أ*. فوزي الشلبي و الوردة ليست لك وحدك
الأستاذ فوزي الشلبي أديب قدير شاعر و قاص و مترجم , و في كل صنف أدبي له صوت مميز , في الشعر هو ذلك الشاعر صاحب النفس الطويل الذي نقرؤه كثيرا في القصائد الدينية و الوطنية , يكتب الشعر باللغة الإنجليزية كذلك , أما السرد و هذا ما أنا بصدد التركيز عليه هنا , فله أسلوب مميز فيه نجد التكثيف و الرموز و اللغة البسيطة التي تخفي وراءها دلالات عميقة فيها يناقش قضية الوطن المسلوب و عدة قضايا اجتماعية قرأت له مسبقا قصة ( لوعة الحرمان ) و (علبة العصير ) و فيها الكثير من الإبداع و الآن ها نحن أمام قصة جديدة له
و ألفت النظر هنا أننا أمام شكل جديد من القصة , هنا لا يوجد إسهاب و سرد مطول , هذا الشكل الجديد محتكم لما نعيشه من تطور تكنلوجي , و كما وجدت الأفلام القصيرة و من ثم الأفلام الصامتة , أرى أن هذا نوع جديد من القصة فيه يقتبس الكاتب أهم اللقطات , و كأني أمام ( سكيتشات قصيرة ) تشرح لنا في كل واحد منها جزءا من رواية مطولة عنوانها
( الوردة ليست لك وحدك )
أظنني مررت بهذا النوع و لقيت ما يشبهه لدى الروائية ( هيفاء بيطار) و لكن كان مطولا مسهبا لأنه عمل روائي / أما أن يكون قصة قصيرة فهذه هي المرة الأولى التي أرى بها هذا النوع من السرد.
البداية كانت رمزية مكثفة تفتح أمام القارئ بعض الأبواب ليدلف لبقية النص , نشاهد أسرة تعيش في سعادة و فجأة جاءت تلك الطفلة المشاكسة لتقطف وردة من المنزل وولت مدبرةْ - الطفلة هنا هي رمز للسفر أو الغربة أو امرأة من بلد غريب فقد دخلت البيت و أخذت أحدا من هناك و هربت به إلى بلدة أخرى .
بدئ النص بتصوير لمكان جميل و كأننا أمام كاميرا تنقل لنا المشهد (برزت وردةٌ من بين المشربياتِ إلى مدخلِ السلمِ الدرجي الصغيرِ المفضي إلى ساحةِ البيت) هل أراد الكاتب بهذه البداية أن يوضح لنا أننا أمام فيلم قصير مكون من عدة مشاهد ؟
و من ثم و بعد هذه الرمزية تأتي بقية الأحداث في شكل اللقطات السريعة , التي اختارها مبدع ذكي فنقل لنا أهم الأحداث بتقنية جديدة بديعة
1- الأم تنصح ابنها أن يمسك زوجته , و هل الزواج هنا زواج أم هو اقتران الشخص بمكان آخر و بوطن آخر؟
هنا جاءت لفظة الغربة و السفر و الأم تقول لابنها ابق عسى الله أن يصلح بينكما , (لقد تحمَّلتَ غربتكَ عنا سنينَ طوالا.. ولم يفتَّ ذلكَ منْ عضُدي أو احتمالِ صبري، ولقد كنت في خلدي ابنا باراً رضياً مرضياً، ولا يحملنَّك البرُّ بي أن تختارَ بينَ أمرين في البقاءِ أوالسفر، فما العمرُ إلاّ سفرٌ أوشكَ أن أحطَّ فيه عصا التّرحال!)
نفهم من هذا الكلام أن الأم \ الوطن و مع أنها تريد عودة ابنها إلا إنها تصبر على البعد و تقول له أنها راضية عنه و أنها تتفهم ظروفه , و في هذه العبارة (فما العمرُ إلاّ سفرٌ أوشكَ أن أحطَّ فيه عصا التّرحال!)عمق كبير و تكثيف ورمزية بديعة .
2- الولد يقرر الزواج و في نفس الوقت يتذكر زوجته الأولى بحسرة _ قرار و غصة , وجع و ذكريات ماض , و ابتعاد من مكان لآخر , هنا تصوير للحظات مهمة كذلك فنشاهد بطلنا يسافر لبلد غريب عنه يدرس هناك و يتخرج و يتزوج من ذلك البلد , و يستقر هناك للعمل , و من ثم يتنقل من بلد لآخر للبحث عن لقمة العيش , إلى أن تضعه زوجته أمام خيارين ___
(آه يا أم نصيف ) هذه هي الشخصية الوحيدة المسماة و لهذا علينا التركيز عليها و على هذا الاسم , فالزمن هنا مجهول و المكان (غربة ) و شخصيات القصة أيضا ليست واضحة.
نصيف و هو النصف فيه الدلالة بالسعي وراء الاكتمال ف
( أبو نصيف ) نصفه في وطنه و نصفه الآخر متنقل من بلد إلى بلد .
3-( إلاّ أُمّي لو تعلمين ما الأم يا أمّ نَصيف، الأمُّ هي ذلك الوطنُ الكبير!)
هذه لوحدها قصة و هنا نلحظ الاسترجاع و كأن الشريط يعود قليلا للوراء , فنرى عودة الذكريات و بيان سبب الفراق , نعم الأم هي الوطن , ثم ألا نفهم من هذا الكلام (لو تعلمين ما الأم يا أم نصيف ؟)... أن الوطن ليس مثله وطن , هي أم و مع هذا يقول لها لو تعلمين ما الأم , الأم هي ذلك الوطن الكبير, أي أنها لم و لن تصل لتلك الدرجة الكبيرة والسامية , و البلد الغريب لن يشبه الوطن أبدا .
4- قرار أم نصيف بالتخلي عنه : أذهب إلى أي مكان إلا بلدك
هنا ترفض الزوجة العودة, تمنعه من أمه \ من وطنه .
5- قال لزوجهِ الثانية التي دخلَ بها الآن:
اعلمي أن الوردةَ إذا قطفتِها من حوضِها لنفسكِ، فستستمتعينَ بمنظرِها وعبيرِها يوماً أو يومين، أما إذا تركتِها في موطنِها، فستسعدينَ بمنظرِها وعبيرِها، وسيسعدُ بها الآخرون..
هنا يتجلى الاستدراك و نلحظ بطل القصة و هو يعود لواقعه و لزوجته الجديدة , و بعد تجربته السابقة و تعلمه مما عاشه يقول لها بأن الوردة إذا قطفت من مكانها فستمكث يوما أو يومين و تذبل _ و يشير هنا لزوجته الأولى _ التي لم تطل المكوث معه و التي قطفته من أرضه و ذهبت به نحو البعيد .
أما إذا تركت الوردة تنمو في مكانها فستسعد بها و يسعد بها الآخرون ( من أبناء وطنه ) .
و بهذه النهاية نفهم البداية , التيكانت مبهمة بعض الشيء
و الوردة ليست لك وحدك , نعم ليست لك وحدك عنوان يحمل الكثير و الكثير و معادل رمزي جميل و هو الوردة , و الوردة هي ملك لتربتها لوطنها و ليست ليد غريبة تقطفها لتمكث ندية يوما أو يومين و تجف بعدها و تموت
النهاية مفتوحة هنا
لذا سأنهيها بهذا الشكل : لن تتكرر المأساة الأولى و ستتفهم الزوجة الثانية مراد أبي نصيف , لن تبعد الوردة عن تربتها , و ستحتضن الأم ابنها