منقووول
أ. فائق فهيم
من نافلة القول أن نسجل حقيقة أن السياسة مصالح، ولا يوجد مجال فيها للعاطفة والحب والإيثار وغيرها من قيم العطاء. كما لا يختلف اثنان على أن الدول الكبرى عملت وتعمل دائما من أجل مصالحها حتى وإن أدى ذلك إلى الخوض في دماء الضعفاء وتكسير عظامهم وتحطيم قدراتهم. وقد حيرني وشغلني وأثار عجبي دائما ذلك الحرص الأمريكي على دفع المرأة العربية قدما وتحريرها، كما لو كانت أسيرة ومنحها المزيد من الحقوق.
اتضح ذلك في العديد من الأمور، أولها عبارة تذيل طلبات الوظائف كافة التي تعلن عنها الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، بأن تعطى أولويات الترشيح للمرأة، خاصة إذا كان الإعلان موجها للمجموعة العربية. والأمم المتحدة في العصر الأناني "نسبة إلى كوفي أنان" هي أداة صغيرة في وزارة الخارجية الأمريكية. فمهمة الرجل صياغة المطالب الأمريكية بقلم عالمي لإكسابها المشروعية عندما يبدأ الغدر والعدوان، ونحن الآن بصدد فبركة ضد سورية بطلها الهمام أنان.
واتضح ذلك من التعليمات التي تصدرها واشنطن إلى الدول العربية بإعطاء المرأة فرصا أكبر، وجعلها تتسنم مواقع أعلى، مع الإصرار على التنفيذ. اتضح كذلك من تجنيد شخصيات نسائية مرموقة في دول مثل مصر، تونس، المغرب، ولبنان، وغيرها لريادة حملات تقوية المرأة قانونيا وقضائيا بحيث تصبح لها اليد العليا في البيت. ولذلك صدرت قوانين معيبة تتيح للمطلقة مثلا أن تستدعي عشيقا إلى بيت الزوجية الذي لم يخرج منه الزوج الكسير، لأنها منحت حق امتلاك الشقة أو نصفها. وأطلق على مثل هذه القوانين أسماء حملت صفات عديدة، لكنها تعكس ولعا أمريكيا عجيبا بمصالح المرأة العربية.
كان نموذج أتاتورك في تركيا الذي أعدم ثلاث محجبات لارتدائهن الحجاب في إسطنبول والنموذج التونسي الذي ساوى في التوريث بين الرجل والمرأة في انتهاك صارخ للشريعة الإسلامية مع منع الرجل من الزواج بثانية تحت أي ظرف. هذه النماذج راقت للعم سام. وكنت أتساءل دائما: هل يفعل العم سام هذا حبا في نسائنا وغيرة على مصالحهن أم أنه له في ذلك إرب وغرض؟
ومع استعار حملة العم سام حملقت بناظري فيما حولي فوجدت المرأة العربية والآسيوية والإفريقية والمسلمة أفضل حالا من الأمريكية، وأدلتي على ذلك:
أولا: إن نساء مثل أنديرا غاندي وسونيا غاندي في الهند وبنازير بوتو في باكستان ومسز باندرانيكة وابنتها شاندايكة في سريلانكا وكورازون أكينو وجلوريا أوريو في الفلبين وحسينة وخالدة في بنجلادش وميجاواتي سوكارنو في إندونيسيا تولت القيادة المطلقة في دول مهمة وكثيفة السكان ومعظمها دول إسلامية أو ذات تعداد سكاني مسلم له وزنه، في حين أن قائمة رؤساء أمريكا من أولهم جورج واشنطن إلى جورج دبليو بوش رقم 43 لم تتضمن رئيسة واحدة. بل إن فيرارو وهي امرأة تم ترشيحها كنائبة للمرشح الرئاسي الديمقراطي دوكاكيس فشلت وأفشلت مرشحها، ونساء أمريكا حرمن من حق التصويت لمئات السنين في عمر دولة قصيرة الوجود إلى فترة وجيزة، بل إن المرأة الأمريكية ما زالت تعاني عدم المساواة في الأجور، أما تعيين أولبرايت وكوندوليزا رايس سكرتيرتين "ولا أقول وزيراتين" للخارجية فهو ذر للرماد في العيون فهما بلا صلاحيات حقيقية، والأولى جاءت لإرضاء مهاجري شرق أوروبا "تشيكية" والثانية لإرضاء 60 مليون أسود، ولم يكلف العم سام نفسه مشقة قراءة تاريخ المرأة في الشرق الأوسط، ويبدو كما هو معروف عنه من ضحالة أنه لم يسمع عن ملكة بابل، سميراميس، وملكة اليمن بلقيس وملكة تدمر في الشام الملكة زنوبيا، كما لم يسمع بحتشبسوت المصرية أول من أرسل أساطيل التجارة إلى أنحاء المعمورة، أو نوفرت ونفرتاري ونفرتيتي أو أم أحمس محرر مصر من الهكسوس أو مجموعات كليوباترا من الأولى إلى التاسعة أو شجرة الدر وقطر الندى، وهو ما يشي بأن النساء كالرجال نلن فرصا متساوية في كل شيء من الحكم إلى قتل الشريك.
أما التدخل القميء السافر الذي تمارسه واشنطن في قضية المرأة في بلادنا، وقلقهم العارم لعدم وجود نواد للشواذ وعدم قيادة المرأة السيارة في فيافي الصحراء (مع أن النساء يقدن السيارة لخدمة مصالح الأسرة في جنوب الجزيرة) وعدم السماح لهن بالسهر في نوادي الديسكو، فذلك يدخل في حساب رؤية أمريكية تتوقع من الشعوب أن تتحول إلى مرافئ لذة للأمريكيين كما حدث في تايلاند والفلبين وبعض دول أمريكا الجنوبية ومعظم الجزر اليونانية والهند الغربية واليابانية.
وقد أبلغني صديق له خبرته في المجال الدبلوماسي أن الوكالات والهيئات الأمريكية العاملة في حقل التجسس مثل وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وآلاف المكاتب الملحقة بالسفارات تحت اسم "أمن" وتعمل في التجسس، شكت مر الشكوى من أن قدرتها على الحصول على معلومات مثالية عن دول الشرق الأوسط معوقة بسبب عدم وجود حياة اجتماعية على النمط الغربي، حيث يجتمع النساء والرجال في سهرات اجتماعية تضم الصفوة والنخبة وصناع القرار حيث يثرثرون بأهم الأسرار دون وعي، وهنا يصل إلى الأجهزة المحروسة كل ما تريد بأرخص الأثمان، ولذلك يجري الضغط لإعطاء الزمام للنساء ثم الترنم بحريتهن وقدرتهن على فتح صالونات وجلسات تتيح هذه الوظيفة. وقال آخر إن السبب يرجع إلى دراسات نفسية أجريت على الرجل العربي أثبتت أنه إذا هزم اجتماعيا أمام المرأة فلن يصلح للتصدي لمستعمر أو دخيل أو صاحب مصلحة أجنبي، مما يسهل المهمة التي تعلم أمريكا علنا على تحقيقها.
والطريف أن المرأة اليهودية وهي الجارة المفروضة والمزروعة قسرا في ترتبنا العربية، التي تنعم بمظلة العم سام تعاني أشد المعاناة من الدونية والحرمان من الحقوق الأساسية، ولكنا لم نسمع ببنت شفة صدرت من واشنطن لصالحها ولخدمة قضيتها وهي المقهورة الضائعة. فإسرائيل دولة دينية قامت على أساس ديني والارتباط بين الدين والدولة قوي والشريعة اليهودية تفرض تمييزا حادا بين الرجل والمرأة وتخضع أمور الزواج والطلاق كافة لسلطة المحاكم الشرعية التي لا تعترف بأي مساواة للرجل بالمرأة. والتلمود والعهد القديم هو أساس الزواج ولكن العم سام لا يحب ذلك لدى المسلمين. ورغم أن المرأة وفقا للشريعة اليهودية مملوكة للرجل وله وحده حق الطلاق وإذا طلقها طردها من بيته بلا حقوق والمطلقة اليهودية نجسة لا يحق لها العودة إلى زوجها وبذلك يمكن لليهودي أن يعلق امرأته إلى ما لا نهاية، كما أن الشريعة اليهودية تلزم الأرملة بأن تتزوج أحد إخوة الزوج الميت، ولا يؤخذ بشهادة المرأة اليهودية على وفاة زوجها، وإذا كان شقيق زوجها قاصرا (عمره 12 عاما مثلا) تنتظر حتى بلوغه حتى يخير في زواجها. وهناك عشرات الأمور التي لا قيمة إطلاقا للمرأة فيها، ولا مجال لمقارنتها بالمرأة المسلمة. ومع ذلك فإن مدافع الإصلاح الأمريكية على بلادنا لم تطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل، الأمر الذي يؤكد صدق ظنوننا من أن اللعبة مقصودة للهيمنة الإهانة وبتحريض من الوكيل الإقليمي لشؤون التحريض ضد العرب وهو الصهيوني التائه.
ـــــــــــــــــــــــــ ــــ
عن جريدة الاقتصادية 26 ـ 11 ـ 2005