الأعداد
في أحاديث خير العباد
صلى الله عليه وسلم
***
إعداد
العبد الفقير إلى الله
صبري الصبري
****
(العدد ستة)
***
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته فسلِّم عليه , وإذا دعاك فأجبه , وإذا استنصحك فانصح له , وإذا عطس فحَمِد الله فشمِّته , وإذا مرض فعُدْه , وإذا مات فاتبعه )) رواه مسلم .
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين ، أما بعد فأستعين بالله تعالى وأقول أن العدد ستة قد جاء في هذا الحديث الشريف الصحيح ليبين لنا حق المسلم على المسلم فالمسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه ولا يخونه ولا يكذبه ولا يحقره ولا يظلمه وهو معه كالبنيان والمرصوص يشد بعضه بعضا ، والمسلم هو من شهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقام الصلاة وآت الزكاة وصام رمضان وحج البيت ما استطاع إليه سبيلا ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمسلم الحق هو من سلم قلبه لله تعالى واستسلم له جل شأنه ، وسلم قلبه من الغش والحسد وعمل بما أنزل الله تعالى ، وهو الذي يفخر ويعتز بإسلامه وبأنه من المسلمين : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قولا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالحا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ) فصلت 33 ، وهو الذي يطبق الإسلام تطبيقا عمليا بسماحة وبشاشة ويسر متأسيا بالرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بين أن ابتسامك أيها المسلم في وجه أخيك صدقة لك وعرفنا حقوق المسلم على المسلم وهو حقوق يؤديها المسلم لأخيه المسلم حينما يحين حينها ويأتي أوانها وتنعقد أسبابها ، وهي حقوق للمسلم أيضا له سوف تُؤدى له من غيره فهو له ذات الحقوق التي يؤديها فبذا ينتشر الود والحب بين المسلمين وتسود الألفة بينهم وتُحفظ الحقوق وتُصان ، وجدير بالذكر أن أي خلل في العلاقات الحميدة بين المسلم والمسلم قرين ضياع تلك الحقوق وعدم صيانتها والتفريط في أدائها على الوجه المطلوب ، فما أحوجنا إلى التفاني في الإستمساك بكل ما يؤدي إلى علاقات حميدة بين المسلم والمسلم حتى يصلح الفرد المسلم وبالتالي تصلح الجماعات والمجتمعات الإسلامية والبلدان والأقطار والأمة الإسلامية كلها ولنستعرض تلك الحقوق الست :
الحق الأول : ( إذا لقيته فسلِّم عليه )
السلام شعار الإسلام والمسلمين وهو تحيتهم في الدنيا والآخرة ، وهو سبب من أسباب التواد والمحبة بين المسلمين وقد أمر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بإفشاء السلام بين المسلمين حيث قال ( لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم ) ، فإفشاء السلام وسيلة ورسالة سامية للمسلم يحرص عليها ويؤديها باستمرار ويسلم على من عرف ومن لم يعرف لأن السلام لا يختص به المسلم من عرف من الناس بل يمتد ليشمل من لم يعرف أيضا فيأتي التعارف والإخاء والرحمة والوئام الإجتماعي المطلوب لصلاح الفرد والجماعات وهو إعلام وإعلان للمسلم عليه أنه سالم من الأذى آمن من الخوف مطمئن أنه في رحاب صفو وسكينة فلا يفزع ولا ينزعج ولا يرتاب فيمن قابله فيبدأ اللقاء بهذا المحتوي النوراني الجميل فيحلو ما بعد السلام من كلام ويمتاز بالفضائل والمزايا ، وصيغة السلام التي يأخذ المسلم عليها الدرجة الكاملة والأجر الوافي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وكل كلمة لها عشر حسنات والله يضاعف لمن يشاء برحمته ورضوانه ، والبدء بالسلام سنة ورده فرض ، وتجديد السلام إذا حجبك عن أخيك المسلم حاجب أو بنيان أو شجرة هو من دواعي زيادة الأمن والسلام والطمأنينة في النفوس وزيادة في الأجر والمثوبة ، ويشمل السلام سلام الرجل على أهل بيته إذا دخل بيته وحدد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كيفية إفشاء السلام بين المسلمين بأن يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على الواقف ، والصغير على الكبير بالكيفية التطبيقية الصحيحة لذلك ويجب على المسلم تعليم أبناءه ذلك وتعويدهم عليه واستمرار متابعته لهم حتى يمتزج السلام في وجدانهم ويختمر في أنفسهم وأرواحهم ، وأوضح صلى الله عليه وسلم كيفية رد السلام في حالة سلام الفرد على جماعة وإنابة أحدهم أو بعضهم في رد السلام عن بقيتهم ومن فضل الله ورحمته أن جعل السلام تحية أهل الجنة (تحيتهم فيها سلام) اللهم اجعلنا من أهل السلام في الدنيا والآخرة يا رب العالمين .
الحق الثاني : ( وإذا دعاك فأجبه )
إذا دعى المسلم المسلم فمن حق الداعي على المدعو أن يجيب الدعوة ويحرص على ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلا خاصة في وليمة النكاح وكل ما يتعلق بالدعوة التي فيها اجتماع خير وفق سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ففي ذلك تطبيق للسنة المحمدية وزيادة لروابط الألفة والمحبة وإدخال السرور والبهجة على نفس الداعي وإشعاره بالتقارب والحسنى خاصة حينما يجد الدعم المعنوي وعرض الدعم المادي عليه من أقربائه وجيرانه وأصدقائه المدعوين ، فالغاية غاية حميدة لأن المسلمين لا يجتمعون إلا على الخير والصلاح لذا لا يجب إجابة دعوة فيها مخالفات شرعية أو لهو أو فجور أو فسوق والعياذ بالله تعالى ، وتجنب ما يشوب الدعوات الصحيحة من مهاترات أو مخالفات أو تجاوزات حتى تكون الدعوة وإجابتها في طاعة الله تعالى وطاعة ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكما تؤدي حق أخيك المسلم فلك حق تلقي إجابات المسلمين الذين دعوتهم فكما عليك حقوق فلك حقوق مثلها فلنحسن أداء ذلك .
الحق الثالث : ( وإذا استنصحك فانصح له )
الدين النصيحة كما أوضح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم النصيحة لأولياء الأمور ولخاصة المسلمين وعامتهم في صدق وسلامة صدر وحكمة رأي وحسن سريرة ، فإن ذلك من حقوق المسلم على المسلم فالنصح يؤدي إلى نتائج طيبة وما خاب من استشار واستنصح وسأل أخاه المسلم الرأي والمشورة في الأمور التي تختلط عليه واختار الناصح الأمين المشهود له بالنزاهة والصدق ، ونلاحظ قول الحبيب المصطفى صلى الهَ عليه وسلم (استنصحك) أي طلب النصح ، فالنصح يكون حقا واجب الأداء بتجرد ومصداقية أما إذا لم يطلب النصح فلا نصح واجب له ، إلا إذا رأى المسلم أخاه ينزلق من منزلق خطر فيبادر هو بالنصح له ، فلربما كان غافلا عن ذلك فإنقاذه حينئذ والمبادرة بنصحه يكون واجبا حتى تتحقق مصلحته في النجاة ، ويجب أن يكون النصح برفق فالنصيحة على الملأ فضيحة كما يجب أن يكون بأسلوب هين لين محبب للنفوس بعيدا عن الغلظة والشدة والجفاء .. أسلوب يجذب الإنسان المنصوح إلى الناصح فيبتهج قلبه ويسعد وجدانه وتنبسط جوارحه فيتحول النصح لمنهاج عملي يقيل المنصوح من عثرته ويقيمه من حفرته ويسير به على صراط مستقيم ويمهد له طريق الفلاح والنجاح .
الحق الرابع : ( وإذا عطس فحَمِد الله فشمِّته )
الحق الرابع للمسلم على أخيه المسلم إنه إذا عطس فحمد الله تعالى فشمته ونلاحظ حرف الفاء الدالة المسارعة في حمد الله تعالى بعد العطاس للعاطس والمسارعة في التشميت للمشمت ، ولكي ندرك معنى العطاس والتشميت ذهبت لقواميس اللغة لمعرفة ذلك :
( عَطَسَ الرجل يَعْطِس، بالكسر، ويَعْطُس، بالضم، عَطْساً وعُطاساً وعَطْسة، والاسم العُطاس وفي الحديث: كان يُحِب العُطاس ويكره التَّثاؤب. قال ابن الأَثير: إِنما أَحبَّ العُطاس لأَنه إِنما يكون مع خفة البدن وانفتاح المسامِّ وتيسير الحركات، والتثاؤب بخلافه، وسبب هذه الأَوصاف تخفيفُ الغذاء والإِقلال من الطعام والشراب ، إنَّ اللهَ يُحِبُ العُطاسَ ويكره التَثاؤب , والمَعْطِس والمَعْطس: الأَنف لأَن العُطاس منه يخرج. قال الأَزهري: المَعْطِسُ، بكسر الطاء لا غير، وهذا يدل على أَن اللغة الجيّدة يَعْطِسُ، بالكسر. وفي حديث عمر، رضي اللَّه عنه: لا يُرْغِم اللَّهُ إِلا هذه المَعاطس؛ هي الأُنوف. والعاطُوس: ما يُعْطَسُ منه، مثَّل به سيبويه وفسره السيرافي. وعَطَسَ الصُّبح: انفلق . وفي الحديث: أَنه عَطَسَ عنده رجل فشَمَّته رجل ثم عَطَس فشَمَّته رجل ثم عَطَس فأَراد أَن يُشَمِّته، فقال: دَعْه فإنه مَضْنُوك أَي مزْكوم؛ قال ابن الأثير: والقياس أَن يقال فهو مُضْنَك ومُزْكَم، ولكنه جاء على أُضْنِك وأُزْكِم .
وتَشْمِيتُ العاطسِ: الدُّعاءُ له. ابن سيده: شَمَّتَ العاطِسَ؛ وسَمَّتَ عليه دَعا له أَن لا يكون في حال يُشْمَتُ به فيها؛ والسين لغة ، عن يعقوب . وكل داعٍ لأَحدٍ بخير، فهو مُشَمِّت له، ومُسَمِّتٌ، بالشين والسين، والشينُ أَعلى وأَفْشَى في كلامهم . التهذيب : كلُّ دعاءٍ بخيرٍ ، فهو تَشْمِيتٌ . وفي حديث زواج فاطمة لعليّ، رضي الله عنهما: فأَتاهما ، فدعا لهما ، وشَمَّتَ عليهما ، ثم خَرجَ . وحكي عن ثعلب أَنه قال: الأَصل فيها السين، من السَّمْتِ، وهو القَصْدُ والهَدْيُ . وفي حديث العُطاسِ: فشَمَّتَ أَحدَهما، ولم يُشَمِّت الآخرَ؛ التَّشْمِيتُ والتَّسْميتُ: الدعاءُ بالخير والبركة؛ والمعجمةُ أَعلاها. شَمَّته وشَمَّتَ عليه، وهو من الشَّوامِتِ القوائم، كأَنه دُعاءٌ للعاطس بالثبات على طاعة الله؛ وقيل: معناه أَبْعَدَك الله عن الشَّماتةِ، وجَنَّبك ما يُشْمَتُ به عليك. ) انتهى ما نقلته من الباحث العربي للقواميس .
وأقول أن العطاس فيه فوائد جمة للجسم ولكنه له آثار كبيرة على الإنسان إذ أن الحجاب الحاجز يرتفع كما جاء في تقرير طبي ذكر أن المرأة الحامل يمكن في ظروف معينة أن تفقد حملها بعطسة واحدة لولا لطف الله عز وجل لذا فقول العاطس الحمد لله هو حمده لله تعالى وشكره أن نجاه من الآثار الجانبية من العطسة ، فيتلقى دعوة المشمت : يرحمك الله برحمته فيرد عليه بدعوة مماثلة يهديكم الله ويصلح بالكم ، يرحمنا ويرحمك الله فتنساب الألفة والمحبة بينهما وتدوم المودة بينهما إذ أن المسلم إما عاطس يحمد الله فيشمته أخوه فيدعو له بالهدى وصلاح البال والرحمة وإما سامع لحمد أخيه المسلم بعد عطاسه فيشمته فينال تلك الدعوات الصالحات ، ويجدر بالعاطس أن يعطس في رداء أو منديل يحجب عطاسه عن الآخرين لكي لا يتناثر رزاز عطاسه على الناس فيعديهم خاصة إذا كان مصابا ببرد أو زكام وأن يخفض صوت عطاسه بقدر ما يستطيع حتى لا يزعج الآخرين بصوته ، وللنظر ونتأمل كيف نظم الإسلام العلاقات بين المسلمين فلم يترك شاردة ولا واردة إلا حدد لها تصرفا وسلوكا يحقق مزيد الود والخير والوئام بينهم فالحمد لله رب العالمين .
الحق الخامس : (وإذا مرض فعُدْه)
المرض ابتلاء من الله تعالى يبتلي به العبد المسلم ليختبر صبره ويمتحن رضاه بقضاء الله تعالى وقدره ، وله به الأجر من الله تعالى لأن المسلم ما أصابه من هم أو غم أو نصب أو مرض حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها عن خطاياه ، فهو مأجور إن صبر وهو آثم إن ضجر وتململ وسخط ، وجعل الله تعالى للمسلم حقا عن أخيه المسلم إن مرض أن يعوده ويزوره ويجلس عنده قليلا يؤنسه ويواسيه ويدعو اللهَ له بالشفاء ويصبره ويذكره بالله تعالى وابتلائه ويخفف عنه سقمه ومعاناته وقد جاء بالحديث القدسي عتاب اللهُ عز وجل لعبده الذي لا يزور أخاه المسلم المريض (مرضت فلم تعدني) ، (كيف تمرض وأنت رب العالمين ) ، (مرض عبدي فلان ولم تعده ولو عدته لوجدتني عنده) الحديث ، كما حض الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على زيارة المريض والدعاء له وعلمنا آداب زيارة المريض وجعلها حقا من حقوق المسلم على المسلم تحقق الألفة بينهما وتؤكد العلاقات الطيبة بينهما في السراء والضراء ، وكما يزور المسلم أخاه المسلم المريض فسوف يُزار من قبل أخيه المسلم إذا مرض وهكذا يكون المرض وسيلة تآخي وتواد وتراحم بين المسلمين ، أسأل الله تعالى أن يعافينا من كل مرض وأن يرزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة .
الحق السادس : (وإذا مات فاتبعه)
لا تتوقف حقوق المسلم لأخيه المسلم على حياته بل تمتد إلى مماته فمن حق المسلم لأخيه المسلم أن يتبع جنازته ويشيعه لمثواه الأخير ويبادر فور سماعه خبر موته إلى ملازمة غسله وتجهيزه إن كان من جيرانه أو أرحامه حتى يصلى عليه ويدخل قبره ويدعو له بالرحمة والمغفرة فمن فعل ذلك فقد أدى حقا من حقوق أخيه المسلم ونال قيراطين من الأجر كل قيراط مثل جبل أحد ذهبا ، وسوف يشيع المسلم يوما ما فسوف يجد من يشيعه كما شيع هو إخوانه المسلمين وسوف ينال دعواتهم بالرحمة والمغفرة كما دعا هو لهم فالحقوق متبادلة الأداء يمتد نورها وبركتها إلى عالم البرزخ بفضل الله تعالى ورحمته .
***
العدد (خمسة)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( حق المسلم على المسلم خمس رد السلام و عيادة المريض و اتباع الجنائز و إجابة الدعوة و تشميت العاطس ) متفق عليه .
وقد ورد العدد خمسة في حقوق المسلم على المسلم في الحديث المتفق عليه الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه وقد سبق استعراضها آنفا والحمد لله رب العالمين
***
فاللهم وفقنا لأن نؤدي حقوق أخواننا المسلمين في صدق وأمانة وإخلاص القلب لك يا رب العالمين اللهم اجز عنا سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أحسن الجزاء وارزقنا صدق محبته وصدق اتباعه وأنالنا شفاعته العظمى يوم الدين وصحبته في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .