المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حارس كامل
النظارة السوداء
كانت نظارته السوداء عبئا ثقيلا يرزح علي صدري، وتدلف إلي أعماقي حنقا وغضبا. أتابع خطواته المتثاقلة المغرورة مرتديا جلبابا حرص علي كيه بعناية فائقة .أنظر إليه في غصب، وسيول من الشتم يضرب بها لساني ويكتمها فمي. واصلت متابعته بفضول حتى انزوى إلى ردهة جانبية لقسم أخر.
تطايرت فكرته من رأسي خلف طلبات العملاء التي لا تنتهي، ونظرات المدير التي تراقبني في حدة وقسوة. بيد أن زيارة أخري منه بعثت الأفكار لرأسي من موتها صداعا حادا،وخناجر غيظ في صدري .وددت لو أن أقف فأعترضه ، وألقي نظارته بعيدا؛ لكن يد مجهولة أمسكت بي، ولبدت في مقعدي خلف مكتبي مترقبا .
اللمبات الفسفورية البيضاء ترسل أنوارها هادئة لا ترهق العين؛ فما الداعي إذن لهذه النظارة اللعينة..هكذا بدأت الفكرة بذرة روتها أحقادي تجاه عملاء آخرين تعج حساباتهم بمبالغ فلكية، ويتعاملون بطاووسية مع أمثالي ونمت البذرة شجرة امتدت جذورها إلي داخل جسدي، وحجبت النور عن عيني .
بحثت عنه وسط الزحام، فوجدته كعادته متجها لنفس القسم .أقسمت سرا بأنه أحد أباطرة العملاء، وأرصدته المتخمة دليل طاووسيته .كان سؤال واحد مني لأحد زملائي كفيلا بكشف سره الغامض، ودقات من أصابعي تزيح أستار أرصدته المتخمة .
وهنيهات لمحته يترك القسم متجها رفقة أحد زملائي إلي مكتب المدير ؛فزاد الحنق في صدري ، وتدفقت شراييني دما يغلي .
وبعد دقائق رن جرس مكتب المدير، فألفيت نفسي أطبق على رقبته حتى يسكت هذا الجرس، وانتقاما لنقلي لهذا القسم الذي يزدحم بطوابير العملاء.
وكان الزحام علي أشده في هذا اليوم ، فحملقت في أوراقي متأففا .بيد أن صوت عامل الفرع لطمني :
- المدير أرسل في طلبك .
وقفت متثاقلا واتجهت إلى مكتبه وشررا يتطاير من عيني ، ونداء خفيا في أعماقي يحرضني .طرقت باب مكتبه طرقات خفيفة، ودلفت وأجزاء جسدي ترتعد، فألفيت زميلي واقفا يمد إلى بملف به أوراق، فألقيت عليه نظرة سريعة، فتبين لي أنه ملف سلفة صغيرة، وقال زميلي مستأذنا:
- أرجو أن تعجل بإنهاء ملف قريبي ، فهو يحتاج السلفة بصورة ملحة .
فرمقت قريبه بنظرة حادة، فوجدته خالعا نظارته السوداء وكاشفا عن عينين جاحظتين تثيران فزعا وشفقة؛ فسقطت إلى أعماق نفسي تأنيبا وخجلا.