , لتغرق
فى أفكارها وأشجانها .
الأم ـ عائشة .. عهدتك دائما راجحة العقل .. لما ترفضين ؟؟
أجابت فى لهجة مريرة .. أي عقل هذا ؟ أن ما تطلبونه منى هو الجنون بعينه , كيف
استطعتم التفكير هكذا , والجرح فى صدورنا مازال يدمى ؟؟
ــ حبيبتي .. بموافقتك ستندمل كل الجروح .
ــ تندمل جروحكم أنتم .. ليظل قلبي ينزف إلى الأبد .
صاحت الأم غاضبة : تأكدي لو لم يكن إنسانا ممتازا لما وافقت على طلبه الزواج منك .
ودت لو تصرخ قائلة : ولكنه زوج أختى .. تلك الزهرة التى قطفها الموت فجأة ,
وانتزعها من بين أحضانه وأحضان ابنتهما حنان .. كم قاسى بعد موتها من مرارة ـ
وكم طحنته المحنة وأشرفت به على الهلاك .. أنسيها بهذة السرعة !!
أم أنه وجد فيها شيئا منها ؟؟
همست فزعة : أيريد للحبيبة الغائبة أن تعيش فى من جديد ؟؟ ــ هرعت إلى المرآة
بحثت فى صورتها على ملامح أختها , ولكنها لم تجد أى تشابه .. كانتا مختلفتين تماما فى
كل شيء. كانت أختها اجتماعية , مرحة , محبة للحياة , لا تراها إلا ضاحكة مستبشرة ..
بينما هى هادئة بطبعها , خجولة , محبة للعزلة , صديقها الكتاب , ومتعتها التأمل .
ارتمت على فراشها .. أطبقت يديها ولوحت بها فى الهواء , وكأنها تدافع عن نفسها من
مجهول تخشاه ـ همست : لا بد أن أرفض بكل ما أوتيت من قوة .
استيقظت فى اليوم التالي مشحونة النفس , متوترة الأعصاب , بعد أن قضت ليلة مسهدة
قضت الليل كله تحيك الكلمات التى سوف تقولها لمحمود تعلن له رفضها ــ قالتها مرة
باللين , وأخرى وهى غاضبة , وثالثة وهى تبكى .. رن جرس الباب ففتحت لتندفع حنان
كالسهم وترمى نفسها بين أحضانها , وتنهال وجهها تقبيلا وهى تقول : صحيح ما قاله
بابا ؟؟ ـ ارتسم على وجهها علامة استفهام .. استطردت حنان :
إنك ستأتي لتعيشي معنا إلى الأبد ؟؟
وإني سأناديك ماما عائشة .. ولكنك لن تتركيني كما تركتني ماما .. أليس كذلك ؟؟
احتضنتها فى حنان مجهشة بالبكاء , ومن بين دموعها رأته واقفا أمامها
قال بصوت مبحوح متهدج وهو يغالب دموعا توشك أن تنهمر : لن يكون الأمر سهلا
على كلينا فى البداية , ولكنن من أجلها يجب أن نحاول .. فهل توافقين ؟
بحثت عن كل كلمات الرفض التى قضت الساعات الطوال تعدها , ولكنها وجدتها جميعا
قد ذابت فى فمها , أو رحلت مغادرة قاموسها اللغوي .
لم تجد سوى إيماءة هزت بها رأسها ..
وتنطلق الزغاريد .. لتحي العريس وقد جاء ليصطحب عروسه .