في إحدى الليالي المظلمة بينما أنا وحيدة جائعة اشعر بالخوف والضعف وابحث عن من الجأ إليه وإذ بقدماي تسيراني حتى توقفت لأجد نفسي أمام أبواب بغداد فطرقت بابها معتقدة بأنه ستخرج من خلف الباب تلك الجميلة ذات العينات الجميلتان بغداد التي ليس كمثلها شي لكي تفتح لي الباب وتستقبلني إلا إن المفاجأة حصلت بعد أن فتحت لي الباب وإذ بي أرى جمالها الخلاب وقد ذبل وابتسامتها المليئة بالسعادة قد ملاها الحزن والألم عيناها السحريتين وقد طغت عليهما دمعة الحزن والعجز والغدر وكانت مطاطئة رأسها بعد أن كان مرفوعا لمئات السنين بينما أناظرها نظرة الم وصدمة قالت لي : نعم تفضلي ماذا تريدين فأجبتها : قصدتك وأنا عطشى ومن سواك أهل لطلب ماء للشرب قالت : كان في الماضي يأتيني العطشان فانثر أمامه مياه دجلة والفرات ليروي عطشه أما ألان وقد لوث الفاسدون مياه النهرين ولم اعد املك ما اروي به عطش الضمئان فقلت : إذن أعطيني بعض الطعام فانا جائعة وقد سمعت بأنك تملئين جوف الجوعان من الغرباء قبل غيرهم وأنا لست غريبة وأولى بكرمك فأجابت : كان يأتيني الجائع الذي لا اعرفه فيقول إني اشعر بالجوع فأضع أمامه كل خيراتي فيأكل حتى يشبع أما ألان فانا غير قادرة على إطعام نفسي وأبنائي بعد أن سرق اللصوص كل خيراتي قلت : إنني خائفة وقد علمت بأنك ملاذ للخائفين قالت : نعم كنت ملجأ لكل من ضاق به السبل فاحميه و أزيل عنه الخوف بعد أن أوفر له الأمن والطمأنينة أما ألان فأبنائي باتوا يهربون خوفا مني ويلجاون إلى الغريب طلبا للأمن والأمان فكيف لي أن أكون ملاذ الخائفين بعد كل هذا فقلت : أما تريني مستضعفة عاجزة اولست أنت التي تجير كل ضعيف عاجز فأجابت : عندما كنت قوية كان يأتيني المستجير فأجيره فمن يكون في جواري يصبح عزيزا شامخا قويا فيقول الناس هذا الذي في جوار سيدة الدنيا بغداد أما ألان وقد أصبحت ضعيفة منكسرة ومهانة أصبحت أستجير فلأجد من يجيرني فكيف أجيرك وأنا اطلب من يجيرني سألتها : من الذي جنا عليك بكل هذا المذلة والعجز والخوف ونعلم بأنه لم يكن باستطاعة احد مواجهتك وإعلان عداوته لك قالت : ألا ترين إن لكل قوي نقطة ضعف فقلت : وما كان نقطة ضعفك قالت : الغدر والخيانة فسألتها من ذا الذي يجرا على الغدر بك قالت : أحبائي و أشقائي الذين طعنوني من خلفي فقسموا ظهري وكانت نقطة التحول من القمة إلى القاع فسقط هيبتي وجبروتي ونزعت رداء كبريائي ولن استطيع النهوض بعد ألان فسألتها : أين الأمل الذي نشرته في صفوف الناس وذلك بعد أن كنت تسقطين وتتعرضين لأسوء الأحداث وبعد ذلك تعودين أقوى من قبل وتثبتين للعالم إن الكبير لربما يمرض ولكنه لا يموت وان ما حدث لكي ليس إلا كبوة جواد فأجابت : لو طعنني الغريب أو العدو لكان أملي بعده قائما وكنت قادرة على العودة أقوى وأجمل ولكن أملي مات عندما خانني أحبائي فقلت : يا سيدتي إن التعرض للخيانة ليس إلا بداية النصر والقوة وأنت ما زلت تملكين أسلحة قوية ولاسيما السلاح الأقوى الذي يعتبر سر كل قوي فسألتني : ماذا تقصدين ما هذا السلاح الذي يقويني بعد أن أضعفتني الخيانة قلت : يا سيدتي إنها سلاح حب أبنائك العراقيين لكي فمازال الملايين يعشقونك وان الدماء الذي يسكبه أبنائك ليس إلا دليل على حبهم لكي واستعدادهم للموت ألف مرة لأجلك وهل هناك سلاح أقوى من هذا تستطيعين من خلاله مواجهة الضعف قالت : هل صحيح إن أبنائي مازالوا يحبوني رغم ما حل بهم بسببي قلت : بالتأكيد أما ترين أبنائك يسقطون أمواتا في كل يوم ما السبب الذي يجعلهم يموتوا بهذه الطريقة القاسية غير حبك يا سيدتي بعشق أبنائك ستمحين كل ذكريات الخيانة والمذلة وترفعين شعار الأمل من جديد فقالت : وماذا عن الفاسدين والسراق الذين نهبوا ثرواتي واستولوا على كل خيراتي وكبريائي وحولوهم إلى الفقر والذل فقلت : بحبنا لكي سنغير الدنيا لأجلك إياك اليأس و الخضوع ولا تقولي إنني عاجزة ولا املك شيئا فأنت تملكين حب الملايين وان كنت قوية أم ضعيفة إن كنت غنية أم فقيرة كيفما كنت فاننا نحبك وبحبنا لكي سنروي للعالم قصة عشقنا الأبدي لكي حتى نجعل الجميع يغارون منك هذا هو لسان حال كل عراقي عشق ترابك يا بغداد هنا رفعت رأسها وابتسمت وقالت : اجل هو كذلك يا أيها العالم لتسمعوا وتنصتوا فبعشق أبنائي لي وعشقي لهم فانا عائدة إلى القمة ولن أرضى أن أكون إلا في القمة لكي أكافا حب أبنائي لي بان اجعل مدينتهم الأولى كما عهدني الجميع ولم لا وأنا بغداد عاصمة عراق الحضارات والنهرين بغداد الرشيد دار السلام عاصمة الدنيا كلها واهم من كل هذا فانا ام لأعرق الشعوب وأكرمهم شعب الرافدين فقلت : سلام الله عليك يا بغداد الرشيد وعلى عراق الإنسانية والحضارات وعلى رافديكما دجلة والفرات وعلى شعبي شعب العراق العزيز