تتعجب في صمتٍ ، وهم يسردون حكاياهم ..
يجمعون خبراتهم كحبات الزيتون ، يحصدونها من سنوات تجاربهم ، ويحاول كل حكيم منهم أن يهديك عصارة فكره ..
يحسبون في جهل ٍ بأنك مسافر ٌ لطلب علمٍ ، تحقق به رغبة والديك المحمومة منذ الصغر ، يحلمون بيوم رجوعك إليهم ، متوشحاً بمعطف التخرج والشهادة ، وأحلامك أكبر من أي شهادة ..!
تهز رأسك موافقاً لكلمات لا تستمع إليها ، وتتوارد في ذهنك الصور ، تحاول أن تقرأ صورة الغدِ لمن يحيطون بك ، أبوك ، أمك ، أختك ، زوجتك العروس ..
تتسع العدسة أكبر ، فترى الجيران ، تشعر بتمسكهم بمتاع الدنيا ، وتشعر في الوقت ذاته بروحك التي ترنو إلى الرحيل خارج وطنك .. !
صوت الأذان يقطع حديثهم وشرود فكرك ، يستهمون إلى الصلاة ، يوحدون الله ، ويستغفرون ، وشيخ الحارة يدعو إلى الاصطفاف في استقامة وخشوع ..
الله أكبر
نعم .. الله أكبر من حاكم استبد وتأله ، أكبر من ترسانته وجنده وحقده ، أكبر من تآمر العالم ضد الحق ..
سمع الله لمن حمده
سبقني " نضال " في كل شيء ، وما أزال متردداً .. يا لعاري وعار من حولي الآن .. !
السلام عليكم ورحمة الله
السلام عليكم ورحمة الله
تودعهم بنظراتك ، تسمعهم يستغفرون ، ويحمدون ، تبتسم لهم دون أن يروك ، وتغادرهم إلى المطار دون كلماتك الأخيرة ..
تخبرهم بقرارك قبل إنهاء المكالمة ، تتركهم في ذهولهم ، وتدعو الله أن يتماسكو بعدك .. !
تنسى عناء التنقل من المطار إلى الحدود التركية ، لحظة عناق " نضال " ، وتفرح في انتشاء حين دفع إليك بالبارودة ..
ليلتك معه حملت ذكرياتكما معاً منذ الطفولة ، وأحلامكما نضجت مبكراً ، والشوق إلى لقيا وجه الكريم جمعكما في لحظة صدقٍ وجداني .
يخبرك ..
عن رؤية ذلك الشهيد ، قبل استشهادة بثواني ، فيتهلل وجهك .
الصلاة خير من النوم ..
تتوضأ وتصلي ، تخشى أن تطيل في صلاتك ، تخشى ذاك الشوق أن تخمد شعلته النيرة ..
تبتسم وأنت تطالع وجه صاحبك ، النائم في تعب ، تحمل بضاعتك على ظهرك ، وحول خصرك ، وتبيعها إلى الله ، تطلب في صدقٍ جنته .
.
.
ترحم الصادقون ، المجاهدون ، المخلصون على روحكِ دون جزع ٍ ، وبكاك أبوك حين وصله الخبر ، وزغردت أم الشهيد .
إهداء ..
إلى أراوح الشهداء الأحرار الشرفاء في سوريا الحبيبة .