أناخَ بدارنا ذلُّ المقامِ
ودقّت بابَنا ريحُ السّآمِ
وأقفرتِ الخمائلُ من رياضٍ
يعكّرُ صفوَها كدَرُ القتامِ
وقرْصُ الشمسِ مُنكسرٌ سناهُ
لما يغشاهُ من سودِ الغمامِ
وما عاد القصيدُ بوصْلِ ليـلى
لينظمَ قيسُها دررَ الكلامِ
وما كان الجفاءُ بطبعِ قيسٍ
وقد أودى به طولُ الهيامِ
ولكنّ الخطوبَ أشدُّ وقعاً
على الأبدان من حدّ الحسام ....
أتتْ تترى فمن شرقٍ لغربٍ
تهيمُ بنا كموجِ البحر طـامِ
فكيف لشاعرٍ بالخلِّ وصلٌ
تقطّع دونهُ حبلُ الوئامِ؟
وكمْ سقَتِ المدامعُ حرَّ خَـدٍّ
فلم يُروى ولم تكْفِ الهوامي ...
فكيفَ بها و قد سحّتْ حميماً
أيطفئُ حرُّها نارَ الضرامِ..؟
فأرضُ الشامِ تسكنها الرزايا
ويثخنُ جرحَها عسفُ الطّغامِ
يعربدُ فوق غوطتها لئيـمٌ
يشوبُ فراتَها سيل الحِمامِ...
..ألسنا أمّةً وُثـقتْ عُراها
يشدّ بناءَها حفظُ الذّمامِ..؟
فإن هُدمت مآذنُ في دمشقٍ
تئنُّ مآذنُ البيت الحرامِ
فحيّ على الفلاح هناك تسمو
بحيّ على الجهادِ ذرا السنامِ
وفي مصر الكنانة حزّ قلبي
شيوعُ الخوف في أرض السلام
لمحنا في بزوغِ الفجرِ بشرى
فجاءَ العسفُ بالمِحنِ الجسامِِ
صحافُ "تمرّدٍ" * جُعلتْ مطايا
لطمسِ العدلِ في جنْحِ الظلامِ
رأيت فلولهم صالتْ و جالتْ
تذيق الحُرَّ من شرّ انـْتقامِ
... فذا شامٌ.. وذي مصرٌ فهل لي
لمثل ملمّةٍ قربُ انْصرامِِ..؟
وبينهما جراحُ القدسِ فاضت
على جسدٍ تمزّق في الخصامِ
مآسيَ مزّقت شريانَ قلبي
و أرّقت العيونَ من السّقامِ
وفي الليل البهيمِ عدمتُ بدراً
وصرتُ أرقبُ نورَهُ بين الغمامِ
فبعد مُحاقه ينمو هلالٌ
وبعد هلاله بدرُ التّمامِ
ِلئن تتعاظم الأوجاعُ فينا
سنرسم فوقها ثغرَ ابْتسامِ
لنا أملٌ وللأمل اصْطبارٌ
تمازجَ في الدّماءِ و في العظامِِ