كم مضى من عمرك؟
كتبها عبد الرحمن السحيم
العُــمُـر يمضي سريعـاً
والعُــمُـر ما مضى منه لا يعـود
قيل لمحمد بن واسع : " كيف أصبحت ؟ "
قال : " ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة ؟ "
وقال الحسن : " إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضي يوم مضي بعضُك " .
قال : " ابنَ آدم إنما أنت بين مطيتين يوضِعانك ؛ يوضعك الليل إلى النهار و النهار إلى الليل حتى يُسْلِمانك إلى الآخرة ، فمَن أعظمُ منك يا ابنَ آدم خطراً ؟ "
وقال : " الموت معقود بنواصيكم ، و الدنيا تطوي من ورائكم ".
وقال داود الطائي : " إنما الليل و النهار مراحلُ ينزلها الناس مرحلةً مرحلةً حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تـُـقدِّم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل ، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو ببعيد، و الأمر أعجل من ذلك ، فتزوّد لسفرك ، و اقض ما أنت قاض من أمرك ، فكأنك بالأمر قد بَغَـتـَـك ".
و كتب بعض السلف إلى أخ له : " يا أخي يَخيّـل لك أنك مقيم ، بل أنت دائب السير ، تُساق مع ذلك سَوْقا حثيثا ، الموتُ متوجِّه إليك ، و الدنيا تُطوى من ورائك ، و ما مضى من عمرك فليس بِكَـارٍّ عليك حتى يَكُـرَّ عليك يوم التغابن ".
سبيُلك في الدنيا سبيلُ مسافر *** و لا بــد من زاد لكل مسافـر
ولا بد للإنسان من حَمْلِ عُدَّةٍ *** و لا سيما إن خاف صَوْلَةَ قَاهِرِ
وأنشد بعض السلف:
إنا لنفــرح بالأيام نقطعهــــــــــا *** و كل يوم مضي يُدني من الأجلِ
فاعمل لنفسك قبل الموت مُجتهدا *** فإنما الربح و الخسران في العملِ
[ أفاده ابن رجب في جامع العلوم و الحِكم ]
و العُــمْـر فيه سـؤالان :
سؤال عن مرحلة القوة و الكسب و الإنتاج ، مرحلة الشباب .
و سؤال عن العُــمُـر جملة
و لذا لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس ؛ منها :
عن عمره فيم أفناه ؟
و عن شبابه فيم أبلاه ؟
فـأعِـدّي للسؤال جواباً ، على أن يكون الجواب صواباً
تأملي في عُـمُـرِك
كم مضى منه ؟
و هل انتفعت بما مضى من عُـمُـرِك ؟؟ أو مضى سَبَهْلَلاً و ضـاع سُـدى ؟؟
سأل رجل الإمامَ الشافعيَ عن سِـنِّـه قال : " ليس من المروءة أن يُخبِر الرجل بِسِنِّـه "،
سأل رجل الإمام مالك عن سِنّـه فقال : " أقبل على شأنك . ليس من المروءة أن يُخبِر الرجل بسنه ؛ لأنه إن كان صغيرا استحقروه ، و إن كان كبيرا استهرموه".
تأملي في عُمُرِك
فإن كنت صغيرة فقبيحٌ أن يزول عمْرك سريعا في لهو و طَيْش
و إن كنت كبيرة فتداركي ما فات ، فما أقبح التصابي من كبير
أيا نفس ويحك جاء المشيب *** فما ذا التصابي؟ و ما ذا الغزل؟
تأملي قول القائل :
الناس صنفان كموتى في حياتهمُ *** و آخرون ببطن الأرض أحياءُ
فمن أي الصنفين تريدين أن تكوني ؟
لقد وقفت و طال وقوفي
و تأمّلتُ فما انقضى التأمّل
و كم تعجّبت و أنا أقرأ سيرة ذلك العالم الذي سارت بأخباره الرّكبان ، و طوّف بكُـتُـبه في الآفاق و قرأها الصغير و الكبير، و دَرَّسها العلماء لطلاّب العلم، إنه الشيخ حافـظ حكمي - رحمه الله – صاحب المصنّفات النافعة في العقيدة و غيرها
أتعجّب من سيرته
و مثارُ العجب أنه وُلِـد عـام 1342 هـ و توفي عـام 1377هـ
كم كان عمره عندما مات ؟؟
لقـد كـان عمـره (35) سنــة فقــط
ما أعظمَ أَثَره على الناس و قد مات في ريعان شبابه
فكيف لو عاش ردحـاً من الزمن ؟؟
و قبله الإمام النووي رحمه الله ، صاحب المصنَّفات التي طوّفت أرجاء المعمورة ، و مُلِئت أرفف المكتبات ، مات و عمره (45) عاماً .
و غيرُهم من علماء الإسلام الذين ماتوا في مقتبل العُمر
قـفي مع هذه السِّـير ، ثم قارنيها بسير بعض العلماء الذين لم يطلبوا العلم إلا بعد الأربعين .
ليس ثمّ صغير على العلم ، كما أنه ليس هناك كبير على العلم و التّعلّم، حتى ذكروا في ترجمة شبل بن عباد المكي أنه طلب العلم بعد الخمسين .
و جاء في سيرة أبي نصر التمَّار أنه ارتحل في طلب العلم بعد الستّين .
فتأملي في سيرة الشيخ حافظ و كيف بقي أثره في الناس ؟ و عـمّ نفعه ؟
و تأملي في سير أولئك الأخيار الذين طلبوا العلم و تعلموا بعدما كبروا و بقي أثرهُم في الناس .
فلم يعُـد لك عـذر في إضاعـة عمـرك .
و ينبغي أن تنظري في عمرك مقارنة بأعمار الآخرين .
قال بكر بن عبد الله : " إذا رأيت من هو أكبر منك فقل : هذا سبقني بالإيمان و العمل الصالح فهو خير مني ، و إذا رأيت من هو أصغر منك فقل : سبقته إلى الذنوب و المعاصي فهو خير مني".
فإن كنت صغيرة فلا تقولي : إذا كبرت عَمِلت و عَمِلت!
و إن كنت كبيرة فماذا تنتظـرين ؟
فليس بعد الكِبَرِ إلا الموت !
فهنيئاً لمن بادر فترك له أثراً يُنتفع به
فاعمل لنفسك قبل موتك ذَكِّرْها *** فالذِّكر للإنسان عمر ثانِ