أولاً: القرية والعائلة
1- رافات تدخل التاريخ
تقع قرية رافات، على قمة هضبة مرتفعة ضمن سفح عرق الجبال التي تشكل رأس المثلث بالنسبة لمدن نابلس ورام الله وقلقيلية. وعلى الرغم أنها تبعد عن مدينة طولكرم (27) كيلومتراً، إلا أنها تتبع من الناحية الإدارية لواء سلفيت في محافظة نابلس، لأن مدينة نابلس التي تقع على مسافة (38) كيلومتراً شمال شرق القرية ذات نشاط تجاري أوسع وأكبر من مدينة طولكرم إلى جانب توفر المواصلات والطرق إليها بشكل أفضل. وتحيط مجموعة من قرى العرقيات برافات، فالزاوية تقع إلى الشمال، ومسحة إلى الشمال الشرقي وتجاورها بديا وسرطه من الشرق، في حين تقع دير بلوط في الجنوب وبروقين وكفر الديك في الجنوب الشرقي. وتمتد الأراضي المحتلة منذ عام 1948 بانبساط واضح في الاتجاه الغربي حيث التجمعات الاستيطانية الواسعة مثل مستوطنات (عيليه زهاف) و(بدوئيل). واسم (رافات) مشتق من جذر (رفا) سامي مشترك يفيد اللين والتراخي والرفاه والشفاء، وبذلك يكون معناها مكان الراحة والاستسقاء(1).
تبلغ مساحة أراضي رافات (8125) دونماً من بينها (24) دونماً مخصصة للبناء ودونمان للطرق والوديان، والباقي تعتبر أراضي زراعية يزرع فيها القمح والشعير والكرسنة والخضار. وتشير الإحصاءات إلى أن نحو (634) دونماً من أراضي القرية مزروعة بأشجار الزيتون ونحو (200) دونماً أخرى مزروعة بأشجار الفواكه كالتين والعنب وغيرها. كما تحتوي أراضي القرية على أساسات مبان تاريخية وأرضيات مرصوفة بالفسيفساء والبلاط ومداخن منحوتة في الصخر وصهاريج تعود إلى العصور القديمة وبخاصة القرن السادس الهجري(2).
الحياة في رافات لم تكن يوماً سهلة، فالقرية تفتقر إلى مصادر المياه الجارية والكهرباء والاتصالات، إذ تشرب رافات من مياه الأمطار وتعتمد معظم العائلات على بطاريات السيارات ومولدات الكهرباء المتنقلة لتشغيل الأجهزة الكهربائية. وحتى عام ،1967 لم يكن بالقرية مسجد، إذ أن المسجد القديم الذي بناه المماليك عام 672هـ هدمته القنابل خلال الحرب العالمية الأولى نظراً لوقوع القرية على خط التماس بين الجيش العثماني والجيوش البريطانية الغازية. وتعاني القرية من صعوبة وصول السيارات إليها بسبب تدهور وضع الشارع الرئيسي الذي تم تعبيده عام ،1985 كما أن عدم وجود شبكة للهاتف تربط القرية بالعالم الخارجي زاد من معاناة أهل القرية(3).
وفي ضوء هذه الأوضاع، لا غرابة أن تتأخر مسيرة التعليم في القرية، إذ لم يكن في رافات سوى خمسة رجال يلمون بالقراءة والكتابة حتى العام 1948. وهو العام الذي تم فيه تأسيس مدرستان، واحدة للبنين، أعلى صفوفها الخامس الابتدائي، وثانية للبنات ضمت الصفين الأول والثاني الابتدائي فقط(4).
أما بالنسبة لعدد سكان رافات، فإنه لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع. إذ تشير الوثائق القديمة بأن (92) نفساً كانوا يسكنون القرية عام ،1922 ما لبث عددهم أن ارتفع في عام 1931 إلى (127) يسكنون (31) بيتاً. وفي نيسان1945 قدرت المصادر البريطانية عدد سكان رافات بنحو (180) شخصاً. وفي التعداد العام للسكان الذي أجرته المملكة الأردنية الهاشمية في الضفة الغربية بتشرين ثاني/ نوفمبر 1961 كان عدد سكان القرية (375) شخصاً، بينهم 167 من الذكور و 208 من الإناث(5). ومنذ الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية لم يجر أي تعداد للسكان، وإن كانت معظم المصادر الصحفية تقدر عدد سكان رافات اليوم بين 1500 و 1700 نسمة معظمهم من الفتيان والشباب. ويعتمد هؤلاء في معيشتهم على الزراعة والعمل في ورش البناء في فلسطين المحتلة منذ عام 1948.
ظلت رافات قرية مغمورة حتى خلال سنوات الانتفاضة، إذ لم تذكرها وسائل الإعلام سوى مرة واحدة فقط حين اقتحمت قوات الاحتلال مسجد القرية بسبب نشاطات الشباب المسلم في مواجهة الدوريات العسكرية، غير أنها أضحت محط أنظار وسائل الإعلام المحلية والإسرائيلية والعالمية. فمنذ عام ،1992 تعرضت قرية رافات وسكانها للحصار والمراقبة والتفتيش والاقتحام المستمر فيما انتشر جنود المستعربين والوحدات الخاصة على مداخل قرى الزاوية ودير بلوط المؤديتين لرافات بالإضافة إلى إقامة حواجز عسكرية دائمة في محيط القرية. وذلك بسبب شاب واحد من أهل القرية طاردته سلطات الاحتلال وأصبح فيما بعد المطلوب رقم (1) للدولة العبرية التي نشطت كل أجهزتها للكشف عن مكانه ومحاولة إلقاء القبض عليه.
2- عائلة عياش
ينحدر يحيى عياش من عائلة عرفت بتدينها وبساطة أفرادها وماضيها الجهادي. فآل عياش، شاركوا في الانتفاضات والثورات الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني منذ وعد بلفور وحتى الثورة العربية الكبرى عام 1936(6).
عبد اللطيف ساطي محمود عياش، والد الشهيد، ظل ملتصقاً بأرض الآباء والأجداد يعمل في الزراعة تارة وفي أعمال نقش الحجارة تارة أخرى. وفي عام ،1955 تطوع عبد اللطيف في الجيش العربي الأردني حيث خدم كجندي بسلاح المشاة في عدة مواقع عسكرية، وعلى وجه التحديد تلك المواجهة لبلدة كفر قاسم على خط الهدنة بين الكيان الصهيوني والضفة الغربية.
وحين ترك الجيش عام ،1963 عاد عبد اللطيف إلى مهنة الزراعة ونقش الحجارة في قريته وتزوج من قريبته عائشة عياش(7).
بنى عبد اللطيف وعائشة بيتهما المتواضع، وكونا عائلة صغيرة ضمت بالإضافة إليهما ثلاثة أبناء: يحيى الذي ولد في عام ،1966 ومرعي الذي ولد عام ،1969 وأخيراً يونس الذي ولد في عام 1975.