محمد حلمي الريشة وأطلس الغبار
أمسية السكاكيني
زياد جيوسي
ليلة رمضانية جميلة مع اجواء الخريف ولسعات البرد الناعمة، فكان الدفء في قاعة مركز خليل السكاكيني في رام الله، حيث تميز هذا المركز بنشاطاته الثقافية المتميزة والمتعددة الألوان، فكانت امسية شعرية دافئة مع شاعرنا المبدع محمد الريشة..
بدأت النسمات الدافئة تتسلل الى القاعة مع مداخلة نقدية لمراد السوداني ابدع فيها وصفا واشارات حتى كانت كلماته قصيدة قبل بدء القصائد، كما اشار وعلق الشاعر المتوكل طه، فأخذنا السوداني بسلاسة الأسلوب وجزالة الكلمة الى اجواء اطلس الغبار، في قفزات ناعمة بين دفتي الديوان وبين جنباته مما زاد الشوق لسماع القصائد..
تقدم الريشة بقراءاته الشعرية فاندفقت موجات من الحب الدافئ رددتها جنبات القاعة، فترنم الجمهور مع قوة القصيد وجماليته حتى حلقنا بأجواء من السحر والبيان..
القى شاعرنا ثلاث من قصائده هي الكمائن والضيوف و التّحت من ديوانه الأخير اطلس الغبار الصادر في عام 2004 فكان التتمة لأحد عشر كوكبا من دواوين شعره صدرت خلال ربع قرن اضافة لشمس وقمر من عمل نثري اسمه زفرات الهوامش، وعمل توثيقي اسمه معجم شعراء فلسطين..
وقبل ان اقتطف بعض من زهر القصائد الثلاث، التي اشاعت الدفء بالنفوس والحب في القلوب، اشير لتفاعل الحضور بالحوار والنقاش مع كل قصيدة قبل ان يبدأ شاعرنا بالأخرى، وهذه حالة متميزة اشهد لها، فقد اعتدنا على بعض الأسئلة في نهاية الأمسيات، الا أن الليلة تميزت بالحوار مع انتهاء الشاعر من كل قصيدة، مما ادى لتجاوز الموعد المحدد للأمسية والى اقتصار الأمسية على قصائد ثلاث، فتحولت الأمسية الى جلسة حميمية ذات طابع لطيف من الحوار والنقاش مع الشاعر وما بين الحضور انفسهم، فقدمت العديد من المدخلات والحوارات الجميلة من اناس متمرسين في عالم الشعر والكلمة كشاعرنا المتوكل طه ومن افراد من المتابعين فقط للنشاطات الثقافية وليسوا بالشعراء ولا الكُتاب..
ويهمني بهذه الكلمات البسيطة أن اشد على يد الشاعر الريشة، وابدي سروري بلقائه الشخصي لأول مرة بعد أن عرفته من خلال أشعاره، وان اقول لإدارة مركز السكاكيني ولجنة البرامج فيه..شكرا لكم.. فقد وفقتم بالإختيار واشعتم الدفء في هذه الليلة الخريفية..
من قصيدة الكمائن والتي تتحدث عن المعاناة على الحواجز ونقاط التفتيش وارهاب الجند اقتطف هذه المقاطع:
[ الجنود اعتلوا سرو التذاؤب،
لا لشيء
سوى قناعة النفس بشجاعة الأسلحة ]
***
في الرحلة الشاحبة
ذات الاتجاه المتشقق كصفير متقطع
وحيث الغبار يقاس بالجزع الذي يقلب الحواس كالطهاة
أدفعني بجناحي قبلة عابرة
لها نكهة قهوة بطيئة
تركها خوف امرأة على خبز وجنتي،
وبترتيل بصمات الحيطة والحذر
دون استراحة ممكنة
لحبيبات الطلع فوق هدبي الرماديين،
أدفعني نحو طي المسافة التي تتمادى
في رعونة اوصافها
علّي أرى ما يرى الرائي:
سكر يديه
ي ن ث ر ه
فوق انتصافات نهاراتنا المطفأة !
***
ومن قصيدته الضيوف ..
لفائفي تغادر منفضة الوقت
الى
ضحكة سعال
على الضفة الأخرى للهاتف
تثب ثعالب اللوم
موجة ..موجة
داخل جرس الأذن
الآن يتصل الضيوف
ولا يصِلون،
كأنهم اشواك لذة
في حضن قطن مبلل/
كأنني يد ثالثة
تلوح بنضوج قروحها/
كـأننا محض سفر في زوايا الغياب !
*
ومن قصيدته الأخيرة: التّحت..
لم أنزل، بعد، عن حامضي الأثيم
لا اتذاكر احدا من اللواتي يشذبنني بنداهة ابتهال
لن اكرر الشفقة على نفسي لأخضها ماءا..و..أكثر
*
اعرف أن هذه حكاية جبن ما زلت أبرهنها شواطئ جافة
لذا سأضحك عليّ كي أمسح رقتي الكانت عن إطارها
العائم
ثم أسألني:
بمن سيبدأ الحبر بعدها
إذ مزجته الآن بصفوة نرجس ؟
***
رام الله 10\10\2005
"ramallah-arts"