تساؤلات ؟؟؟؟؟
قُطفت الأزهار الحمراء .. عندما اجتاحت الشمس كبد السماء .. وراحت العصافير تغني بسعادة و هناء ..
وكأنها تدري بأن اليوم عودة سناء ..
فُتحت ستائر المنزل ، وسُمحت للأشعة الذهبية الدخول ، لكي تبهج الدنيا مع بهجتها ، و انتشرت رائحة الطعام الذكية في كل الأركان ، حتى تسربت إلى الخارج ، و كل من مر من جانب المنزل انتعش بالرائحة ، وحلم بوجبة لذيذة ، و ما هي إلا ساعات قليلة مرت و طُرق الباب ....
ذهبت العائلة بكل أفرادها نحو الباب لاستقبال فلذة كبدهم سناء ، وكان شادي الصغير قد سبق الجميع و فاز هو بفتح الباب ، نظر شادي و أصيب بالإحباط قائلاً : ماذا تريد الآن يا أحمد ؟
أحمد : أريد منك أن تأتي و تلعب معي .
شادي : عذراً منك يا أحمد لا أستطيع فأنا مشغول جداً .
أحمد : حسناً يا شادي أراك في يوم أخر .. ودعه وذهب ..
رجع شادي و الخيبة رسمت ملامحها على وجهه ... قائلاً : هذا أحمد . وتنهد تنهداً عميقاً ....
جلسوا وكأنهم يجلسون على الجمر قد شبع من إشعال النار ، والأزهار التي زينت بها أرجاء المنزل ذبلت من طول الانتظار ، و الشمس رحلت مودعتهم فالنعاس داهمها وأخذها بالقطار ، و استقبلوا الليل بوجوه رسمت عليها استفهامات عدة ، وبحزن قد أخذ دروب كثيرة ...
كسر صمتهم وقلقهم جرس الهاتف .... أجاب الأخ الأكبر سمير ..
قائلاً : ألو .
هبه : السلام عليكم .
سمير : وعليكم السلام ، أهلا أختي لما تأخرتِ ؟؟؟ ... من لهفته ظنها أخته سناء ...
هبه : أنا هبه صديقة سناء .. أرجوك تعال نحن ننتظرك جانب مستشفى الأمل ، لا تتأخر .
سمير : حسناً الآن سآتي .
عادت البسمات تطرق أفواههم فرحاً بقدوم سناء بعد كل هذا الانتظار .
ذهب سمير وركب سيارته و مشي بها مسرعاً لكي يصل إليهما بأسرع وقت ، وهو في الطريق اجتاح فكره سؤال ؟؟؟؟ لما اتصلت هبه و لم تتصل سناء ؟؟ ..وبعدها دب القلق و الحيرة و كثرت التساؤلات في ذهنه ،
فأسرع أكثر من الأول لعله يصل و يعرف الأجوبة ...
وصل للمستشفى دار حولها ثلاث مرات و لم يجد أحد فأشتعل في قلبه نار الخوف و الاضطراب ، و عندما هم باللفة الرابعة ، رأى يد فتاة تشير له بأن يتوقف .. توقف .. قربت منه و كانت بعض الدماء على وجهها
قالت له : أنا هبه أرجوك ضع السيارة جانباً و تعال معي .
أوقف سيارته و نزل بسرعة رهيبة متسائل أين سناء ؟؟؟
هبه : إنها بخير انتظر و هدي نفسك ، اجلس أرجوك أريد التحدث إليك ..
رأته متوتراً كثيراً فأحبت أن تهدي من روعه و توتره .
قالت : في طريقنا إلى هنا ، حافلة النقل التي كنا بها صدمت بحافلة أخرى و أصيب كثير من من كان بالحافلة و واحدة منهم كانت سناء .
سمير : ماذا حصل لها ؟؟؟ ما بها ؟؟ و تحول لون وجهه إلى أحمر قاتم من الخوف و الحزن على أخته .
هبه : لا تخف إنها بخير ، و لكن فقدت الوعي ، وقال الأطباء بإذن الله غدا تستفيق ، فغيبوبتها نتجت من أثر الصدمة ، و لكنها بخير والحمد لله .
دخل سمير وهبه إلى المستشفى ، دخل ورأى أخته الوسطى ، رأى ملجأ همه ، وصندوق سره ، رأى نبع الحنان الذي كان يشرب منه ، رأى أخته الغالية سناء مستلقية على السرير لا تستجيب وكأنها ودعت الحياة .
نظر إليها بكل حرقة وألم ... و بعد وقت من الزمن تذكر أهله يا ترى ما حل بهم من الهواجس ؟؟
قال سمير لهبه : أرجوك ابقي هنا بينما أذهب وأخبر أهلي وأتي ..
رجع إلى المنزل وفتح الباب ، وبمجرد فتحه كانت العائلة تقف لاستقبال حبيبتهم سناء ، دخل والحزن قد خيم على وجهه ، وشلالات الدموع قد انهارت على خديه ، تجمعوا حوله الجميع و بدءوا بذخ الأسئلة عليه ، وهو كان يجيب بالبكاء .. حتى بكي الجميع .
ثم قال : سناء في المستشفى و هي بخير ولكن أغمي عليها نتيجة حادث صار للحافلة .
ذهبت العائلة الكريمة إلى المستشفى و ثم عادوا ما عدا أمها بقيت قربها ...
قامت تهمس العصافير أغنية الصباح في أذن سناء ، لكي تستيقظ و تستقبل نهار جديد ، حركت رأسها قليلاً
ثم فككت أسر الكلام ، وبدأت تقول أمي .. أمي .. قامت أمها بسرعة لجانبها قائلة : ماذا يا أمي ؟؟ ماذا يا روحي ؟؟ ماذا يا عمري ؟؟ يا حبيبتي استيقظي أنا قربك .. أنا أمك ..
وبدأت رويداً رويداً تستفيق من غيبوبتها .. قامت أمها و نادت للطبيب . جاء و نظر إليها و فحصها و قال لها : الحمد لله إن حالتها مستقرة تماماً و هي بخير ..
استفاقت من غيبوبتها .. متسائلة : أين أنا ؟؟؟ لما أنا هنا ؟؟
قالت لها أمها : حمداً لله على سلامتك يا أبنتي .. ودموعها لم تتوقف عن الهطول ، فقد مضت ليلة عاصفة قوية و غزيرة بالبكاء .، يا ابنتي لقد صار للحافلة حادث وأغمي عليك وأنت بخير و الحمد لله .
سناء : أين هبه هل حدث لها مكروه ؟؟؟؟
أمها : لا يا ابنتي ذهبت مع أخوتك إلى المنزل لكي ترتاح .
سناء : الحمد لله .
لبست سناء ثوب العافية و قامت ترفل به ، مودعه كل أجواء المستشفى متجهه إلى منزلها الذي مضى عاماً عليه و لم تدسه قدميها ، عادت إلى المنزل الذي حفظ طفولتها بكل مراحلها ، الذي امتلأت جدرانه بأسرارها ، وشرب أثاثه من دموعها ، دخلت إليه و الدموع قد امتلأت بقلبها حتى فاضت و تساقطت من عينيها ، دخلت و عانقت كل أفراد العائلة ما عدا والدها ، سلمت عليه و قبلت يده ، نظرت بعينيه وكأنها تنظر إليهما لأول مرة شعرت بأن أباها يكن لها من الحب والشوق ، لم تراه من قبل ، شعرت بأن أباها يحمل لها مشاعر خاصة بها ، ولكن يا ترى أين هي في الماضي ؟؟؟!!!!
فوزع الفرح أزهاره على كل أخوتها و أمها ووالدها و هي أيضاً ، وجلسوا سويا ً يتبادلون الحديث ، و هي كعادتها لا تتكلم كثير ، و بالأخص بوجود والدها ..
ارتدت السماء ثوبها الأسود الذي زين بالقمر و النجوم و عم على الناس السكينة ، استلقت سناء كعادتها على سريرها المعطر المريح ، و أشعلت مصباحها الذي سكن بجوار السرير ، و فتحت دفترها الذي تكتب به كل أسرارها ، كل ما يحب أن يبوحه قلمها ... كتبت
والدي .. لما أنت بعيد عني ؟؟ رغم ما كشفته اليوم لي أدمى قلبي ...
أبي و حبيبي لما دوماً أعطيتني انطباع عنك القوي المتشدد ، المتمسك بأرائك ؟؟؟
لما لا تسمعني و تفهمني ؟؟؟ لما تخاف أن تخرج مشاعرك ؟؟؟ لما بنيت الحاجز بيننا ؟؟؟
رغم وجودك قربنا كنا لا نشعر بحنانك ... لا نشعر إلا بخوف من تأنيبك و قراراتك الصارمة وإن لم نخطأ .
والدي أتدري بأني أحبك رغم ما تركته من انطباع في ذاكرتي ، أبي كم تمنيت أن أتي و أحدثك دون أن أحسب لكل كلمة ألف حساب ، كم تمنيت أن تدلعني و تحضنني ، وان تمازحني ، و إن طلبت منك طلب لا ترفضه وإن رفضته تترك لي مجال للنقاش .
أبي و حبيبي تساؤلات عدة تدور في خلدي فهل يا ترى ستعرف سري ؟؟؟
و هل يا ترى ضاع الأوان و سنبقى كما كنا ؟؟؟؟
أبي أحبك أحبك و أرجوا من الله أن يديمك و يبقيك ..... ابنتك سناء